منتجو النفط .. وارتفاع الأسعار
نعمت أبو الصوف ..
الجميع في صناعة النفط يريد أن يرى عودة أسعار النفط إلى مستويات مرتفعة لتحقيق مكاسب كبيرة. حيث إن الدول المنتجة للنفط بحاجة إلى عائدات أعلى، الشركات العالمية تريد تحقيق مزيد من الأرباح، والعاملون في الصناعة يريدون رواتب أعلى ومزيدا من فرص العمل. ولكن عندما تصبح أسعار النفط المرتفعة السبب في تراجع وضعف أسواق النفط، وتؤدي إلى فقدان العاملين وظائفهم، وتقلص أرباح الشركات أو إفلاسها، عندها يبدأ الجميع القلق من عودة الأسعار إلى مستويات عالية جدا.
في السنوات القليلة الماضية، بقاء أسعار النفط عالية لفترة طويلة جعل عديدا من مصادر النفط غير التقليدية مثل النفط الصخري وحقول المياه العميقة أكثر اقتصادية. نتيجة لذلك، بدأ عديد من شركات النفط والغاز الاستثمار بقوة في تطوير هذه الموارد. نمو الاستثمارات هذا أعطى دفعة قوية لإحداث مزيد من التطور في تقنيات الاستكشاف، والحفر والإنتاج. وساعدت هذه التقنيات على زيادة إنتاج النفط من هذه الموارد وخفض تكاليف التطوير والتشغيل. كل شيء أصبح يعمل بشكل جيد وبدأ إنتاج النفط من خارج دول «أوبك» وخصوصا من الذين يملكون هذه الموارد بالارتفاع مثل إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة.
بدأ منتجو «أوبك» يستشعرون تهديد إنتاج النفط الجديد لحصتهم السوقية. ونتيجة لذلك، غيرت «أوبك» إستراتيجيتها من موازنة أسواق النفط والحفاظ على أسعار نفط عالية قدر الإمكان إلى الدفاع عن حصتها في السوق. واستمر الجميع في ضخ مزيد من النفط، ما أدى إلى وفرة المعروض في الأسواق العالمية. بدأت أسعار النفط في الانخفاض وهذا هو بالضبط ما أدى إلى الانكماش. واليوم، وبعد عامين تقريبا من ركود أسواق النفط، بدأت أسعار النفط في الارتفاع مرة أخرى. مع ذلك، لم يكن الجميع في صناعة النفط سعيدا جدا بذلك، حتى أولئك الذين بحاجة ملحة إليه.
من ناحية دول «أوبك» التي عملت في السنوات القليلة الماضية بشكل وثيق جدا لتحقيق التوازن في أسواق النفط من أجل الحفاظ على أسعار نفط مرتفعة لزيادة إيراداتها، تناضل الآن للدفاع عن حصتها في السوق. لقد أدركت أنه على الرغم من أن ارتفاع أسعار النفط كان جيدا بالنسبة لها، إلا أنه ساعد أيضا منافسيها على زيادة الإنتاج وأصبحت تشكل خطرا على حصة «أوبك» السوقية. ولكي تتمكن «أوبك» من مجابهة هذا التهديد، يجب أن تظل أسعار النفط أقل من أسعار تعادل إنتاج منافسيها. في الآونة الأخيرة، أصبح من الواضح أن 50 دولارا للبرميل وأدنى هو المستوى الذي ينبغي أن تبقى أسعار النفط عنده لمنع إنتاج الدول من خارج «أوبك» من التعافي والنمو بقوة من جديد.
دول «أوبك» مثل باقي المنتجين بحاجة ماسة إلى رؤية أسعار النفط ترتفع مرة أخرى، ولكن ماذا يمكن أن تفعل حيال ذلك؟ في ظل السياسة الحالية لا شيء. وهي تعرف أنه إذا ارتفعت أسعار النفط فوق 60 دولارا للبرميل، سوف يعود نشاط عديد من منتجي النفط الصخري، وسوف يزداد إنتاجهم. في الواقع، عند أسعار نفط قرب 50 دولارا للبرميل، نسمع الآن أن فقط عددا قليلا من شركات النفط الأمريكية يخطط لزيادة عمليات الحفر هذا العام.
إذا ما أرادت دول «أوبك» عودة الأسعار إلى الارتفاع بقوة من جديد، ينبغي عليها أن تضحي ببعض حصتها السوقية. وإذا فعلت ذلك، فإنها في نهاية المطاف قد تخسر تأثيرها في أسواق النفط. من ناحية أخرى، على الرغم من أن منتجي النفط الصخري في حاجة ماسة إلى رؤية أسعار النفط مرتفعة مجددا من أجل تحقيق الأرباح، إلا أنهم يعرفون تماما أن ثمن ارتفاع أسعار النفط سيكون مكلفا.
إذا ارتفعت أسعار النفط إلى مستويات عالية في أي وقت قريب، وهو أمر مستبعد للغاية، فإن عديدا من منتجي النفط الصخري سوف يستأنفون أنشطة الحفر والإنتاج وخاصة أولئك الذين تم إقصاؤهم. وهذا سيؤدي إلى زيادة إمدادات النفط العالمية التي، إذا لم يقابلها نمو مماثل في الطلب، فمن شأنها أن تؤدي إلى انخفاض في أسعار النفط.
نظرا لكون دول «أوبك» تحمي الآن حصتها في السوق، من المستبعد جدا أن تقوم بخفض إنتاجها النفطي لتحقيق التوازن في الأسواق. بدلا من ذلك ستقوم بزيادة إنتاجها النفطي كل حسب إمكاناته من أجل إيجاد انكماش جديد لإجبار منتجي النفط عالي التكلفة على الخروج من السوق مرة أخرى.
ما تقوم به دول «أوبك» الآن هو نقل رسالة إلى المنتجين من خارج المنظمة خصوصا منتجي النفط الصخري مفادها بأن عودة أسعار النفط المرتفعة ليست جيدة للأسواق. لا يرغب منتجو النفط الصخري في خوض تجربة أخرى من انكماش الأسواق لأنهم كانوا هم الأكثر تضررا من الأزمة الحالية. وهذا هو السبب في أنهم يخشون أيضا من ارتفاع أسعار النفط.
على ما يبدو الآن أن جميع الدول المنتجة من داخل «أوبك» وخارجها تتفق على أن مخاطر ارتفاع أسعار النفط تفوق فوائده. لذلك من المتوقع أن تبقى أسعار النفط في نطاق بين 40 إلى 60 دولارا للبرميل لبقية عام 2016، ما لم يكن هناك حدث جيوسياسي أو في الأسواق غير متوقع، عندها سوف تتحرك أسعار النفط خارج هذا النطاق، صعودا أو هبوطا.
جريدة الاقتصادية
أضيف بتاريخ :2016/06/24