البحرنة في أدنى مستوياتها... لماذا؟
هاني الفردان ..
سجل الربع الأخير من العام 2015 انخفاض نسبة البحرنة إلى أدنى المستويات التي عرفتها البحرين، وذلك بعد أن بلغت 21.6 في المئة، وهو ما دون الحد الأدنى والبالغ 24.2 في المئة، بحسب التصريحات الرسمية.
ويأتي تراجع نسبة البحرنة استمراراً لمسلسل التراجع الذي بدأ منذ سنوات، فكانت أفضل نسبة وثقت رسميّاً لمستوى البحرنة في القطاع الخاص في العام 2002، وذلك عندما بلغت 34.2 في المئة، لتبدأ منذ ذلك العام مسلسل التراجع التدريجي والمتواصل حتى بلغ في أواخر العام 2008 ما يُعرف بـ «الحد الأدنى المقبول لنسبة البحرنة» (24.2 في المئة).
خلال 14 عاماً تراجعت نسبة البحرنة بواقع 12.6 في المئة، على رغم أنه كان من المفترض أن ترتفع نسبة البحرنة مع ما أطلق من مشاريع لإصلاح سوق العمل وجعل البحريني الخيار الأفضل لسوق العمل، والملايين التي صُرفت على مشاريع توظيف لا يُعرف إلى أين ذهبت وماذا حققت؟!
الغريب أن نشرة هيئة تنظيم سوق العمل الفصلية كانت تورد نسبة البحرنة في تفاصيلها والتغيرات التي طرأت عليها، إلا أن النشرة توقفت منذ سنوات عن ذكر النسبة بعد أن تم التركيز عليها وتحليلها وقراءتها والربط بينها وبين المتغيرات التي تحدث على الساحة بشكل مستمر، مع رصد تراجعها بشكل مستمر.
في سبتمر/ أيلول 2009 كشفت دراسة فجوة المهارات، أجرتها مجموعة «الين» الاستشارية بتكليف من قبل صندوق العمل (تمكين) عن أن البحرين شهدت خلال العامين 2002 و2008 نمُوّاً قويّاً في سوق العمل (زيادة في عدد الموظفين بنسبة 82 في المئة)، مشيرة إلى أن معظم هذه الزيادة كانت من العاملين غير البحرينيين بمعدّل نمو بلغ نحو 106 في المئة، ونتيجة لذلك، فإنّ مستوى البحرنة في سوق العمل قد انخفض من 34.2 في المئة في العام 2002 إلى 25.3 في المئة في يونيو/ حزيران 2008.
وأكدت الدراسة أن نسبة التغير الذي شهدتها البحرين منذ العام 2002 حتى العام 2008 كانت كبيرة على مستوى العمالة الأجنبية، إذ بلغت 106 في المئة، فيما كانت نسبة التغير للبحريني قد واصلت النزول حتى بلغت - 26 في المئة، ومنذ العام 2008 وحتى الآن تراجعت نسبة البحرنة لتصل إلى أدنى مستوى لها عرفته البحرين وهو 21.6 في المئة.
مع السياسات الجديدة، والتوجهات الأخيرة المعلنة رسميّاً في التوجه نحو عدم إيلاء البحرنة الأهمية الكافية، وسقوط مشاريع جعل البحريني الخيار الأفضل، فإنّ نسبة البحرنة متوقع أن تتراجع إلى ما دون الـ20 في المئة.
ذلك التوقع ليس تخيُّلاً، بل مرتبط بأحاديث مسئولين وتوجهاتهم الجديدة لاستحداث برامج ومشاريع تحل محل نسبة البحرنة، كـ «النظام الموازي» للبحرنة، والذي يقوم على دفع 300 دينار عن كل ترخيص لعامل أجنبي بعد تخطّي النسبة المقررة للبحرنة على شركته.
مشاريع كثيرة جديدة، تسير عكس ما طُرح منذ سنوات بشأن إصلاح سوق العمل وجعل البحريني الخيار الأفضل. فالسلطة «التشريعية» في البحرين، لم تتحرك من قبل ولم تسأل، ولم تفعل أي شيء إزاء قضية البطالة في البحرين، والسياسة المتبعة في تفضيل الأجنبي على البحريني، حتى صدمنا مجلس الشورى برفضه في جلسة الإثنين (19 يناير/ كانون الثاني 2015) بمشروع تعديلات على قانون العمل، ينصّ على إعطاء أفضلية للمواطن البحريني على الأجنبي في حال التوظيف، ومراعاة تسريح الأجنبي قبل البحريني في حال اضطرار المنشأة إلى الإغلاق الجزئي أو الكلي، وهو ما فتح الباب واسعاً من جديد للحديث عن الحمائيات التشريعية التي تضمن للمواطن البحريني تميّزه في التوظيف وحمايته عند التسريح، وخصوصاً بعد أن ألغى قانون العمل الجديد رقم (36) لسنة 2012 المادة (13) الخاصة بالتوظيف والاستخدام، وخفّف كثيراً من قيود المواد 110-111-115 الخاصة بحالات التسريح والتعويض.
قانون العمل البحريني لسنوات طويلة ارتكز على أساس الأولوية في التوظيف للمواطنين البحرينيين، كما استهدف مشروع إصلاح سوق العمل جعل المواطن البحريني الخيار المفضل للعمل في القطاع الخاص من خلال تزويده بجميع المهارات المطلوبة في سوق العمل. وكان ذلك النص القانوني بمثابة «حق مكتسب» للعامل البحريني لا يمكن المساس به، حتى أُسقط من قانون العمل الجديد، وتحوّلت سياسة «المواطن أولوية» إلى كون توظيف «الأجنبي هو الأولوية».
فلن نستغرب أبداً عندما نجد أن القطاع الخاص خلق في ثلاثة شهور (الربع الرابع من 2015) 19 ألفاً و229 وظيفة، كان نصيب البحرينيين منها فقط 1506 وظيفة (ما نسبته 8 في المئة فقط)، كما خلق 420 وظيفة ذات أجور عالية تفوق الألف دينار كان نصيب البحرينيين منها فقط 13 وظيفة!
نعم، البطالة ونسبة البحرنة، وسيطرة الأجانب على الوظائف ليس في القطاع الخاص بل حتى على عملية التوظيف الجديدة في القطاع العام، جزء من أزمة خانقة تعيشها البحرين، في ظل عدم إدارك الكثيرين أن البطالة والتوظيف جزء أساس ساهم في الاختناق الذي نعيشه حالياً؛ وأن «سياسة» إقصاء البحريني واللجوء إلى الأجنبي ستزيد من تعقيد المشهد.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/06/22