محلية

تقرير خاص: مملكة النفط... هل تتحول من الدولة الريعية إلى الدولة العميقة؟

 

عندما تُحتكر السلطة السياسية مقابل عقد اجتماعي تقوم بمقتضاه بضمان الوظائف وتوفير الخدمات الاجتماعية يحضر مفهوم الدولة الريعية. في هذه الدول، لا تُعد الخدمات حقوق مواطنة بل هبات تضمن السلطة بموجبها صمت المواطنين عن إطلاق يد الحاكم ليتصرف على هواه، بمعنى آخر إنها "الرشوة السياسية".

السعودية تعتمد على النفط باعتباره ريعاً خارجياً، وتتولى إدارته توزيعه وحدها، وتسيطر على كافة مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية أيضاً. تراكم رأس المال لديها يمكّنها من أن تتولى زمام الإنفاق العام على المجتمع.

لذلك المواطنون في السعودية لا يدفعون ضريبة على الدخل، ولا يتم اقتصاص مبالغ من أرباح أسهمهم، كما أن البنزين في محطات الوقود كان يباع بمبلغ 12 سنتًا للتر الواحد، وسعر الكيلو واط الواحد من الكهرباء كان يقدر بـ1.3 سنت.

ورغم "التقديمات الاجتماعية" التي يُسوق لها في الإعلام الرسمي، إلا أن مملكة النفط تنخرها المشاكل الاقتصادية الخانقة. الفساد والبطالة والتمييز المناطقي والقبلي والطائفي، هذه المشاكل رفعها متظاهرون في احتجاجات شعبية خرجت عام 2011م في مناطق مختلفة منها الرياض وبريدة والقصيم والمنطقة الشرقية، وطالب المواطنون بإصلاحات السياسية والاقتصادية وغيرها.
مطالب الإصلاح جاء الرد عليها: قمع واعتقالات لم تميز بين إنتماءات مذهبية سنية أو شيعية. وبمحاولات التفافية حاولت السلطة إخماد مطالب الإصلاح بالإنفاق على الرعاية الاجتماعية كبديل عن معالجة الفساد.

تخبط وصولاً إلى موازنة العجز

الصحفي الإنجليزي المخضرم والخبير في الاقتصاد الدولي، أمبروز إيفانز بريتشارد، نشر تحليلاً مطوّلاً في صحيفة "ديلي تيليجراف" البريطانية بعنوان "السعودية قد تفلس قبل إخضاع صناعة النفط الأميركي"، تناول فيه الشق المتعلق بمواجهة السعودية لصناعة النفط الصخري الأميركية، وكيف أن الإستراتيجية السعودية بخصوص ذلك قد ارتدت بآثار سلبية على اقتصاد المملكة.

في أكتوبر الماضي شرعت السعودية في عملية إغراق لسوق النفط العالمي، بهدف خفض أسعاره لمستويات غير مسبوقة، مستغلة أنها الدولة الأولى على مستوى العالم في احتياطي واستخراج وتصدير النفط، وهي ما قرأها محللون وخبراء بأنها خطوة  سعودية بالحرب الاقتصادية الموجهة ضد إيران.

عامل آخر، ضرب باقتصاد المملكة وهو المتعلق بكلفة الحروب الباهظة التي قادتها السعودية مباشرة في اليمن أو بالوكالة كما في سوريا وغيرها من خلال دعم الجماعات الإرهابية المسلحة، إضافة على ذلك كله السخاء المادي الذي تقدمه السعودية لبعض الدول بهدف الاصطفاف وشراء المواقف السياسية وهو ما يُسمى بـ "شراء الذمم"، وضخّ المليارات لتعزيز نفوذ التطرف في المنطقة.

وتتوقع الرياض الحصول على 124 مليار يورو فقط، على أساس سعر 26 دولارا للبرميل. واليوم، فإن السعودية تغطي نصف تكاليفها باستخدام أموال النفط، لذلك فسيكون عليها إما اقتراض المال أو اللجوء إلى احتياطاتها.

ووفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي، فإن الاحتياطات المالية للسعودية، التي تصنف في المركز الرابع عالمياً، ستختفي بحلول عام 2020 في المعدلات الحالية. وإن صحّت هذه التوقعات فإن من شأن ذلك أن يهدد مفهوم الدولة الريعية التي سعت السعودية إلى تكريسها، وما يُدعم هذا الرأي هو نظر الرياض للمرة الأولى بمسألة فرض ضريبة على القيمة المضافة بنسبة 5%.

سجلت الميزانية السعودية لعام 2015 عجزاً قياسياً قُدّر بـ 326.2 مليار ريال، أي ما يعادل حوالي 87 مليار دولار. العجز الاقتصادي دفع بالمملكة إلى رفع أسعار البنزين والكهرباء والمياه.

ويتوقع مراقبون أن رفع الدعم الحكومي سيصل إلى أبعد من ذلك، يعزز هذه التوقعات طرح  الأمير محمد بن سلمان شركة "أرامكو" السعودية للإكتتاب العام. لينهي بذلك تصنيفها ركيزة القطاع العام السعودي.

هنا يعلق متخصص في المعلوماتية والإنتاج ورئيس مركز جواثا اﻻاستشاري لتطوير اﻷعمال" د. إحسان بوحليقة في مقال لصحيفة اليوم السعودية متسائلاً: هل سوقنا المالية قادرة وجاهزة؟ القضية ليست إجراءات ورقية بل صلات السوق بالاقتصاد وسياساته!

ويضيف: "إن أرامكو ستطرح في سوق مالية هي أكبر منه أضعافاً مضاعفة! مما يعني أن سوقنا المالية أمام تحد هائل، فكيف ستتعامل معه بنجاح؟ أي سـ "تتحول" هي كذلك لتتمكن من القيام بمهامٍ جسام تنتظرها؟ فبالإمكانات الحالية لسوقنا نطلب من السمكةِ أن تبتلع حوتا أزرق!"

السعودية دولة عميقة

هل تحولت السعودية إلى شبكة مصالح متشابكة ومترابطة، لا يعرف أفرادها بعضهم بعضا لكنهم يعملون لهدف مشترك وهو الدفاع عن مصالحهم وامتيازاتهم خارج إطار القانون والمجتمع والدولة؟ بمعنى آخر دولة داخل الدولة أو دولة فوق الدولة. هو مايعرف بالدولة العميقة.

وهذا ما تجلى بوضوح في إنشاء السعودية لتحالف إسلامي عسكري، وسعيها لتمدد شبكات التواصل بين أقطاب الدول العربية والإسلامية في مواجهة مشروع المقاومة للاستكبار العالمي الصهيوأمريكي، الذي لا ترى فيه إلا تمدداً للنفوذ الإيراني.

وسبق أن تجلت الدولة العميقة في السعودية في 2011م مع انطلاق الحراك المطلبي الداعي للإصلاح السياسي الشامل، حيث عبّأت الدولة العميقة كل قواها الأمنية والدينية والإعلامية لإجهاض الحراك في الشارع السعودي.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية في "29 مارس 2011" أمر المفتي العام للمملكة بطباعة 1.5 مليون نسخة من فتوى هيئة كبار العلماء بحرمة التظاهر! فيما راح صحافيو الدولة العميقة يسوّقون بضاعة «أمن الوطن»، بدلاً عن الحرية.

كل هذا يفسر كيف أن المملكة السعودية نشأت على نقيض الإصلاح والتغيير، وترى بقاءها متوقفاً حصرياً على إدامة أمد الاستبداد، والهيمنة الاقتصادية والسياسية مهما كانت كلفته.

أضيف بتاريخ :2016/01/12

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد