قصة وحدث

قصة وحدث: أجساد زاكية على أرض #منى

 

إنها ساعات الفجر الأولى، ارتفع صوت التكبير والتهليل إيذانا ببداية وقت الصلاة في أرجاء مشعر مزدلفة. وقف الحجاج مصلين بكل خشوع وطمأنينة. وبعد ذلك تجهزت الجموع الغفيرة لحجاج بيت الله المعظم للتوجه إلى مشعر منى.

مع إشراقة شمس يوم التاسع من شهر ذي الحجة ١٤٣٧هـ تحركت تلك الجموع من الحجيج نحو مشعر منى، كانت قوات الأمن منتشرة على طول الطريق نحو سر الجمرات ساعية لتنظيم الأعداد الغفيرة المتوجهة لرمي جمار العقبة الصغرى. كان اللون الطاغي على المسار هو البياض على اختلاف ألوان بشرة الحجيج الذين أتوا من كل أصقاع الأرض ليؤدوا شعيرة إلهية على اختلاف التوجهات المذهبية والفكرية في مشهد هو أقرب ما يكون إلى يوم المحشر.

وصلت أولى الجموع بعد مسير ساعتين إلى منى. ذلك الوادي المحصور بين سلسلة جبال الذي لا تتجاوز مساحته الثمانية كيلومترات،
الصالح منها للاستخدام فعليا (4.8) كم2 فقط، أي ما يعادل 61% من مجمل المساحة، والمتبقي 39% (3.02) كم2، عبارة عن جبال وعرة ترتفع قممها حوالي 500 م عن الوادي..

وفي موسم الحج من كل عام يقطن ذاك الوادي ما يزيد عن مليوني حاج، إضافة لغيرهم من العاملين ومقدمي الخدمات المختلفة،ويقطنه خلال موسم الحج حوالي الثلاثة ملايين نسمة حيث يصبح أكثر الأماكن حينها اكتظاظا في العالم، بدأ المكان يكتظ من كثرة الأشخاص المتواجدة في جسر الجمرات، حصوات صغيرة ترشق على جمرة العقبة الصغرى كرش المطر تأسيا بفعل نبي الله إبراهيم عليه السلام حين رميه الحصى على إبليس عندما ظهر له لأول مرة.كانت الأجواء آمنة، ولم تنذر بوقوع أي كارثة فالأغلب نجح في إتمام أعمال ذلك اليوم بكل يسر وسهولة. ليتوجهوا بعد ذلك إلى المخيم ويبيتوا في منى بعد تقصيرهم وإحلالهم من إحرام الحج.

 

بين النجوى والصيحة ..أنفاس تتخافت وتتصاعد

ثمة جموع هائلة سارت نحو المخيمات القريبة من مكان تواجد الجمرات، ودخل البعض إلى مخيمه المحدد له من قبل وزارة الحج والذي يعطى لقوافل ومؤسسات الحج المختلفة. وقبل وقت الظهيرة أغلقت بعض الطرق والمنافذ من قبل الجهات الأمنية التي كانت مهمتها التنظيم وترتيب مسارات الحجيج من وإلى جسر الجمرات. وعند تقاطع طريق ٢٠٣ وطريق ٢٤٠ كانت الكارثة، التقت مسارات مختلفة للحجيج وهنا توقف البعض ينتظر المرور ولا زالت الوفود تتقدم في مسيرها والبعض يمشي باتجاه معاكس لحركة وفود ومجموعات أخرى، شلت الحركة في المنطقة، ودرجات الحرارة ترتفع تدريجيا كلما اقترب وقت الظهيرة. شعر البعض بالحرارة وخصوصا النسوة وكبار السن الذين بدأوا بالتعب شيئا فشيئا حتى شعر بعضهم بالإغماء لكثرة الازدحام وارتفاع الحرارة. لم يتحمل بعض الأشخاص الحرارة والوقوف مكتوف الأيدي. ارتفع صوت الصراخ المنادي بسرعة الحركة وفض التجمع لييدأ بعدها التدافع لأجل التحرك وحل المشكلة، بدأ التساقط والتهاوي بين جمع الحجيج. دهس البعض بفعل الحركة المتهورة والبعض دهس بعد إحساسه بالضغط والإغماء، وبعض آخر حاول الهرب والفرار من التزاحم عبر الدخول إلى المخيمات التي يشرف عليها مخيمات رفضت إدخال بعضهم، فيما لجأ البعض الآخر إلى القفز فوق أسوار المخيمات للدخول إليها، بعد انكشاف غبرة الزحام والتدافع  أصبح المكان مليئة بأجساد الشهداء.

كان المنظر مأسويا وجثث الحجيج ملقاة على الأرض، والأمر الذي زادها مرارة تأخر فرق الدفاع المدني في الوصول إلى الموقع، بعض من كان في مكان الحادثة وقف مكتوفي الأيدي حائرا فيما يصنع، فيما توجهت بعض عدسات الحجيج توثق الحزن والأسى لفراق أحبتهم حيث  قضوا مهاجرين في رحلة نحو الله ..لقاء كان أشبه بصعود الملائكة مرفرفة بأجنحتهم البيضاء كيوم ولدتهم أمهاتهم ..

 

صورهم غطت مدى فضاء العالم

فجع العالم الإسلامي بهذه الحادثة وتناولتها كل وسائل الإعلام، وأعلنت وزارة الحج عن النبأ الفاجعة.. وأجرت إحصائياتها لتخرج بعدد ٦١٢ حاجا قد قضى نحبه، لتسرب بعدها بعض وسائل الإعلام العدد الفعلي لشهداء فريضة إسلامية وعبادة إلهية، رحل في هي الرحلة أكثر من ألف ومئتين حاج.

 

المسؤولية تقع على من تعهد بها

على وقع الحادثة ارتفعت المطالبات بتولي مسؤولية تنظيم الحج للدول الإسلامية الأخرى، وشكت بعض الدول في مقدرة المملكة السعودية على إدارة وتنظيم موسم الحج. لم تعد الثقة في هذه الدولة كما كان في السابق، مع وجود شكوك في تدبير المملكة لهذا الأمر لأغراض سياسية.

كل مابقي في أذهان الدول الإسلامية رائحة الموت تملئ المكان .. صور الجثث تغطي شوارع تلك الأرض التي جعل الله من دخلها كان آمن إلا أنها في لحظة لم يجد آلاف المسلمين من أقطان العالم الآمان والسكون..الأرواح ترفرف كالطيور محلقة لخالقها الشاهد والشهيد على جريمة ليس بحجم هتك حرمة المؤمن فحسب بل وفي أطهر بقاع الأرض وأشدها حرمة.

أضيف بتاريخ :2016/09/10

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد