آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
آسيا العتروس
عن الكاتب :
كاتبة وصحافية تونسية

2020 بين فيروسين… كورونا والتطبيع… يمكن للعالم ان يحلم بلقاح ينتصر على كورونا ولكن لا علاج للاوبئة التي ابتلي بها العرب

 

آسيا العتروس

سيذكر اجيال المستقبل وهم يقلبون صفحات التاريخ أن سنة 2020 كانت سنة استثنائية بكل المقاييس, سنة غابت عنها الانجازات والاستحقاقات وحضرت في المقابل النكسات التي ستترك بصماتها بوضوح على خطوط المستقبل في الشرق و الغرب و ستفصل بين شعوب قرات جيدا دروس كورونا و استفادت منها و بين شعوب ظلت على الهامش فتفاقمت معاناتها مع كل فيروس مستجد في حياتها ..
من التطبيع مع كورونا الى فيروس التطبيع
الاكيد أن فيروس كورونا المستجد الذي عبث بمختلف دول العالم الغنية منها والفقيرة لم يكن الوباء الوحيد الذي أدمى القلوب وضاعف الماسي بل انه والى جانب الفيروس  الذي تسلل في غفلة من الجميع الى اكبرالمؤسسات السياسية والعسكرية والامنية والاستخباراتية وأصاب رؤساء ووزراء و قيادات امنية و غيب عديد الوجوه الشهيرة من اهل الفن والفكر والسينما فان الحقيقة ايضا ان هناك اوبئة لا تقل خطورة عن كورونا و هي تلازمنا حتى كدنا نطبع معها وهي اوبئة  قد نخطء اذا حاولنا احصائها فهي تلازمنا منذ زمن لم يعد بالقصير, وهي اوبئة لم تجد لها المخابرالطبية العالمية اللقاح المطلوب ولا يبدو ان صناع القرارفي العالم قادرين على انهائها اوالحد من مخاطرها ..
ولاشك أننا و فيما نودع ما تبقى في عمرالسنة 2020 التي يصح وصفها بانها السنة التي فرقت بين ابناء الوطن الواحد وفرقت بين ابناء العائلة الواحدة وحكمت على المغتربين بالغربة بين ذويهم و حرمت المسافرين والمهاجرين من لحظة معانقة الابناء و الاباء و الاهل بعد طول فراق وفرضت أن يكون وداع من رحلوا دون القاء نظرة الوداع الاخيرة عليهم ..
طبعا لا احد كان يتوقع قبل حلول الجائحة أن يعيش العالم على وقع حرب الاقنعة التي بدونها باتت الحياة في خطر و لا احد كان يتوقع ان تغلق الجامعات ابوابها و يهجرها طلبتها و اساتذتها و ان يتوقف التلاميذ نبض الحياة عن ارتياد مدارسهم كما تعودوا ان يفعلوا على الدوام ولا أن تغرق دور الثقافة في صمت القبور ولا أن تغيب المهرجانات الثقافية و الرياضية و الندوات الفكرية و يجبر الجميع على الركود و الجمود و لا ان تغلق دور العباد و يمنع عنها روادها ولا ان تتوقف رحلات المعتمرين افواج الحجاج  الى البيت الحرام و لا ان يغيب عن المحلات الفاخرة و لا الاسواق الشعبية حيث  تتكدس السلع المقلدة باسعار بخسة زبائنها ..وقد حدث ذلك وها ان العالم باسره يعيش على تداعيات هذا المشهد الوبائي الذي  اصاب العالم بالشلل وفرض على الجميع دون استثناء حالة من الترقب والانتظاروان تنتهي مرحلة اختبارالفيروس  وان يتوفر اللقاح لكل شعوب العالم دون تمييز بين فقراءه و اغنياءه ..وهنا  بالتاكيد مربط الفرس  واحتمال بداية نهاية الكابوس وانتصارالعلم و الانسانية كما في مختلف المحطات التاريخية  التي شهد فيها العالم انتشار الاوبئة و الجوائح ..
فيروسات الطبيعة وفيروسات من صنع الانسان
حتى هذه المرحلة لا أحد اليوم بامكانه أن يجزم امتلاكه الحقيقة بشأن أصل فيروس كورونا وما اذا كان من صنع الطبيعة أومن من صنع المخابرالاستخباراتية في اطارالحرب الشرسة للتوسع و التحكم في العالم و السيطرة على مصادر الطاقة و الثروات ولكن في المقابل ما يمكن تاكيده أن الاسوأ من فيروس كورونا الذي سيختفي اجلا ام عاجلا بزوال الفيروس او بتوفراللقاح تبقى تلك الفيروسات التي استطونت جزءا كبيرا من العالم و تحديدا المنطقة العربية التي باتت موبوءة  بفيروسات الحروب و الصراعات الدموية التي نخرت المجتمعات وأنهكت الاجيال منذ نحو عقد بعد اندلاع موسم الربيع العربي الذي حاد عن مساره وتحول الى مشهد دموي بعد ان تسللت اليه العصابات المسلحة و المرتزقة و تجار الدين و سماسرة الاوطان ليشردوا من شردوا في سوريا التي يتنافس على ارضها خمسة جيوش اجنبية و يخربوا ما خربوا  قبل ذلك في العراق و يهدموا ما هدموا في اليمن الذي يعيش على وقع التفجيرات اليومية بعد ان تحول الى ساحة مفتوحة لاختبار كل انواع السلاح في بلد لا يجد ابناؤه رغيف العيش ويموت اطفاله بسبب الجوع والفقروالكوليرا وحمى المستنقعات دون ان يعرفوا شيئا من الحياة و الطفولة و المشهد ذاته اصاب ليبيا بالعدوى فغرقت في نزاعات و صراعات و تقاتل الاخوة الاعداء الذين مهدوا للجيش التركي و القطري و الفرنسي و الايطالي وغيره بالتسلل اليها وها ان ليبيا تودع مبعوثا أمميا و تستقبل اخر دون ان يلوح في الافق بادرة امل بزوال الغمة التي القت بظلالها على دول الجوار المهدة في حدودا بسبب المسلحين والمقاتلين العائدين من بؤر التوترو شبكات الارهاب وفلول الارهابيين الذين يخرجون في كل مرة لترهيب الاهالي ونشرالرعب كما حدث قبل أيام عندما تم ذبح الراعي الشاب عقبة الذيبي  في القصرين على يد جماعات تدعي الاقتداء بالدين والاسلام وهي في الاصل عدوة للوطن و للانسان …و المشهد لا يختلف كثيرا في  لبنان الجريح وفي تونس المنكوبة و في بقية الدول العربية التي تدعي الانتماء للخارطة العربية ولجامعة الدول العربية  ذلك الجسد العليل الذي لم يعد لا جامعة و لا عربية وهو يقف موقف شاهد الزوروالشيطان الاخرس على ما تتعرض له الخارطة العربية من انتهاكات و خروقات ومن تفكك وتفجر يعزز الاعتقاد بان اعادة رسم الحدود مسألة وشيكة ولكن ليس في الاتجاه الذي يامله جيل التحرر من الاستعمار و بناء الدولة الوطنية بل في اتجاه توسع وامتداد اسرائيل التي تفاخربشركائها الجدد من العرب والافارقة و بما تحقق لها على مسارالتطبيع المجاني دون ادنى تنازل او اعتراف بحق الشعب الفلسطيني في اقامة الدولة الفلسطينية بعد عقود طويلة من الظلم و التشريد والقتل البطيء و مصادرة الارض واستباحة العرض و تهويد المقدسات
و ممارسة كلانواع الجرائم التي تتنزل في اطار جرائم الحرب و التصفية العرقية دون ان يسبب ذلك ادنى احراج للعواصم العربية المطبعة او يدفعها على الاقل الى فرض شروط اساسية قبل الانسياق وراء جريمة التطبيع الذي اتخذ بعدا مختلفا عما كان عليه الحال خلال اتفاق كامب دايفد مع مصر ثم اتفاق وادي عربة مع الاردن حيث لم يخرج التطبيع ليتحول الى هستيريا التبجح بالاتفاقات التجارية و السياحية والرياضية مع اسوا حكومة عرفتها اسرائيل وهي حكومة يمينية غارقة في العنصرية و لا تنافسها حتى جنوب افريقيا زمن الابرتييد ورئيسها مطلوب للعدالة في جرائم فساد و سيكون ملاحق امام الجنائية الدولية لكل ما اقترفه من جرائم في حق اطفال و نساء و لاجئي و اسرى فلسطين …..
طبعا لا احد يتوقع تغير الاحوال بين عشية وضحاها و سيكون من السذاجة الاعتقاد ان الساعات القليلة التي تفصل  بين نهاية سنة 2020 و حلول سنة 2021 يمكن ان ينقلب حال العالم نحو الافضل ..يمكن توقع العكس و ان يتجه المشهد من السيء الى الاسوا فالسقوط  و الانهيار دوما  اسرع و اسهل من الصمود و الصعود والانجاز الذي يتطلب الكثير من الالم و الارادة والعزيمة و الثبات لتحقيق الافضل …
ما بعد الفيروس
الاكيد ان فيروس كورونا سيظل عنوان المشهد من بداية الى نهاية 2020 ولكن في المقابل فان الكثيرمن الفيروسات سبقته وظلت تنافسه ..وسيضاف الى جانب فيروس كورونا فيروسات غير مستجدة احكمت قبضتها على شعوب العالم المستضعفة  بسبب الظلم والفساد والارهاب والتطرف والجهل المقدس و الظلامية  وطبعا سيعود فيروس التطبيع ليستعيد نشاطه و يحرك ساكن البيت الابيض قبل ايام على نهاية ولايته الرئاسية لعقد الاتفاقات وفتح الطريق امام تل ابيب لتستوطن عواصم خليجية و تستعد لفتح سفاراتها هناك مبشرة بواقع جديد في العلاقات الخليجية الاسرائيلية …
..وفي انتظار ما ستحمله سنة 2021 من اخبار و مفاجات فقد يكون اكتشاف اللقاح الجديد بداية انقشاع الكابوس و استعادة الانسانية حياتها الطبيعية لتبدأ جديا عملية احصاء ما خلفه الفيروس من جروح في النفوس و من خسائر بشرية و مادية و اقتصادية ولكن ايضا ما فرضه ايضا من بدائل و خيارات للامم التي لم تنتظر زوال الجائحة وانطلقت في  تقييم و اعادة ترتيب اولوياتها و ضمان انتعاش اقتصادياتها و توفيراللقاح المطلوب لشعوبها قبل نهاية العام الحالي وهي الشعوب ذاتها التي وجدت في تقنيات التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل عن بعد وسيلة لعقد القمم الافتراضية و عقد الصفقات التجارية وتطوير الادوية و نجاعة اجهزتها و مؤسساتها الطبية و استمرارتدفق سلعها الى الاسواق العالمية و ضمان الحد الادنى من النمو رغم استمرارالجائحة …
قبل نحوعام بدأت اخبار الفيروس تتسلل الينا من مدينة ووهان الصينية وكانت الاصابات محدودة في حينها قبل ان يستفيق العالم على وقع تضخم الحصيلة و تجاوزها لكل الحدود …و ربما جاز القول على وقع الارقام المرتفعة يوما بعد يوم للوباء الذي يقترب من المليوني ضحية في العالم دون اعتبار للاصابات وللتداعيات الاقتصادية والاجتماعية و حتى النفسية على الانسانية أنه ربما لولا التعتيم الذي رافق ظهورالوباء في البداية ولولا التكتم على ظروف وملابسات ظهوره وتطوره لربما كان العالم في وضع اقل خطورة مما هوعليه ..
دروس لم نستفد منها
 نحن ايضا في تونس لم نحاول الاستفادة من دروس كورونا و لا يزال الاستهتار بالفيروس سيد المشهد وها نحن نودع العام على وقع حصيلة تقترب من 5 الاف ضحية بسبب الفيروس وقد تعجلنا الاحتفال بنهاية الموجة الاولى للفيروس في مارس الماضي والاعلان عن انتصارغير مسبوق للحكومة التونسية قبل ان نغرق مجددا في الارقام المرعبة والاحصائيات القاتمة و نصطدم بالواقع المؤلم للمؤسسات الصحية المفلسة و الفشل في استيعاب المرضى و المصابين ..
كورونا التطبيع
و بالعودة الى فيروس التطبيع فان الاكيد ان قطاع التطبيع المجاني انطلق و لن يتوقف و بقاء المشهد العربي الراهن على ما هو عليه من هشاشة و انهيار و افلاس يجعل من اسرائيل الاعب الاقدر على الساحة في ظل دعم امريكي لا نخاله سيتراجع مع الديموقراطي جو بايدن بعد رحيل ترامب و لاشك ايضا ان الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ انطلاق موسم الربيع العربي درست المشهد جيدا و فرضت هيمنتها على الجميع و استطاعات ان تحول حصار هذه العشرية لفائدتها مستفيدة من النزيف المستمر في سوريا و العراق و لبنان و اليمن و تراجع الدور المصري و انصراف كل الى مشاغله الداخليه في مواجهة الاحتجاجات و الصعوبات الاقتصادية ..و ها ان صواريخ اسرائيل تتساقط يوما بعد يوم على سوريا و منها على غزة و حتى حدود لبنان و لا احد ينتبه الى ذلك او يستشعر الخطرالقادم ..وفي المقابل تظل كل التبريرات مقبولة للتقليل من خطورة الجرائم الاسرائيلية و تحويل الانظار الى ايران و اعتبارها الخطر الوحيد الداهم على دول الخليج و منطقة الشرق الاوسط …و كل شيء مباح لطي صفحة القضية الفلسطينية و تغييبها من المنابر الاقليمية و الدولية ..وبالتوازي مع فيروس كورونا شهدت القضية الفلسطينية المنسية تطورات مثيرة هذا العام، ربما كان بدايتها مع إعلان ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في جانفي الماضي خطة البيت الأبيض للسلام في الشرق الأوسط، والتي تعرض إقامة “دولة فلسطينية” افتراضية ، وتعطي في الوقت نفسه الضوء الأخضر لإسرائيل لضم غور الأردن وأراضي المستوطنات اليهودية المقامة في الضفة الغربية.
وطوال أشهر، ظل نتنياهو يلوح بتنفيذ الضم، إلى أن تم الإعلان فجأة في اوت عن اتفاق إسرائيل والإمارات على مباشرة العلاقات الثنائية الكاملة بينهما. ثم انضمت البحرين لمسارالتطبيع و سرعان ما لحق السودان الذي حظي برفعه من قائمة الدول الراعية للارهاب  ثم كان دور المغرب الذي حظي باعتراف امريكي بسيادته على الصحراء الغربية وسط تأكيدات من نتنياهوعلى أن المسار لن يتوقف قريبا وستنضم إليه المزيد من الدول العربية والإسلامية.وليس من الواضح اين سيقف تسونامي التطبيع ولا الى أي مدى يمكن لبقية الدول غيرالمطبعة ان تستمرفي رفض التطبيع و التصدي له ولا الى أي مدى يمكنها ان تستمرفي مقاومة المساومات و الابتزازات و الاغراءات في عالم كل شيء فيح يتغير بسرعة قياسية تماما كما هو حال فيروس كورونا المستجد الذي بات يعرف بالفيروس المتحور او المتغير.
 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2021/01/03

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد