قصة وحدث

قصة وحدث: حرب الخليج الثانية: تشرذم العرب استدرج التقسيم

 

في "17 يناير 1991م"، قادت الولايات المتحدة حرب الخليج الثانية، التي عُرفت أيضاً باسم "عاصفة الصحراء"، ضد العراق الذي اجتاح جيشه الكويت في "2 أغسطس 1990"، واحتل عاصمتها ومدناً رئيسة فيها ورفض تنفيذ قرارات مجلس الأمن بالانسحاب منها. استمرت الحرب شهراً و11 يوماً لتنتهي في "28 فبراير 1991م"، مخلفةً دماراً في العراق وجيشه واقتصاده وبنيته التحتية، وكذلك دماراً في الكويت واقتصادها، وأظهرت تشرذماً في مواقف العرب من الحرب.

 

دخلت فرق الحرس الجمهوري العراقي إلى الكويت في "2 أغسطس 1990م" بالمدرعات والدبابات واحتلت العاصمة والمراكز الرئيسة في البلاد، واعتقل الحرس العراقي آلاف المدنيين الكويتيين وأعداداً كبيرة من الأجانب الذين كانوا متواجدين في الكويت في ذلك الوقت، والذين استعملهم كرهائن لاحقاً.

 

تعود أسباب هذه الحرب إلى خلافات وقعت بين العراق والكويت، كالخلاف على انتاج النفط المرتبط بدعم الكويت للعراق خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية، التي جرت بين 1980م و 1988م، بـ14 مليار دولار. أرادت بغداد تسديد هذه "الديون" عبر رفع أسعار النفط وتقليل نسبة إنتاج منظمة "أوبك" للنفط في الوقت نفسه، لكن العراق اتهم دول الخليج بعدم الالتزام، فتعهدت كل من الكويت والإمارات بالالتزام بحصص الإنتاج المقدرة بمليون ونصف برميل في "10 يوليو 1990م". ثم بدأ النظام العراقي بتوجيه اتهامات للكويت بأنها تقوم بأعمال تنقيب غير مرخصة عن النفط في الجانب العراقي من حقل الرتقة، وهو حقل مشترك بين الكويت والعراق.

 

بعد ساعات قليلة من اجتياح العراق للكويت، عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن وصدر قرار رقم 660 مديناً الاجتياح، وطالب بانسحاب القوات العراقية من الكويت.

 

وفي "3 أغسطس" عقدت الجامعة العربية اجتماعا طارئاً لتطالب العراق بالانسحاب أيضاً. بعدها بأيام، تحديداً في "6 أغسطس" أصدر مجلس الأمن قرارا بفرض عقوبات اقتصادية على العراق.

 

قادت الولايات المتحدة ائتلاف الحرب على العراق والتي سمتها "عاصفة الصحراء"، فضم 34 دولة. وتدفقت القوات الأميركية إلى السعودية في "7 أغسطس 1990" إلى أن وصل عددها إلى 500 ألف جندي أميركي من أصل 959.600 جندي، بنسبة 74 في المئة من أصل القوات الأجنبية الأخرى في الائتلاف. و في "29 نوفمبر 1990م" عاد مجلس الأمن الدولي وأصدر قراراً رقم 678، حدد فيه تاريخ "15 يناير 1991م" موعداً نهائياً لسحب القوات العراقية من الكويت، وإلا فإن قوات الائتلاف سوف "تستعمل كل الوسائل الضرورية لتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 660".

 

رفض صدام حسين الاستجابة لمجلس الأمن، فشنت طائرات "التحالف" فجر "16 يناير 1991م" غارات جوية كبيرة غطت شمال العراق وجنوبه، فيما أعلن صدام حسين في اليوم التالي عبر الإذاعة العراقية الرسمية أن "أم المعارك قد بدأت". ركزت قوات "التحالف" هجومها براً وجواً على الكويت والعراق وبعض من المناطق الحدودية مع السعودية، بينما ردت القوات العراقية بإطلاق عدد من صواريخ "سكود" على إسرائيل والرياض.

 

تلقى النظام العراقي ضربة قوية في هذه الحرب، وكانت ثمناً ونتيجة للحرب الأولى ومنهج صدام حسين الحربي ضد جيرانه. وشكلت الحرب أيضاً مسرحاً لتغيّر في المعادلات والتوازنات، فوقفت إيران على الحياد بين الفريقين، وبرز الدور الوطني للخليحيين الشيعة في هذه الحرب أظهرت كذب المزاعم التي سيقت عن ولاءاتهم الخارجية، واجه الوطنيون الحرب للدفاع عن أوطانهم، ووحدت الحرب الداخل الكويتي، الذي انقسم ازاء حرب الخليج الاولى التي شنها صدام ضد ايران، وبتأييد كويتي وخليجي رسمي. وساهمت حرب الخليج الثانية في تغير نظرة سنة الكويت تجاه إيران التي عدا التعاطي معها على أنها ضحية من ضحايا صدام، ساهم في تعزيز النظرة عدم التأييد الايراني للحرب.

 

وسببت الحرب تشرذماً في مواقف الدول العربية، فوقف كل من الأردن واليمن إلى جانب العراق خلال اجتماع جامعة الدول العربية، فيما تحفظت كل من الجزائر وتونس ومنظمة التحرير الفلسطينية وموريتانيا والسودان وليبيا عن الدخول في التأييد أو الرفض للحرب. وفي المقابل، أيدت الكويت كل من السعودية والإمارات والبحرين وقطر وعمان ومصر وسوريا والمغرب. وتظهَّر التشرذم أكثر باستقالة الأمين العام للجامعة العربية التونسي الشاذلي القليبي مع بدء الحرب على العراق.

 

كما برز موقفان متضادان بشأن الحرب، الأول لـ"الإخوان المسلمين" الذين أدانوا الغزو العراقي للكويت وعارضوا فس الوقت نفسه من دخول قوات أجنبية إلى الخليج. تحدث "الإخوان المسلمون" بعد اجتياح العراق للكويت عن "نذر الشر العظيم المبيتة لهذه الأمة فىي تحقيق مطامع التآمر الصهيوني الصليبي الغربي الاستعماري فى الاستيلاء على الشرق الاوسط ونهب ثرواته وتسخيرها لمصالحهم". وأفتى الشيخ يوسف القرضاوي بـ"وجوب الجهاد" ضد قوات التحالف في العراق.

 

خلال ذلك قام الرئيس العراقي بإضافة كلمة "الله أكبر" على العلم العراقي في محاولة منه لإضفاء طابع ديني على الحملة ومحاولة منه لكسب الأخوان المسلمين والمعارضين السعوديين إلى جانبه، وزاد حجم هذا الطابع الديني عندما بدأت القوات الأجنبية تتدفق عليها.

 

في مقابل هذا الموقف الرافض للتدخل الأجنبي الغربي، كان موقف المؤسسة الدينية المؤيدة للعائلة الحاكمة في المملكة حاسماً في تأييد الحرب، وأفتى العضو في "هيئة كبار علماء السعودية" عبد العزيز بن باز بجواز الاستعانة بدول "التحالف" لتحرير الكويت لـ"الدفاع وحماية أقطار المسلمين لأن عدوهم لا يؤمن هجومه عليهم، كما هجم على دولة الكويت، إذ لا بأس أن يستعين المسلمون بغيرهم للدفاع عن بلاد المسلمين وحمايتهم وصد العدوان عنهم".

 

اتبع "التحالف" استراتيجية الاستنزاف حيث تم اضعاف الجيش العراقي بالحرب الجوية على مدى 43 يوماً. وفي "22 فبراير 1991م"، وافق العراق على مقترح سوفييتي بوقف إطلاق النار والانسحاب من الأراضي الكويتية خلال فترة ثلاث أسابيع، على أن يتم الإشراف على الانسحاب من قبل مجلس الأمن. غير أن الولايات المتحدة لم توافق على هذا المقترح، وتعهدت في الوقت نفسه بعدم مهاجمة القوات المنسحبة من الكويت وأمهلتها 24 ساعة للانسحاب كلياً من الكويت.

 

ثم توغلت قوات "التحالف" في الأراضي الكويتية والعراقية في "24 فبراير 1991م"، وتمكنت من الوصول إلى نصف المسافة نحو مدينة الكويت. وفي اليوم التالي قطعت قوات التحالف جميع الطرق لإمداد للجيش العراقي. وبدأ الجيش العراقي بالانسحاب في "26 فبراير 1991م" بعد أن أشعل النار في حقول النفط الكويتية، وتشكل خط طويل من الدبابات والمدرعات وناقلات الجنود على طول المعبر الحدودي الرئيس بين العراق والكويت، قصفته قوات "التحالف" ودمرت ما يزيد عن 1500 عربة عسكرية عراقية، وقتلت 200 جندي عراقي.

 

وأعلن الرئيس الأميركي جورج بوش الأب في "27 فبراير 1991م" تحرير الكويت بعد 3 أشهر و10 أيام من بدء الحرب، التي خلفت حوالي مئة ألف قتيل و30 ألف أسير من القوات العراقية وخسائر كبيرة في معدات وآليات القوات، وتسببت بأضرار اقتصادية هائلة وتدمير لبنية العراق التحتية وفرض عقوبات اقتصادية على العراق لمدة 13 عاماً. أما الخسائر في المدنيين العراقيين فناهزت مئتي ألف قتيل.  وعلى الجانب الكويتي، أدت الحرب إلى تدمير مؤسسات ومنشآت حكومية وآبار نفط نجم عنها خسائر بمليارات الدولارات. كذك تعرض الكويتيون خلال الغزو العراقي للتعذيب والأسر والقتل، إذ تم أسر أكثر من 600 كويتي ومن جنسيات أخرى، وعثر بعد انتهاء الحرب على رفاة حوالي 236 أسير بعضهم في مقابر جماعية.

 

وقامت الولايات المتحدة بلعبة في العراق، فشجع بوش العراقيين على القيام بثورة على النظام، لأن الحرب، بحسب قوله، كانت لـ"تحرير الكويت" وأن تغيير النظام السياسي في العراق هو "شأن داخلي". عندئذٍ، بدأت "الانتفاضة العراقية" في العام 1991م، لكن وحدات الحرس الجمهوري وبعض قيادات الجيش العراقي قمعت الانتفاضة بسرعة. ويقول معظم المؤرخين إن اتفاقاً عقدت الولايات المتحدة في مدينة صفوان العراقية نتج منه تغطية أميركية لقمع الانتفاضة.

أضيف بتاريخ :2016/01/16

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد