السيناريو الذي كان متوقعاً!
قاسم حسين ..
السيناريو الجاري حاليّاً من انتشار التفجيرات الدموية في دول الجوار، كان متوقعاً منذ الأيام الأولى لغزوة «داعش» وإعلان دولتها الإسلامية في الشام والعراق.
وجود هذا التنظيم المتشدّد في بلدين كان معاكساً لطبيعة الأمور، سواءً من ناحية الجغرافيا أو التاريخ. ففي هذه البيئة الزراعية الحضرية القديمة، والتي كانت مهداً لحضاراتٍ متنوعةٍ منذ القدم، من الصعب أن تقبل وجود نظام حكم متشدّد، يحاسب الرجال على حلق اللحية، ويفرض على النساء النقاب.
مثل هذه المسالك المتشدّدة، كانت ستصطدم حتماً بمقاومةٍ شديدةٍ من قبل الناس، مهما بدا من وجود حاضنة شعبية لمثل هذا التنظيم، في فترة زمنية ملتبسة. وكان الصدام متوقعاً، طال الزمان أو قصر؛ لأنَّ هذه الأفكار لم تكن لتجد قبولاً واسعاً في سورية والعراق، أقدم البلدان العربية في مجال التعليم الجامعي بعد مصر. في مثل هذه البيئة من الصعب أن تعيد الرجل والمرأة إلى أوضاعهما قبل نصف قرن.
الأمر الآخر، هو أن ما يجري حاليّاً من الناحية العسكرية، كان متوقعاً، منذ سنتين على الأقل، فالبلدان، سورية والعراق، يتعرض أمنهما القومي إلى تهديد وجودي، وكان تقاربهما من الأمور المتوقعة، وبالتالي كان تنسيقهما في الحرب ضد العدو المشترك الذي اجتاح ثلث أراضيهما، أمراً تفرضه طبيعة الأمور.
إلى جانب التنسيق، كان البلَدَان أمام سيناريو الدمار الشامل، أو الاستنهاض الشامل لقواهما القصوى من أجل دحر التنظيم، وطرده من أراضيهما. وهو ما بدأ يحدث قبل أسابيع، حيث قطع الطرفان شوطاً مهمّاً في هذا الطريق. ففي العراق، حيث كان يسيطر «داعش» على محافظات بكاملها، تم تقليص نفوذه وحصره في الموصل بالشمال، بعد إسقاط عاصمته الفلوجة، والقضاء على أغلب عناصره فيها. ويوم أمس (الخميس)، أعلن العراق قتل أكثر من 150 عنصراً من «داعش»، في استهداف طيران الجيش رتلاً من 500 عجلة محمّلة بالأسلحة، وتدمير 260 من هذه الآليات، وإصابة مخبأ هربت إليه أعدادٌ ممن أفلتوا من القصف.
في الطرف الثاني من الحدود، يستمر قصف الجيش السوري لتنظيم «داعش» وأقرانه، في لحظةٍ تتقاطع فيها المصالح الروسية والأميركية، على قتال «داعش» والحدّ من نفوذه، فيما يجري التحضير من قبل جميع الأطراف، المحلية والإقليمية والدولية، للمعركة الكبرى في حلب، التي قد تغيّر نتيجتها وجه المنطقة، ربما للعشرين عاماً المقبلة.
السيناريو الذي كان متوقعاً منذ الأيام الأولى، والذي يقوم على فرضية استحالة بقاء التنظيم في التربة العراقية السورية، بدأ تحقّقه هذه الأيام، حيث ينتج عن الضغط العسكري المتواصل على التنظيم في البلدين، إلى تشتت قواه، ودفعه إلى دول الجوار. وهكذا يتكرّر ما سبق حدوثه من انتشارٍ لتنظيم «القاعدة»، بعد محاصرته في أفغانستان، بانتقاله إلى عدة بلدان، كما حدث في الصومال واليمن في التسعينات، ولاحقاً في العراق بعد الاحتلال الأميركي العام 2003.
عناصر التنظيم، بحسب السيناريو المذكور، وبعد طردها من قلب المنطقة ستنتقل إلى الأطراف، حيث ستتحرك في فضاء جغرافي جديد، لتمارس الفن الوحيد الذي تجيده، وهو نشر المزيد من القتل والفوضى والدمار. لقد بدأت تتحقق هذه النبوءة السوداء، بما شهده الأردن من تفجيرات خلال هذا الشهر، وختم بالتفجيرات الدامية في قلب تركيا الحيوي، وفي بقاع لبنان.
إنه سيناريو الانفجار الكبير، الذي يعقب التخلص من «داعش» ورمي أشلائه على دول الجوار. حمى الله دول المنطقة وشعوبها من كل شر.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/07/01