التقارير

تقرير خاص: أمطار فبراير: ’تعوم’ الفساد وتفضح المستور.. هل من يحاسب؟؟


 مالك ضاهر ..

يكاد المتابع لأخبار المناطق في المملكة السعودية يعتقد إننا أمام حالة من حالات الكوارث الطبيعية أو حالة تستوجب إعلان حالة الطوارئ لوجود خطر داهم مستعجل سيتسبب بخراب البلد، إلا أن من يدقق يدرك أن حقيقة الأمر هو مجرد هطول لأمطار تسببت بكل هذه المشاهد المريعة وأدت إلى تهديد الكثير من المنشآت بالسقوط بينما ضرب بعضها الخراب وبات غير صالح للاستعمال بحسب ما أُعد له، في حين غرقت السيارات والآليات في الشوارع والأنفاق في منظر لا يجب أن يكون في بلد الخيرات والنفط ومواسم الحج والصناديق الاستثمارية والرؤى الاقتصادية الموعودة.
 
وكيف في بلد كالمملكة يمكن تفسير أن يحصل طوفان في "جامعة الملك فهد للبترول والمعادن التي تدرّس الهندسة لأكثر من 50 سنة؟"، بحسب ما يقول الناشط برجس برجس في تغريدة له على موقع "توتير"، وكيف يمكن تفسير أنه في العام 2017 وبمجرد تساقط أمطار تعتبر عادية جدا يموت ويجرح أشخاص في بلد لديه من الأمكانات الكثير الكثير؟
وكيف يقبل المواطن السعودي أن تطوف الشوارع والاتوسترادات بهذه الطريقة كما المنشأت الحيوية المختلفة التي أنفقت فيها عشرات مليارات الدولارات؟ وأين ذهبت كل هذه الأموال؟ ومن المسؤول عما جرى؟ هل هي الإدارات المحلية المتمثلة بالبلديات أم الأجهزة المركزية المتمثلة بالوزارات المعنية والأجهزة التابعة لها؟ هل هناك من يسأل أو يراقب أو يحاسب في المملكة؟ هل علمت الجهات المعنية بما جرى وهل تحرك أو سيتحرك أي أحد تجاه ما حصل أم أنه سيتكرر ما حصل في الماضي وسيمر الأمر مرور الكرام وكأن شيئا لم يكن؟
 
ترهل وفساد.. والناس تستغيث!!
فقد كشفت الأمطار التي هطلت في عدة مناطق سعودية عن ترهل المنشأت الحيوية في المملكة سواء من مستشفى الملك فهد التخصصي إلى الطرقات والأنفاق وشبكة القطارات بالإضافة إلى تعطل إشارات المرور وغيرها من المنشآت التي أنفقت فيها المبالغ الطائلة، هذا وقد أفاد المركز الإعلامي بالمديرية العامة للدفاع المدني في المملكة أن "مراكز التحكم والتوجيه بمناطق المملكة استقبلت مئات البلاغات في مناطق عديدة كالرياض وعسير و المنطقة الشرقية جراء الأمطار التي هطلت على تلك المناطق.
 
وأوضح المركز أن "الجزء الأكبر من البلاغات تلقاها مركز التحكم والتوجيه بمنطقة عسير بينما بلغ عدد المفقودين حالتان (1) في الرياض و(1) في عسير وبلغ عدد الوفيات حالتان (1) في منطقة عسير و(1)في منطقة الرياض وبلغ عدد المحتجزين والذين تم إنقاذهم (562) شخص"، مشيرا إلى أن "أغلب الاحتجازات كانت داخل المركبات حيث بلغ عدد المركبات التي تم إخراجها (342) وإخلاء وإيواء (79) أسرة".
 
ودعا المركز الإعلامي "المواطنين والمقيمين لأخذ الحيطة والحذر وعدم التواجد في مواقع جريان السيول والأودية أو الخروج للنزهات البرية في المناطق المعرضة لسقوط أمطار غزيرة والالتزام بتعليمات الدفاع المدني حفاظاً على سلامتهم"، وهذه التحذيرات تنذر بأن ما قد يحصل هو من الأمور البالغة الخطورة إلا أنها في الحقيقة هي مجرد أمطار تتساقط كما في كل بلدان العالم، لكن كما يبدو أن المشكلة ليست في الامطار التي تنزل رحمة للناس إنما المشكلة في الطرقات والأنفاق والمنشآت المختلفة أي أن المشكلة هي في العقلية والأسلوب الذي تدار فيه الأمور بالمملكة.
 
تقاذف مسؤوليات.. والمواطن يدفع الثمن
 الحقيقة أن الجهود التي بذلت من الدفاع المدني هي جهود مشكورة لأنه لولاها لكانت أعداد الضحايا والمتضررين أكثر مما سجل بكثير، إلا أنه في ظل كل هذه المآسي وفي ظل الفشل المتكرر تبدأ الأطراف المختلفة بإلقاء المسؤوليات وتقاذفها، وذلك عملا بالمثل القائل إن "الانجاز له ألف أب بينما الانتكاسة يتيمة"، فقد اتهمت الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة أنها قصرت في إرسال التنبيه بحصول العاصفة والأمطار الغزيرة التي تساقطت في أرجاء المملكة، حتى خرجت الهيئة على المواطنين ببيان أكدت فيه أن ما يرد في وسائل الإعلام عن تقصيرها في التنبيه عن الأمطار "عار عن الصحة" وأن المعلومات التي وفرتها الهيئة عن الحالة الجوية كانت كافية وبوقت زمني يسمح للجهات المختصة بالإعداد المبكر لها، خاصة أن الهيئة أكدت أنها تمرر معلوماتها لأكثر من 16 جهة حكومية معنية بالتعامل ميدانيا مع هذه الأمور.
 
فهل تحركت فعلا هذه الجهات أم أنها تركت المواطنين لأقدارهم؟ خاصة أن حصيلة الضحايا كانت مرجحة للارتفاع بالتحديد مع عدم إقفال المدارس والجامعات لأبوابها ما يعني أن هناك احتمالات لحصول حوادث سير أو غرق سيارات بما قد يؤدي إلى موت مواطنين أو فقدهم ومن بينهم أطفال.

 

وهنا لا بد من الإشارة لموقف جد الطالب المتوفي نواف مداوي الأحمري، العقيد المتقاعد متعب الأحمري، الذي حمّل إدارة تعليم عسير والدفاع المدني والأرصاد مسؤولية وفاة حفيده بسبب إهمالهم وتقاعسهم في عدم تعليق الدراسة عقب الأمطار الغزيرة التي ضربت المنطقة، وطالب "بتشكيل لجنة لمعرفة الأسباب في رحيل نواف..".
 
 واقع صعب.. والعدالة غائبة
وللأسف فإن كل ذلك كان يجب توقعه سلفا خاصة أنه في كل سنة تتكرر حوادث غرق الشوارع والطرقات، لكن يبدو أن حياة المواطنين لا تحظى بالاهتمام المطلوب من القيادات في المملكة، وشر البلية ما يضحك حيث بات كل ما جرى (على الرغم من صعوبته وقساوته على الناس) مدعاة للضحك والسخرية سواء في الشارع السعودي أو على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أطلقت النكات عن ممارسة السباحة وبعض الرياضية المائية في الطرقات بل في الصحراء السعودية دون أي حاجة للانتقال إلى البحار أو الأنهار، بل أن البعض ذهب للقول إن بعض الشوارع باتت كمدن سياحية عالمية مثل فنيسيا الايطالية وبروج البلجيكية.
 
الواقع أن ما جرى أثبت للقاصي والداني أن المملكة تحقق العدالة والمساواة بين أبنائها في مختلف المناطق إلا أن هذه المساواة هي من "نوع خاص"، فهي مساواة الغرق في الشوارع والسيارات والأنفاق فلا تمييز في ذلك بين مواطن ومواطن أو بين منطقة ومنطقة، فالقضاء والقدر فقط هو الذي يفرق بين إغراق هذه المنطقة دون غيرها أو بين هذا الشارع دون آخر، والمساواة في الفساد الذي ضرب كل منشآت الدولة في كل المناطق التي أنفقت فيها الأموال الضخمة سواء في الجامعات أو المنشآت الثقافية أو الرياضية والحكومية وغيرها، إلا إننا للأسف لم نرَّ أي قصر أو بيت لمسؤول أو أحد أفراد العائلة الحاكمة قد أصيب بما تعرض له عامة الناس في بيوتهم أو في الطرقات، فهل هذا الأمر يدخل أيضا في إطار القضاء والقدر أم أن له أسبابه الخاصة؟

 
 

أضيف بتاريخ :2017/02/19

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد