آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طراد بن سعيد العمري
عن الكاتب :
باحث وكاتب في العلاقات الدولية؛ الشئون الإستراتيجية؛ الدراسات العسكرية؛ المجتمع الخليجي؛ وشئون العمل والبطالة

السعودية وإيران: بداية أزمة أم نهايتها؟

 

 طراد بن سعيد العمري

فيما يعتقد البعض أن قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين الجارتين: السعودية وإيران بداية أزمة ومواجهة بين الدولتين، نرى من وجهة نظرنا العكس من ذلك تماماً، فهي نهاية أزمة بين الطرفين مدتها ٣٧ عاماً، منذ انطلاق الثورة الخمينية في العام ١٩٧٩م؛ أو ١٣ عاماً، منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في العام ٢٠٠٣م؛ أو ٥ أعوام، منذ تسونامي الربيع العربي في العام ٢٠١١م. أو ١٠ أشهر، منذ ٢٦ مارس ٢٠١٥م تاريخ انطلاق عاصفة الحزم. ومهما كان تاريخ التأزم بين الدولتين لكنه بالتأكيد ليس تاريخ قطع العلاقة الدبلوماسية وسحب البعثة الدبلوماسية السعودية من طهران وطرد البعثة الدبلوماسية الإيرانية من السعودية. انتقال المواجهة من الغير مباشر إلى المباشر هو دليل نهاية أزمة وليس بدايتها، وسيضطر الدولتين إلى الجلوس سوياً لمناقشة العلاقات الثنائية طال الزمان أم قصر.

 

خلال الأزمة بين السعودية وإيران، أيا كانت المدة، منذ الثورة الخمينية، أو الاحتلال الأمريكي للعراق، أو أحداث وثورات الربيع العربي، أو انطلاق عاصفة الحزم، تمكن الطرفان السعودي والإيراني من التعرف على مكامن القوة والضعف للآخر، كما وصل كل طرف إلى شبه قناعة حول الخطوط الحمراء لكل طرف، وما هو الحقيقي والوهمي في دعاوى كل طرف. من ناحية أخرى، لا يمكن الجزم بالمدة الزمنية للمرحلة النهائية للأزمة بين الدولتين التي من الممكن أن تشهد شيء من التصعيد قبيل الجلوس على طاولة المفاوضات المباشرة، لكن يمكن القول بأن نهاية الأزمة ستتم بين الدولتين حال انتفاء أو انتهاء العنصر الداخلي المستثمر في الأزمة، في حال وجوده. شريطة أن يتوقف محور الشر: أمريكا، وتركيا، وإسرائيل من تعطيل نزع فتيل الأزمة.

 

نجحت السعودية في إبراز موقفها بعد الاعتداء على السفارة السعودية في طهران وإضرام النار في قنصليتها في مشهد، وهو ما يخالف الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية وقد اكتوت دول كبرى بمثل ذلك العمل اللأخلاقي واللاقانوني ولذا أظهرت معظم دول العالم، إن لم يكن جميعها، تعاطفهم مع السعودية. في المقابل، نجحت إيران في إبراز مظلوميتها بربط التأزم بحادثة إعدام شيخ دين شيعي سعودي في السعودية، ولذا يندر أن نجد جهة إعلامية لا تربط بين الحادثتين: قطع العلاقات الدبلوماسية وإعدام شيخ دين شيعي، متناسين أنه مواطن سعودي أولاً وأخيراً. النتيجة، أن كأن كل طرف يقول للآخر: أنا أعرف مكامن القوة والضعف لديك. هذا، في رأي بعض الإستراتيجيين، دليل مشتركات يؤدي إلى إمكانية الحوار، ولو عدنا إلى أصل كلمة تواصل Communication لوجدنا أنها تتفرع من أصلها Common أي مشترك.

 

السعودية في موقف سياسي قوي وصلب وتملك من القوة الملموسة وغير الملموسة عناصر حاكمة في أي مواجهة، كما أن إيران تملك موقف سياسي وعناصر قوة معادلة تماماً. المهم أن كل طرف يعرف تماماً قدرات الطرف الآخر ومطالبه وأهدافه وتطلعاته الحقيقية. المواجهة المباشرة ستفرض على كل طرف أن يجلس مع الطرف الأخر وجهاً لوجه ولو بحضور أطراف دولية أو إقليمية بشكل مؤقت، لنزع فتيل الأزمة ومناقشة العلاقات الثنائية، وليس قضايا تخص طرف ثالث، فالمصالح الوطنية العليا لكل دولة تتقدم على أي قضايا ذات أهمية ثانوية مهما بلغت حيويتها أو حساسيتها. ولذا، فإن تصعيد الأزمة دليل حل وليس دليل حرب، كما لم تكن البعثات الدبلوماسية للدولتين ذات أثر فعّال خلال الاحتقان والتأزم السياسي بين الدولتين قبيل الأزمة الأخيرة، ولذا فغيابها لا يعدو كونه رمزياً فقط.

 

حسم الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، مؤخراً، الأمر في مقابلة مع صحيفة الإيكونوميست، “بأن من يدفع لحرب مع إيران ليس في كامل قواه العقلية ..”، مما يعني: لا حرب مع إيران. حسناً، هل كان سمو الأمير من موقعه كرئيس لمجلس الشؤون الإقتصادية والتنمية، وموقعه “كعرّاب” لبرنامج التحول الوطني”، يقصد طمأنة الأسواق العالمية لصحيفة تعني بالشأن الإقتصادي؟ وهل “لا حرب مع إيران” يعني سلم وتصالح مع إيران، أم أن “اللاحرب واللاسلم” هي الحالة التي ستسود علاقة الدولتين الجارتين على غرار ما حصل بين سوريا وإسرائيل على مدى (٤٣) عاماً؟ وهل بإمكان مسئول في الدولتين أن يضمن عدم استغلال جهات خارجية أو أجهزة إستخبارية من القيام بعمل لإشعال حرب بين الدولتين؟ وهل بمقدور الدولتين تحمل كلفة الحرب الباردة وما ينتج عنها من عدم استقرار وحروب ونزاعات “بالإنابة” في المنطقة؟

 

من ناحية أخرى، دعت السعودية إلى إجتماعين: لمجلس التعاون الخليجي، ومجلس الجامعة العربية يومي السبت والأحد ٩ و ١٠ يناير ٢٠١٦م. ومن المؤكد أن كلا الاجتماعين سيخرجان بمواقف تدعم السعودية. لكن الأهم، أن تخرج الدول الخليجية والعربية بحل جذري وسريع يترجم تصريح سمو ولي ولي العهد السعودي إلى خطوات متسارعة لنزع فتيل الأزمة بندب دولة خليجية ودولة عربية ترتضيها السعودية للتواصل مع روسيا الدولة السباقة في عرض جهودها للوساطة بين الدولتين الجارتين. الاكتفاء ببيانات الإدانة وبعض التعاطف بقطع العلاقات فيه كثير من العاطفة ذات الأثر القصير، وقليل من الحكمة ذات التأثير الإيجابي البعيد المدى.

 

من ناحية ثانية، لو قمنا بتحويل الخلاف بين الدولتين إلى أوزان بواقع (١٠٠٪)، فإنه بمجرد جلوس الطرفين إلى بعضهما البعض في العلن وعلى مسمع ومرأى من العالم، سيزول (٨٠٪) من الاحتقان، إذ يشكل العامل النفسي الثقل الأكبر في الأزمة بين الدولتين. في القسم المتبقي (٢٠٪) سيكتشف الطرفان أن (٨٠٪) من قضايا الخلاف والنزاع بين الطرفين تخص أطراف ثالثة مثل البحرين والعراق وسوريا ولبنان واليمن والجزر الإماراتية المحتلة، وبالتالي فإن المنطق التفاوضي والتصالحي سيبدأ بالتركيز ابتداءاً على القضايا الثنائية التي تشكل (٢٠٪) من المتبقي. بمعنى أخر تشكل قضايا الخلاف الثنائية (٤٪) من مجمل وزن الخلاف بين الدولتين وتتمثل في القضايا التالية: الحج؛ النفط؛ الأقليات. وتلك قضايا طبيعية لا تستعصي على الحل.

 

أولاً، لطالما كان الحج وسيلة من وسائل المناكفة السياسية تستخدمه إيران لاستفزاز السعودية منذ انطلاق الثورة الخمينية. ما يقلق السعودية هو استغلال التجمع الديني السنوي لأغراض سياسية يثير الفوضى وينزع الروحانية من هذا الركن الهام والشعيرة الدينية التي يتمناها كل مسلم ولو لمرة واحدة في مشارق الأرض ومغاربها. لكن في الوقت ذاته، سلكت إيران مسلكاً معتدلاً ومسالماً وإيجابيات في فترات التصالح السياسي النسبي إبان رافسنجاني وخاتمي، مما يعني أن الحج لا يشكل قضية تستعصي على التفاهم. 

 

ثانياً، النفط موضوع اقتصادي / سياسي وحساس للطرفين العضوين الفاعلين في منظمة “أوبك” وكلاهما يملك حججاً مضادة لحجج الطرف الآخر. فإيران تطالب بزيادة حصتها من تصدير النفط لتعويض ما لحق بها من خسائر نتيجة الحصار الدولي المفروض عليها. أما السعودية فترغب في ضبط السوق وعدم ضخ مزيداً من النفط في الأسواق المتشبعة أصلاً في ظل انكماش في الإقتصاد العالمي. ومع هذا التضاد، فكلا الدولتين سبق لهما أن عملا بإيجابية وتنسيق للتعامل مع أزمات النفط والدورات الإقتصادية، ولن يكون النفط حجر عثرة أمام التفاهم بين الدولتين.

 

ثالثاً، الأقليات موضوع إجتماعي ومجتمعي وثقافي ومحكوم على الدوام بالتئالف السياسي بين الدول، تدرك إيران أن استغلال الطائفة الشيعية في السعودية أمر محفوف بالمخاطر لها والسلامة وأمن الطائفة الشيعية ذاتها، كما أن في إيران عدد من المذاهب والطوائف والأعراق يمكن أن يشكلوا صداع سياسي فيما لو تم استغلالهم وتهييجهم وتحريضهم، وبالتالي، فكلا الطرفين سيضعون قواعد ومبادئ إنسانية وقانونية للتعامل مع شؤون الأقليات. من ناحية أخرى، تدرك السعودية جيداً أن التعاطف مع الأقليات أمر دولي وعرف في المجتمع الدولي، فقد تعاطفت السعودية مع مسلمي الشيشان، وجنوب الفلبين، ومسلمي البوسنة والهرسك. كما تعاطفت الدول الغربية مع جنوب السودان، أو تعاطف فرنسا مع الأقلية المارونية في لبنان.

 

حل القضايا الثنائية سيضع حجر الأساس للقضايا الأخرى الأكثر تفصيلاً وتعقيداً، والتي تنحصر في قضيتين لا ثالث لهما: التدخل؛ والتشيع. هنا يمكن أن تقف عربة المفاوضات في العقبة. ولكن قضية التدخل تحتاج ابتداءاً إلى تعريف التدخل الذي يبدو أنه مختلط ويساء فهمه في الإعلام العربي بشكل عام، لكن ليس عصياً على الفهم في اللقاءات الدولية. هناك التدخل المقبول Interference، وهناك التدخل المرفوض Intervention. فالتدخل المقبول هو الذي يأتي طواعية بالاتفاق مع الحكومة الشرعية، أما المرفوض فهو الذي يأتي عنوة من دون تنسيق أو اتفاق مع الحكومة الشرعية.، مثل التدخل التركي في سوريا والعراق.

 

 

المثير في شأن التدخل، أن السعودية تعتبر تدخل إيران في العراق وسوريا تدخلاً مرفوضاً، بينما تراه إيران تدخلاً مسموح ومشروع لأنه تم بالتنسيق مع الحكومتين الشرعيتين في الدولتين. من ناحية أخرى، ترى إيران أن التدخل السعودي في اليمن والبحرين تدخلاً مرفوض بينما تراه السعودية تدخلاً مسموح ومشروع لأنه تم بدعوة وتنسيق مع الحكومتين الشرعيتين في الدولتين. لكن أمر التدخل محسوم في القانون الدولي، كما أن الأزمتين في سوريا واليمن مرت بخطوات وتخضع لتفاهمات واتفاقات دولية برعاية القوى العظمى ومظلة الأمم المتحدة مما يهمش دور الدولتين من ناحية، ويسهل عملية التفاهم بين السعودية وإيران، من ناحية أخرى.

 

أما التشيع فهو حجة فاقدة لكل أنواع المنطق والشرع و القانون، وليست إلا أحجية سياسية بامتياز مخصصة للدهماء ولا تستند على أرضية وقاعدة صلبة. فليس في الدين الإسلامي أو كافة الأديان السماوية ما يدعمها، بل أن “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، و “لا إكراه في الدين” آيات حاكمة في التنزيل الحكيم لحرية الأديان والمعتقد. كما أن السعودية لها جهود حثيثة في التقريب بين المذاهب، وجهود عالمية في التقريب بين الأديان، ولذا، فأغلب الظن، أن قضية “التشيع” ستزول من أجندة الطرفين مع ثاني إجتماع مغلق بين الطرفين.

 

إذا تمكنت الدولتان السعودية وإيران من استبعاد محور الشر: (١) أمريكا لرغبتها في إدارة الصراع في منطقة الخليج وتعزيز سباق التسلّح بين الجارتين؛ (٢) تركيا لوقف انهيارها وأفولها وتعزيز موقفها الإقليمي وذلك بموالاة الدول السنية وفي مقدمتها السعودية، بعد خساراتها المتلاحقة مع الإتحاد الأوروبي، وفشلها في الدفع بالإسلام السياسي نحو السلطة في العالم العربي، ومؤخراً في سوريا بعيد التدخل العسكري الروسي؛ (٣) إسرائيل المستفيد الأول من الاحتراب العربي والانشقاقات الطائفية بين المسلمين، وتتوق لحرب مع إيران وكبح جماحها وهي التي ناصبتها العداء سياسياً وإعلامياً وتشجع وتدعم كل مقاومة ضد إسرائيل. نخلص إلى أنه عند تحييد الدول الثلاث يمكن الجزم بنهاية الأزمة بين السعودية وإيران.

 

نميل إلى ترشيح ثلاث دول لتولي نزع فتيل الأزمة بين السعودية وإيران، دولة خليجية، دولة عربية، ودولة عظمى. وبعد مسح شامل بناء على عامل الثقة بين الدولة / الدول المرشحة وعلاقتها مع الدولتين تاريخياً، وهي كالتالي: الإمارات، وعُمان، والكويت، على المستوى الخليجي؛ مصر، والجزائر، والأردن، على المستوى العربي؛ روسيا، وألمانيا، وفرنسا، على المستوى الدولي والقوى العظمى. ولذا، نجزم بأن “ترويكا” أو مجموعة ثلاثية دولية مكونة من: الإمارات العربية المتحدة بسياستها الخارجية الحكيمة، ومصر ذات الثقل القومي العربي؛ وروسيا القوة العظمى القادمة بقوة. هي الدول الأقوى والأنسب لجمع الطرفين بشكل مباشر على طاولة واحدة.

 

أخيراً، كل المؤشرات تدل على أن التصعيد المستجد بين السعودية وإيران أقرب إلى التصالح والتفاهم وحل كافة الأمور العالقة بشكل مباشر أكثر من أي وقت مضى. ترقية الأزمة بين الدولتين من مواجهة غير مباشرة إلى مواجهة مباشرة سيعجل بالحل ونزع فتيل الأزمة. بالرغم من توقع تصعيد هنا وهناك، واتهامات إعلامية بين الدولتين واتهامات مضادة، لكن ثقل الدولتين الإستراتيجي والجيوسياسي والسياسي والإقتصادي والعسكري والثقافي، وهشاشة الوضع الدولي والشرق أوسطي، لا يسمح بأي حال من الأحوال بأكثر مما حصل، أما متى يحصل نزع الفتيل فذلك محكوم، بالإضافة إلى الاستثمار الداخلي للأزمة، بإرادة القوى المؤثرة الثلاث التي ذكرناها آنفاً.

 

 ختاماً، السعودية في حاجة ماسة إلى إيران وإلى السلم، كما أن إيران التي تولد من جديد بعد رفع العقوبات بحاجة إلى حاضنة آمنة لن تجدها سوى مع السعودية ودول الخليج العربي. والمثل الشعبي يقول: “شيء لابد منه إستقرب منه”.

 

صحيفة أنحاء

أضيف بتاريخ :2016/01/09

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد