آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. أمين محمد حطيط
عن الكاتب :
عميد ركن مقاعد ومفكر استراتيجي لبناني.. أستاذ في كلية الحقوق اللبنانية

الغجر اللبنانية المحتلة في خطر... كيف يُدفَع؟

 

العميد د. أمين محمد حطيط ..

بعد عشرة أعوام على توقف العمليات القتالية في الجنوب اللبناني وتطبيق القرار 1701، يستمرّ الاحتلال الإسرائيلي جاثماً على القسم الشمالي من قرية الغجر التي تنتشر في مساحتها المبنية على أرض لبنانية في الشمال وأرض سورية في الجنوب، يستمرّ الاحتلال الإسرائيلي لهذا القسم اللبناني من القرية رغم أنّ القرار 1701 يطلب إخلاءها فوراً كما طلب خروج «إسرائيل» من أيّ أرض لبنانية مهما كانت مساحتها، لكن «إسرائيل» كعادتها تستمرّ بالمماطلة والتسويف مستفيدة من ظروف محلية ودولية للتمسك بالاحتلال.

 

 

أما الجديد الذي جاءت به «إسرائيل» مؤخراً فهو إعلانها عن نيتها بتطبيق قانون البناء «الإسرائيلي» على القسم الشمالي من الغجر، أيّ على القسم اللبناني المحتلّ منها، باعتبار انّ هذا القانون مطبّق على القسم الجنوبي من البلدة منذ اللحظة التي أعلنت فيها ضمّ الجولان السوري المحتلّ وتطبيق القوانين «الإسرائيلية» فيه. وبالتالي فإنّ تطبيق القانون «الإسرائيلي» على القسم اللبناني من الغجر يعتبر بمثابة الخطوة التمهيدية الأولى لإعلان ضمّ هذا القسم كلياً إلى «إسرائيل» أسوة بالقسم الجنوبي. نقول هذا وتزداد هواجسنا خاصة مع استعادة قصة الغجر إلى الأذهان، وما حدث يوم التحقق من خروج «إسرائيل» من لبنان في العام 2000 ومن الغجر يومها.

 

ففي العام 2000 ولدى وصولنا مع اللجنة العسكرية الدولية التي كانت تعمل مع اللجنة العسكرية اللبنانية التي كنت أرأسها تبيّن لنا أنّ قرية الغجر التي هي سورية أصلاً وسكانها جميعاً سوريون، تبين أنّ هذه القرية تمدّدت في البناء على الأرض اللبنانية التي يملكها السوريون والتي تقع تحت السيادة اللبنانية بمقتضى القوانين والاتفاقات الدولية والبينية، وهنا طرحت المعضلة التالية: كيف نتصرف من أجل تحرير الأرض والمحافظة على مصالح السكان؟

 

طرح للمسألة يومها حلّ عرضه العماد لحود يقضي بأن يستضيف لبنان القسم السوري من الغجر حتى تحرير الجولان وتبقى القرية كلها حتى ذلك الحين موحّدة محرّرة بيد لبنان يمارس سيادته على قسمها الشمالي وهي أرضه وأمانته على القسم الجنوبي باعتبارها أرضاً سورية كوديعة. رفضت «إسرائيل» العرض وطرحت حلاً مضاداً يبقي القرية كلها محتلة بما في ذلك القسم اللبناني منها تحت السلطة «الإسرائيلية»، فرفض لبنان المقترح، وأمام تمسك كلّ من لبنان و«إسرائيل» بموقفهما كان لا بدّ من رسم خط الحدود ليخترق الغجر وتنسحب «إسرائيل» من شمال الخط وتتولى الأمم المتحدة وبالتنسيق مع المخابرات اللبنانية مسؤولية الأمن في الجزء المحرّر من الغجر والعائد إلى لبنان، مع إبقاء المجال مفتوحاً أمام الأهالي بالتنقل بين الشمال والجنوب من البلدة عبر بوابة عُهد للأمم المتحدة بالإشراف عليها.

 

في العام 2006 وفي سياق العدوان «الإسرائيلي» على لبنان وحرب تموز عادت «إسرائيل» إلى القسم اللبناني من الغجر واحتلته وأخرجت الأمم المتحدة منه وأبعدتها إلى مسافة 2 كلم شمال القرية، وعندما صدر القرار 1701 بالنصّ الذي جاء فيه كان منتظراً أن يعود الوضع في الغجر إلى ما كان عليه قبل الحرب وبإشراف من الأمم المتحدة، لكن الأمر لم يحصل ورغم استمرار اجتماعات اللجنة الثلاثية العسكرية بين لبنان و«إسرائيل» والأمم المتحدة في الناقورة منذ عشر سنوات وهي اللجنة التي لا نجد لها مبرّراً مطلقاً، والتي تستفيد منها «إسرائيل» على أكثر من وجه، خاصة لجهة الحلول مكان لجنة لهدنة وضياع مكتسبات لبنان من اتفاقية الهدنة رغم مرور هذه المدة، والغجر اللبنانية لا زالت تحت الاحتلال ثم تأتي «إسرائيل» اليوم لتعلن عزمها على تطبيق القانون «الإسرائيلي» فيها مقدمة لإعلان ضمّها وهنا يكمن الخطر الشديد والمتفاقم.

 

إنّ الغجر في قسمها الشمالي والذي يصل اليوم إلى ما يقارب ثلثي البلدة في مساحتها المبنية، هي أرض لبنانية لا ينازع أحد بما في ذلك «إسرائيل» والأمم المتحدة بلبنانيتها، وانّ استمرار احتلالها يعتبر عدواناً على لبنان، وإنّ ضمّها يعني تصعيداً للعدوان بشكل موصوف، ما يضع الدولة اللبنانية أمام تحدّ كبير يتعلق بتحرير الأرض والسيادة عليها، ما يفرض عليها وفقاً للوقائع المتقدّمة الذكر المبادرة إلى إنقاذ أرضها المحتلة في الغجر وقطع الطريق على المناورات «الإسرائيلية» المخادعة والعدوان «الإسرائيلي» المتمادي، وهنا نرى أن تقوم الدولة اللبنانية بما يلي:

 

1 ـ وقف أعمال اللجنة العسكرية الثلاثية في الناقورة لبنان -»إسرائيل» – الأمم المتحدة والتي لا ترتكز في وجودها إلى أيّ مرتكز قانوني أو اتفاقي، والعودة إلى اتفاقية الهدنة الموقعة مع «إسرائيل» في العام 1949 والتي ألغتها «إسرائيل» ومن غير وجه حق من جانب واحد في حزيران 1967. فإذا شاءت «إسرائيل» والأمم المتحدة لقاء ثلاثياً فليتمّ ذلك عبر العودة إلى اتفاقية الهدنة دون سواها، خاصة أنّ مراقبي الهدنة لا زالوا موجودين على الأرض اللبنانية.

 

2 ـ توجيه كتاب إلى مجلس الأمن الدولي لإبلاغه بعدم تنفيذ «إسرائيل» للقرار 1701 وتمنّعها عن الانسحاب من الغجر اللبنانية رغم إقرارها منذ العام 2000 بهويتها اللبنانية وبالسيادة اللبنانية عليها، وكذلك الطلب من المجلس إصدار قرار يرفض تطبيق القانون «الإسرائيلي» على أرض لبنانية محتلة ما يقطع الطريق أمام ضمّ هذه الأرض إلى الكيان المحتلّ.

 

3 ـ اتخاذ الحكومة اللبنانية قراراً علنياً يؤكد حقها بالغجر ووجوب تحريرها وخروج المحتلّ منها وتأكيد حق لبنان باللجوء إلى كلّ الوسائل القانونية والميدانية المتاحة بما في ذلك حق اللجوء إلى المقاومة المسلحة لتحرير الأرض، علماً أنّ هذه الوسيلة هي الطريق المجدّي للتحرير بعد أن فشلت كلّ الوسائل الأخرى.

 

أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية

جريدة البناء

أضيف بتاريخ :2016/08/04

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد