أوروبا.. ماذا بعد صعود الأحزاب اليمينية!
محمد العوفي ..
انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد نحو أربعين عاما، وما سيخلقه من تأثيرات محتملة على الخارطة السياسية والاقتصادية، وما تنادي به بعض الأحزاب في هولندا، وفرنسا، ودول أخرى لأتباع سياسية الاستفتاء البريطاني للانفصال عن الاتحاد الأوروبي، لا يمكن أن يحدث لولا صعود نجم الأحزاب اليمينية في أوروبا بشكل عام.
وفي بريطانيا مثلا، كانت قوة حزب الاستقلال البريطاني بزعامة اليميني فاراج نيجل سببا رئيسا في الضغط على رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، ودفعه للوعد بتنظيم الاستفتاء للمرة الأولى عام 2013، ومنذ ذلك الحين، وهو يسجل حضورا في الساحة السياسية البريطانية، حيث تقدم على باقي الأحزاب البريطانية الأخرى في الانتخابات المحلية، كما حصل على 24 مقعدا من أصل 73 مقعدا بريطانيا في البرلمان الأوروبي.
وفي الدول الأوروبية الأخرى مثل السويد، وفرنسا، والنمسا، وهولندا، وسويسرا يعطي تقدم الأحزاب اليمينية - رغم اختلاف مسمياتها - في الانتخابات دلالة قطعية على أن سنوات ربيع الأحزاب اليمينية في أوروبا مقبلة.
وتعليقا على اتساع رقعه الأحزاب اليمينية في أوروبا، يقول أستاذ الشؤون الأوروبية والسياسة المقارنة في جامعة لندن للاقتصاد سايمون هكس «إن ما نراه اليوم في أوروبا، هو تشظ لأصوات الناخبين نحو أقصى اليمين وأقصى اليسار، وتراجع شعبية أحزاب يمين الوسط، ويسار الوسط التقليدية من 40 % إلى نحو 25 % أو أقل، وهذا يحدث في كل أنحاء أوروبا، ويطرح إشكالية غير مسبوقة منذ عقود».
والحراك السياسي الذي تقوم بها هذه الأحزاب، وتقدمها في انتخابات المجالس البرلمانية الأوروبية، وحصولها على عدد مؤثر من المقاعد لم تكن ممكنة في سنوات الاعتدال الأوروبي، كما أنه يشير إلى أن السنوات المقبلة هي سنوات الأحزاب اليمينية المتطرفة بكل ما تحمله من أفكار متطرفة، ومواقف سلبية تجاه الآخر، وتجاه الاتحاد الأوروبي، وسعيها لتقليص نفوذه أو الانسحاب منه لأنهم يرون أنه سبب في معاناة أوروبا اليوم.
والأحزاب اليمينية على اختلاف مسمياتها وتوجهاتها تجتمع على العداء للمهاجرين، وتسعى للحد من الهجرة، وتستخدمهما في خطابها التعبوي لإقناع الناخب الأوروبي لترويج مشاريعها السياسية، وتسوق رسائل عنصرية بحتة كالإسلام فوبيا، وما ستخلقها ظاهرة الهجرة من تغير ديموغرافي نتيجة النمو المطرد للمهاجرين خصوصا المسلمين، وما قد ينتج عنه من أسلمة أوروبا.
كما أن الفشل في مواجهة وحل أزمة اليورو عام 2008، وما نتج عنها من تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي، وميل الحكومات إلى سياسات التقشف الاقتصادي، وتراجعها عن تمويل برامج الخدمات الحكومية بشكل عام، وبرامج الصحة والتعليم بشكل عام، وتسريح العديد من العاملين في الجهات الحكومية وازدياد نسب البطالة، كانت سببا آخر لإقناع الناخب الأوروبي بمنح صوته لهذه الأحزاب.
وتحقيق هذه الأحزاب مكاسب سياسية على حساب التيارات الأخرى في معظم دول الاتحاد الأوروبي، شكل خيبة أمل بالنسبة للكثيرين سواء داخل أوروبا أو خارجها، لأن صعودها يعني تغييرا في الخارطة السياسية والاقتصادية العالمية، وإستراتيجية الاتحاد الأوروبي المستقبلية.
وفي ظل هذا الصعود للأحزاب اليمينية، وإمكانية وصولها إلى سدة الحكم مستقبلا، فإن كل الاحتمالات تجاه مستقبل الاتحاد الأوروبي واردة ومحتملة، وقد يكون الانسحاب البريطاني أول مسمار في نعش الاتحاد الأوروبي، ولا سيما أن هذه الأحزاب ترى أن الاتحاد الأوروبي سبب في قضايا الهجرة، والبطالة وضعف سوق العمل، وتدني الدخل، لذلك يجب على الدول العربية والإسلامية أن تفكر مليا في الأثر المستقبلي لصعود هذه الأحزاب، ومنح هذا الجانب أهمية كبرى في التعامل الأوروبي سواء اقتصاديا أو سياسيا، فالاتحاد الأوروبي مع صعود الأحزاب المتطرفة لن يبقى على حاله في المستقبل.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/07/01