آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

عام جديد مختلف؟


قاسم حسين

بسم الله نبدأ عامنا الجديد، متمنين أن يكون عام خير وصلاح، وأمان واطمئنان، وسلام للعرب والمسلمين والبشرية جمعاء.

مع نهاية كل عام، تستحضر وسائل الإعلام المختلفة أهم الأخبار والأحداث والوقائع التي ميّزته، وتصدر بعض الصحف ملاحق تشكّل كتاباً توثيقيّاً للعام الراحل، بالكلمة والصورة. وكان العام الماضي من أصعب الأعوام، فقد سُفك فيه الكثير من الدم، وغادر فيه الكثير من البشر أوطانهم، هجرةً أو تهجيراً، هرباً من قساوة الحروب، أو هرباً نحو أوضاع أفضل، وكانت منطقتنا صاحبة نصيب الأسد في كلتا الحالتين، القتل والتهجير، والسحل والتفجير.

في نهاية كل عام، تتبارى الدول والشعوب في الاحتفال باستقبال العام الجديد، ابتهاجاً وسعادةً وتعبيراً عن الأمل بعامٍ أفضل، عدا هذه المنطقة المنكوبة، التي تتبارى في ميدان الدم والتحريض على مزيد من القتل. وبينما يتهاوى سعر النفط، السلعة الوحيدة التي نعتمد عليها في معيشتنا وتنميتنا وصحتنا وتعليمنا، نتبارى في المزيد من النزاعات والفتن والتشرذم، وبث الفرقة بين صفوف الأمة الواحدة، والدين الواحد، وحتى اللغة الواحدة.

على رأس كل عام جديد، نتابع مشاهد الاحتفالات البهيجة التي تحياها شعوب الأرض، بدءًا من نيوزيلندا واستراليا في أقصى جنوب شرق الكرة الأرضية، وانتهاءً بالقارة الأميركية في أقصى شمال الغرب. شعوب تعمل وتكدح وتحب العلم والعمل، فيما نعود جماعات جماعات، إلى العيش في ظلمات القرون الوسطى.

لقد غادرت أوروبا قرونها الوسطى وانطلقت في عصر التنوير قبل 500 عام، فيما نشمّر توّاً عن أذيالنا، لنخوض في مستنقع الحروب الأهلية بين الطوائف والمذاهب التي كان يفتخر بها الشرق سابقاً، كأجزاء من فسيفساء الحضارة التي أقامها وفق مبادئ العدل والرحمة، فنشأت وترعرعت تحت ظلال التسامح الأممي.

لقد كنا نموذجاً للتسامح، وأصبحنا مصدراً لكل أشكال القبح البشري، نقطع الرؤوس، ونسبي النساء، ونقتل الأسرى، ونُجهِز على الجرحى، بما يخالف جملةً وتفصيلاً، كل مبادئ القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة. ونفجر المساجد والكنائس والأسواق، ونزهق أرواح الأبرياء الآمنين. لقد قمنا بجرائم تضاءلت أمامها ما كنا نقرأه من جرائم جنكيزخان وهولاكو. ومن عجائب الأقدار أن ساحات الجرائم كانت نفسها، الشام وأرض العراق، اللتان كانتا مسرحاً وميداناً للمغول قبل سبعة قرون.

لقد عدنا إلى جاهليتنا الأولى، التي وصفها جعفر بن أبي طالب (رض) للنجاشي ملك الحبشة، يوم كان لاجئاً سياسيّاً لديه من جور واضطهاد قومه: «كنا قوماً أهل جاهلية... ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل منا القويُّ الضعيفَ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه... وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة، وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم... فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى». هذه هي الأصول والمبادئ... فأين وصلنا؟

عامٌ جديدٌ قد لا يختلف عن العام الراحل الكئيب، والله المسئول أن يمنح هذه الأمة المزيد من التعقل والحكمة، والتعايش والتسامح، وأن يحفظ دماءها ويجنّبها المحن والفتن.

الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/01/04

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد