التقارير

تقرير خاص: ست سنوات ثورة في #البحرين.. ثبات الشعب وتعرية النظام أمام العالم

 

 مالك ضاهر ..
يعيش الشعب البحريني إحياء الذكرى السادسة لثورة 14  فبراير في أجواء من التوتر المتزايد مع النظام الحاكم في المنامة، حيث تزداد ممارسات السلطة شدة بوجه الحراك الشعبي المستمر للمطالبة بحقوقه السياسية والمدنية المشروعة، وفي الفترة الأخيرة ارتفعت وتيرة القسوة في التعامل مع الحراك حيث تم إعدام 3 شبان هم: عباس السميع، سامي مشيمع وعلي السنكيس، بتهمة المشاركة في المظاهرة وبتهمة اغتيال ضابط إمارتي من المشاركين في قوات "درع الجزيرة" وخلال الأيام الماضية تم اغتيال ثلاثة شبان جدد هم: رضا الغسرة، محمود يحيى ومصطفى يوسف عبد علي، خلال محاولتهم الفرار إلى خارج البلاد عبر البحر بعد أن فروا من سجن جو المركزي حيث يقبع مئات النشطاء والمعارضين للنظام.  
 
وخلال الثورة المستمرة منذ ستة أعوام شهدت البحرين أحداثا متنوعة، أبرزها كان دخول "درع الجزيرة" إلى البحرين لقمع الاحتجاجات التي انطلقت في 14 فبراير/شباط 2011، ما اعتبرته المعارضة احتلالا مباشرا من قبل القوات السعودية بلبوس ما يسمى قوات خليجية تابعة لمجلس التعاون، بينما اعتبرت السلطة البحرينية أن ذلك أمرا طبيعيا لوجود معاهدات حماية ودفاع مشترك بين دول المجلس ما يحتم على قوات الدول الأخرى التدخل لحماية البلد، علما أن مثل هذه الاتفاقات هدفها حماية البلدان من الاعتداءات الخارجية لا مساندة الأنظمة في قتل وقمع شعوبها، والفارق كبير بين الحالتين، وقامت قوات "درع الجزيرة" بالاشتراك مع القوات البحريني بهدم دوار في 18 فبراير/شباط 2011 في إشارة واضحة إلى رغبة بإنهاء الحراك الشعبي بشكل سريع وحاسم دون أي مجال للتفاوض أو المهادنة.
 
التضحية مستمرة..
إشارات التقطها الشعب البحريني الذي اعتاد تقديم التضحيات وعمل بهدوء وروية مع ضمان استمرارية سلميته لامتصاص فورة النظام ومنعه من ابتلاع الثورة، ومع ذلك بقي النظام يرفع من وتيرته ضد الشعب ورموزه وشعائره الدينية وكل ما له علاقة بقيم البحارنة، فعمد النظام على إبعاد بعض الرموز الدينية والسياسية وإسقاط الجنسية عنهم ومحاكمة بعضهم، وعمل النظام على محاكمة جميعة "الوفاق الإسلامي" المعارضة وصولا لإقفالها وتصفية أموالها واعتقال ومحاكمة أمينها العام الشيخ علي سلمان ومن ثم إسقاط الجنسية عن الرمز الوطني والديني للبحارنة الشيخ عيسى قاسم، وصولا لمنع صلاة الجمعة في البلاد بعد أن مُنع علماء الدين من اعتلاء المنابر في المساجد والحسينيات لإلقاء الخطب السياسية، وبعد ذلك حاول النظام المساس بالشعائر الدينية للمكون الشيعي في البلاد مانعا إرسال مال الخُمس إلى الحوزات الدينية للمراجع الدينية في العراق وإيران، محاولا مصادرتها وتشويه نظرة الرأي العام إليها كما حاول المساس بالشعائر الحسينية منعا لإحياء مراسم عاشوراء في شهر محرم الحرام في ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي(ع) حفيد رسول الله محمد بن عبد الله(ص).
 
ولكن ماذا حققت ثورة الشعب البحريني بعد ست سنوات من انطلاقها؟ أين أخفقت وأين نجحت؟ وما هو المستقبل الذي ينتظرها وينتظر البحرين بشكل عام؟ وهل نفعت كل الأساليب التي استخدمت من قبل الجمعيات والتيارات السياسية المعارضة؟ وهل كانت السلمية هي الحل الأنسب أو أنه كان الإجدر إجراء بعض التعديلات على الأسلوب المتبع ومقابلة العنف بالعنف كما تطالب بعض الأطراف؟ وبالمقابل هل نفعت كل الممارسات التي اتبعتها السلطة في إيقاف هذه الثورة وهذا الحراك؟ وهل ستقابل السلطة الإصرار الشعبي بمزيد من العنف والإفراط في استخدام الأساليب البوليسية أم أنها ستعمل على إيجاد السبل لإعادة قنوات التواصل والحوار وبناء الثقة مع الناس؟ وأيهما أنفع للسلطة والشعب في البحرين استمرار الحال على ما هو عليه أم تهدئة الأوضاع والذهاب إلى خيارات سياسية سلمية كما تريد المعارضة وكما تريد القيادات الوطنية السياسية والدينية في البلاد؟ وهل نظام البحرين يقوم بكل ما يقوم به من تلقاء نفسه أم أنه مدفوع لذلك من قبل بعض الأطراف الإقليمية والدولية لأسباب سياسية وطائفية؟
 
وعي وثبات.. والبدائل موجودة
الحقيقة أن كل الممارسات التي قام بها النظام من العام 2011 وحتى اليوم لم تزد الشعب البحريني إلا إصرارا على مواصلة حراكه بشكل يومي ومتواصل دون كلل أو ملل، والأهم أنه رغم تخبط النظام الذي يستمر برفع وتيرته الثأرية من الناس وقياداتهم، إلا أن ذلك لم يجرّ البحرينيين إلى حيث يريد النظام بل إن من أهم المنجزات لهذا الشعب أنه هو من يتحكم بمسار حراكه فهو من يقرر البقاء على السلمية أو تركها واستخدام الشارع حيث يريد وكيف يريد، وهذا الشعب أثبت أنه يملك العديد من الخيارات المشروعة والبدائل الممكنة وأنه هو من يقرر متى وكيف يستخدمها بحسب تشخيص المصلحة المنشودة من أي تحرك.

 

وقد استطاعت التيارات والجمعيات البحرينية من إيصال القضية إلى المحافل الدولية الحقوقية والإنسانية وهذا ما أحرج النظام البحريني ومن يدعمه إقليميا ودوليا، وفي هذا الإطار أوقفت السلطات البحرينية التعاون مع مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان فيما يتعلق ببرنامج مساعدة تقنيّة خلال الأشهر الأخيرة، وقد طالب "المفوض السامي لحقوق الإنسان" زيد بن رعد في كلمته الافتتاحية لأعمال الدورة 33 لـ"مجلس حقوق الإنسان" السلطات البحرينية بالامتثال لتوصيات آليات حقوق الإنسان والاستعراض الدوري الشامل والانخراط بشكل أكثر فعالية مع مكتبه وكذلك مع الإجراءات الخاصة بمجلس حقوق الإنسان.
 
الحاضنة الشعبية والرعاية العلمائية
ومن الأمور التي تسجل للثورة البحرينية أنها أكدت وجود حاضنة شعبية واسعة معها في مختلف القرى والمدن ومن كل فئات المجتمع ومن كل الأعمار، ولذلك نشهد الالتزام اليومي بالخروج بالمسيرات الشعبية في مختلف المناطق بما يمكن وصفه أنه بات من يوميات البحارنة المشاركة في هذه المسيرات ورفع صور الشهداء والقيادات السياسية وترديد الشعارات الثورية المنددة بممارسات النظام، كما يواجه الشباب الثائر في البحرين أيضا بصورة شبه يومية كل محاولات قوات النظام من قمع صوت هذه المظاهرات، علما أن هذه القوات لا تتوانى في إطلاق الرصاص الحي والغازات السامة واستخدام رصاص الشوذن المحرم دوليا، ما يؤدي إلى سقط جرحى بصورة متواصلة.
 
كما أن الثورة البحرينية تلقى كل الدعم من القيادات الوطنية في البلاد وبالأخص القيادات الدينية، والأمثلة هنا عديدة منها "كبار علماء البحرين" الذين يتابعون الحراك الثوري وتطوراته بصورة مستمرة عبر إصدار تعاميم على شكل بيانات تدعم وتآزر الشباب الثائر، وكذلك يفعل السيد عبد الله الغريفي بإطلاق المواقف الحكيمة والداعمة للثورة وينتقد النظام ويضعه عند مسؤولياته في كل ما يقوم به تجاوزات، بالإضافة إلى الدعم الكبير المعنوي والأبوي للثورة الذي يؤمنه الشيخ عيسى قاسم، وهو الذي يحاكم ممن قبل السلطة بسبب هذه المواقف الراسخة ما جعل الناس تحمي منزله بأجسادها وتشكيل دروع بشرية عبر الاعتصام الشعبي المفتوح في محيط منزل الشيخ قاسم منعا لمحاولات الاعتداء أو القبض عليه.
 
النظام والفشل المتواصل..
مقابل كل ذلك أثبت التجربة فشل الأسلوب البوليسي الأمني للنظام في معالجة الأزمة البحرينية بكل أبعادها، ولم تنفع بعد ذلك كل الخطط للقول أن تحرك الناس له الطابع المذهبي أو الطائفي وفشلت كل محاولات التغيير الديمغرافي من قبل السلطة وإسكات صوت الناس ومنعهم من الاستمرار بثورتهم بالشكل الذي يختارونهم هم، كل ذلك أحرج السلطة وعراها أمام الرأي العام المحلي والإقليمي الدولي وأظهرها على حقيقتها بانتهاكها المستمر للحريات ولحقوق الإنسان رغم كل محاولات التلميع والدعم الغربي لهذه السلطة.
 
ويفترض أن النظام البحريني فهم رسائل الشعب بأنه لن يستكين أيا كانت التضحيات وأن رفع وتيرة الظلم لا تساهم إلا في إشعال نار الثورة في النفوس وفي الشوارع والساحات وصولا لتحقيق كافة المطالب، ولكن هذا النظام يبدو كالمغلوب على أمره لا يملك حيلة أمام الناس ولا يستطيع رفض أوامر الخارج بمواصلة القمع والتنكيل، والأكيد أن الحل الأمثل هو بالتواضع والخروج من المأزق الذي وضعت القيادة البحرينية نفسها فيه والاستماع لصوت العقل ولصرخات الناس وتحقيق مطالبهم في حياة ديمقراطية تكفل فيها الحريات والحقوق بموجب القانون.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

أضيف بتاريخ :2017/02/15