آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
سعادة مصطفى أرشيد
عن الكاتب :
*سياسيّ فلسطينيّ مقيم في الضفة الغربية.

فعل قوي واستجابة هزيلة

 

سعاده مصطفى أرشيد

تفيد الأنباء الواردة من تل أبيب أنّ حزب «أزرق أبيض» قد منح رئيس الحكومة بن يامين نتنياهو تفويضاً كاملاً لضمّ ما يريد ومتى يريد من أراضي الضفة الغربية التي وردت في مشروع ترامب، مع ملاحظة أن يتمّ أخذ الموقف الأردنيّ بالاعتبار وعلى أن لا تضرّ تلك الإجراءات بالعلاقات الأردنية ـ «الإسرائيلية»، باستثناء هذه النقطة التي يراها حزب «أزرق أبيض» فإنّ التحالف الحكومي لا يوجس خيفة أو قلقاً من أية ردة فعل عربية أو إسلامية أو دوليّة أو حتى على ضفتي فلسطين الغربية والجنوبية، الأمر الذي يوحي بأنّ هناك من طمأن الإسرائيلي أو أنه لا يعير كلّ من ذكر أدنى اهتمام ولا تزعجه بياناتهم وضجيجهم.
الرئيس محمود عباس في كلمة له ألقاها في قمة عدم الانحياز عبر الفيديو كونفرانس أكد خلالها أنّ تنفيذ قرار الضمّ يعني أنّ السلطة الفلسطينية ستكون في حلّ من الالتزامات والاتفاقيات والتفاهمات مع «إسرائيل» ومع الإدارة الأميركية. أما وزير الخارجية الفلسطيني فقد أبلغ نظراءه في القاهرة وعلى هامش أعمال اجتماع وزراء الخارجية العرب في جامعة الدول العربية أنه في حال نفذت «إسرائيل» عملية الضمّ، فإنّ الفلسطينيين سيعلنون الدولة، الأمر الذي أعلنه الفلسطينيون أكثر من مرة أوّلها في انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 في الجزائر، ويبدو أنّ وزير الخارجية قد اتكأ في قوله هذا على تصريحات صدرت عن البيت الأبيض في وقت سابق: أنّ على «إسرائيل» التعامل مع مشروع صفقة القرن كرزمة واحدة وأنّ عملية الضمّ يجب أن تترافق بالاعتراف بدولة فلسطينية، علماً أنّ عملية الضمّ عندما تنفذ لن تبقي على أرض الضفة الغربية مكاناً يتسع لتلك الدولة. فيما صرّح أحد أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح أنها عقدت اجتماعها مساء الثلاثاء وقرّرت أن تبقى في حالة انعقاد دائم لمواجهة محاولات الاحتلال لتنفيذ مشروع الضمّ، وعن تشكيل لجنة سياسية لوضع السيناريوات للمرحلة المقبلة! على الضفة الجنوبية فقد أبدى الناطق باسم حماس الأستاذ حازم قاسم إعجابه وتقديره لموقف عدد من أعضاء مجلس العموم البريطاني الذين بعثوا برسالة لرئيس الوزراء بوريس جونسون يعارضون فيها عملية الضمّ، وأضاف أنّ هذه العملية قد عزلت حكومة الاحتلال والإدارة الأميركية.
لكن ذلك كله لم يضعف شهية نتنياهو في التهام أراضٍ حتى لو لم ترد في المشروع الأميركي، فقد أعلن منذ أيام عن الموافقة على إقامة مصعد عملاق على أسوار الحرم الإبراهيمي في الخليل وذلك لتسهيل وصول المصلّين اليهود إلى داخل المسجد، وكما أعلن عن مصادرة عقارات وأراضٍ وبيوت في محيط الحرم، فيما نزعت سلطات الاحتلال صلاحية إصدار تراخيص البناء في المنطقة تلك من بلدية الخليل وإحالتها إلى مجلس التخطيط الأعلى الإسرائيلي، وبهذا يكون نتنياهو قد قام بالضمّ الفعلي لهذا الجزء من مدينة الخليل إلى السيادة الإسرائيلية، ثم ما لبث أن تلقى جرعة إضافية من الدعم من السفير الأميركي دافيد فريدمان الذي قال الأربعاء لصحيفة «إسرائيلية» إن لا شروط للولايات المتحدة إلا ما ورد في صفقة القرن، وإنه عند انتهاء اللجنة الأميركية – الإسرائيلية من عملها في ترسيم حدود الضمّ، كما وردت في صفقة القرن ويوافق رئيس الحكومة الإسرائيلية على التفاوض مع الفلسطينيين وفق رؤية الرئيس ترامب وقد وافق، فإننا سنعترف خلال أسابيع بسيادة «إسرائيل» على تلك المناطق التي ستصبح جزءاً من أراضي دولة «إسرائيل». وقد ذهب السفير فريدمان إلى ما هو أبعد مما ورد في المشروع الأميركي، إذ قال لتلك الصحيفة: إنّ مستوطنة بيت أيل (الملاصقة لرام الله) والبؤر الاستيطانية في الخليل (وهي تشمل الحرم الإبراهيمي والمناطق المحيطة به إضافة إلى حوارٍ أخرى في قلب مدينة الخليل) تمثل القلب التاريخي لـ «إسرائيل» القديمة (وللوعد التوراتي لليهود) وإنّ الطلب من الإسرائيلي ان يتخلى عنها يماثل الطلب من الأميركي التخلي عن تمثال الحرية. ولم يزد الردّ شعبياً ورسمياً على هذا الإجراء عن بيانات مكرّرة.
فما هو سبب هذا السكون والهدوء تجاه ما جرى في الخليل. وهو الأمر الذي سينسحب على ما قد يجري في الضفة الغربية عند تنفيذ الضمّ الكبير؟ وقد ذكرت في مقال سابق أنّ القدس وما جرى ويجري بها وهي ما هي قداسة وسياسة لم يحرك المياه الراكدة فهل تحركها أحداث دونها وجاهة وأهمية؟ باحث يعمل في مركز ديان التابع لجامعة تل أبيب تساءل عن سرّ الهدوء في الضفة الغربية، بالرغم من التوترات التي تمرّ بها العلاقة بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، فمسارات السلام متوقفة والحروب بين غزة و»إسرائيل» تتمّ بشكل دوري وتمّ تركيب بوابات الكترونية على مداخل المسجد الأقصى والقدس تهوّد وعقاراتها القديمة تُباع وتنقل إليها سفارة الولايات المتحدة وأخيراً المشروع الأميركي (صفقة القرن) وتفاصيلها، يورد الباحث أسباب عدة منها:
1-أن القيادة الفلسطينية ترفض اللجوء إلى العنف (المقاومة) بشكل قاطع.

2- العقل الجمعي الفلسطيني لا زال تحت تأثير الصدمة (الهزيمة) التي أحدثتها عملية السور الواقي عام 2002 والتي أدّت إلى قتل عدد كبير من الفلسطينيين وتدمير مدن وبلدات ومخيمات ومشاريع إنتاجيّة، ثم قادت إلى انهيار الأمن وانتشار الفوضى والعنف الداخلي.
3 – الغربة بين الشعب الفلسطيني وقيادته، الأمر الذي يجعل القيادة عاجزة عن دعوة الشعب لتقديم تضحيات جديدة.
4 – شيوع اللامبالاة في المجتمع الفلسطيني وسقوط الايدولوجيا لصالح ازدهار ثقافة السوق والاستهلاك وتآكل الاهتمام بالقضايا التي لطالما اعتبرت أساسية ومصيرية.
5 – نجاح «إسرائيل» في الفصل بين المسار السياسيّ والمسار المدنيّ، ففي حين تعطّلت المفاوضات فإنّ التنسيق الأمني والعلاقات الاقتصادية بقيت على ازدهارها.
بغضّ النظر عن أنّ الباحث المذكور موجود في الجانب الآخر من معادلة الصراع، إلا أنه قد أصاب في بعض أسبابه، تضاف إلى ذلك أسباب تجعل «الإسرئيلي» مطمئناً لعدم وجود ردّ.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2020/05/09

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد