آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طراد بن سعيد العمري
عن الكاتب :
باحث وكاتب في العلاقات الدولية؛ الشئون الإستراتيجية؛ الدراسات العسكرية؛ المجتمع الخليجي؛ وشئون العمل والبطالة

لا تسخر من أهل الجنوب يا وزير الصحة

 

 طراد بن سعيد العمري

تناقلت وسائل التواصل الإجتماعي مقطع فيديو يصور وزير الصحة وهو يسخر بضحكة تهكمية من مواطن يبدو أنه من أهل الجنوب عندما تمنى على الوزير أن يكون في الجنوب مستشفى على غرار المستشفى التخصصي بالرياض. بدت ضحكة الوزير فيها الكثير من الازدراء والسخرية والتهكم مما استفز مشاعر كثير من المواطنين، ليس من أهل الجنوب فقط، بل من معظم المواطنين بصرف النظر عن انتماءاتهم المناطقية أو القبلية. لم يكن ذلك خطأ فقط، بل غلط ارتكبه الوزير، وهناك فرق بين المصطلحين والممارستين. مصطلح الخطأ (Mistake) ينتج من تكرار العمل؛ أما الغلط (Wrong)  فهو ممارسة فعل مرفوض شرعاً أو قانوناً أو عرفاً. يقول الحق سبحانه: “يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم …” (الأية١١، سورة الحجرات). ولذا يستحسن لو أصدر وزير الصحة بياناً يوضح فيه ملابسات الحادثة، ويعتذر عن ما بدر منه، فالاعتذار من شيم الكبار.

 

صحيح أنه لا يوجد من أهل الجنوب وزير أو أكثر يجلسون إلى جانب معالي وزير الصحة في مجلس الوزراء كل أسبوع، لكي يتعرف عليهم الوزير ويعرفهم. لكن هل يعلم وزير الصحة ابتداءاً من هم أهل الجنوب؟ هم يا معالي الوزير أهل مناطق الباحة وعسير وجازان ونجران، أربع مناطق حية وحيويّة تشكل ثلث عدد مناطق المملكة. هل يعلم وزير الصحة أن أهل الجنوب هم أكثر قبائل المملكة عدداً؟ وهل يعلم وزير الصحة أن أهل الجنوب يشكلون أكثر من (٧٠٪) من جنود وضباط القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي؟ وهل يعلم الوزير أن أهل الجنوب يشكلون النسبة الكبرى من عدد السكان في معظم مدن ومناطق المملكة، حتى ولو لم يظهر ذلك في التعداد السكاني؟ وهل يعلم وزير الصحة أن مناطق الجنوب وتحديداً: عسير وجازان ونجران يقفون بحزم وبشجاعة ضد أي تحدي أو تعدي في الحد الجنوبي؟ إذا علم وزير الصحة كل ما سبق أو لم يعلمه، ألا يستحق أهل الجنوب من الوزير التوضيح والاعتذار؟

 

من ناحية أخرى، صحيح أن مستشفى الملك فيصل التخصصي مجمع طبي عالي المستوى وبكلفة بناء وتشغيل عاليه، وصحيح أن الرياض هي العاصمة وتستحق أن يكون فيها الأجمل والأكمل والأغلى والأحدث فهي النموذج والمقياس الأعلى، أو هكذا يجب في كل شيء. لكننا نجزم أن من حق المواطن في أي قرية أو مدينة أو منطقة في المملكة أن يحلم، ومن حقه أن يتمنى، ومن حقه أن يطالب الوزير المختص بالأفضل. ونؤكد أن ليس هناك فرق في عين ولاة الأمر بين مواطن في أقصى الجنوب، وأخر في أقصى الشمال، وكل الشعب السعودي، ولله الحمد والمنة، متساوون في الحقوق والواجبات. في ظننا أن المواطن الذي قابل الوزير كان على درجة عالية من الذكاء والفطنة. يقابل وزير الصحة في مستشفى التخصصي ويسأل الوزير: لماذا لا يكون مثل هذا المستشفى في الجنوب؟ سؤال فيه أمنية وحلم مواطن؛ وفيه فخر واعتزاز مواطن بمنطقته؛ وفيه نقد لأداء وزارة الصحة ومستوى الرعاية الصحية في الجنوب؛ وفيه أيضاً مدح للمستشفى التخصصي. لكن الوزير لم يوفق هو ومن كان في صحبته في “القهقهة” الساخرة التي أطلقاها.

 

يعرف وزير الصحة تمام المعرفة أنه كان بإمكانه أن يطيب خاطر المواطن برد أجمل وأبلغ، بصرف النظر عن ما إذا كان بمقدور الوزير والوزارة تنفيذ مستشفى في الجنوب أو الشمال على غرار مستشفى التخصصي. يقول المثل الشعبي: “الملافظ سعد”، ويقول بيت الشعر: لا خيل عندك تهديها ولا مال *** فليسعد النطق إن لم يسعد الحال. كما يعلم معالي وزير الصحة أن سلفه الأسبق،  ومسئولين كبار سواه، تم إعفاءهم من مناصبهم بسبب سوء تواصلهم أو مخاطبتهم للمواطنين. لكننا عتبنا هذا هو عشم في وزير الصحة أن يصحح غلطته، أو ما فُهم على أنه غلطة وزير.  فلو أسعف حسن الظن والتفكير معالي الوزير قليلاً، لاتضح له أن طلب المواطن تنفيذ مشروع للمستشفى التخصصي في منطقة مثل الجنوب، ليس إلا حسن ظن من المواطنين بالدولة والحكومة والوزارة والوزير شخصياً. وهل يتم طلب الصعب أو المستحيل إلا من الأفذاذ والقادرين؟ لكن “غلطة الوزير بعشرة”، كما يقول المثل الشعبي بتصرف، ونعتقد أن وزير الصحة قادر على تلافي تلك الغلطة بالتوضيح والاعتذار. فالمواطن السعودي تربى على الكثير من الكرامة والعزة وعلى استعداد أن يقبل الكثير من القصور والتقصير، لكن من دون المساس بكرامته وعدم السخرية منه بكلمة أو ضحكة استهتار.

 

تجارب المواطنين مع سلوكيات بعض الوزراء ليست جيدة، مع كل أسف، فالبعض من وزراءنا الأشاوس لديه مفهوم خاطئ عن العلاقة الطردية بين المنصب وحسن التواصل مع المواطنين الذين يشار إليهم في أدبيات الإدارة الحديثة للحكومات بـ “العملاء”. بعض الوزراء، غفر الله لهم، يظن ولو للحظة، أنه من طينة غير طينة البشر، وأنه أوتي مالم يؤته أحد من العالمين. ونذكر أننا سبق أن سألنا د. غازي القصيبي، رحمه الله، عن سر تعالي بعض أصحاب المعالي فقال: “أليس لقبه معالي؟” ثم أردف قائلاً: عندما يعين بعض الأشخاص في منصب وزير يضطرب فكره بعد تكرار سماع “توجيهاتكم” و “أوامركم” وما شابه ذلك من كبار الإداريين حوله، فيتصور، ولو مؤقتاً، بأنه يملك ما لا يملكه الآخرون من النباهة والفطنة وحسن تدبير الأمور”. وقد كتب رحمه الله مقالاً بهذا الشأن عنوانه “الكرسي الكبير والكرسي الصغير”.

 

أخيراً، نَعم، ياوزير الصحة وألف نَعم .. نريد مستشفيات لا تقل مستوى عن المستشفى التخصصي في كل منطقة من مناطق المملكة .. ونريد نظاماً صحياً كأفضل أنظمة أوروبا وأمريكا واليابان .. ونريد تأميناً صحياً شاملاً لكل مواطن من المهد إلى اللحد .. ونريد أفضل علاج للمريض في الداخل والخارج .. ونريد أن لا يطول انتظار المريض أكثر من (٢٤) ساعة لمقابلة الاستشاري أو الحصول على سرير .. ونريد أن ينقل أي مريض بطائرة الإخلاء الطبي خلال ساعات للعلاج في الداخل أو الخارج .. ونريد حسن الاستقبال في المستشفيات والمستوصفات وأقسام الطوارئ .. ونريد أن يتوفر الدواء لكل مواطن بالمجان مهما بلغ ثمنه .. ونريد أن يتلقى كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة الرعاية الطبية في منازلهم .. ونريد تعويضاً مجزياً عن الأخطاء الطبية لا يقل عن مثيله في الولايات المتحدة. فهل تستطيع أن تنفذ طلباتنا وتحقق أحلامنا يا وزير الصحة؟ ختاماً، إذا كنت لا تستطيع أن تتقبل طلباتنا وأمنياتنا وأحلامنا بصدر رحب وذهن منفتح، فالأفضل أن ترحل .. لكن قبل ذلك، يتوجب عليك أن تعتذر لأهل الجنوب. حفظ الله الوطن

 

صحيفة أنحاء

أضيف بتاريخ :2016/02/08

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد