آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
ليلى نقولا
عن الكاتب :
أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

اغتيال سليماني ورفاقه في منظار القانون الدّوليّ

 

ليلى نقولا

سليماني كان بمهمة رسمية داخل الأراضي العراقية، ما يعطيه صفة "مسؤول إيراني" ذي صفة رسمية، وليس قائد عسكري ضمن معركة قائمة.

في 3 كانون الثاني/يناير 2020، شنّت طائرات مسيّرة تابعة للولايات المتحدة الأميركية هجوماً ضمن الأراضي العراقية، أدّى إلى مقتل قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني الفريق قاسم سليماني ومسؤول الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس ورفاقهما.

أثارت الحادثة العديد من ردود الفعل الدولية والإقليمية التي تخوّفت من تدحرج الأمور إلى حرب إقليمية، كما العديد من ردود الفعل الشاجبة والمنددة بالعملية، كان آخرها تقرير المقررة الأممية الخاصة المعنية بحالات الإعدام خارج القضاء، أنياس كالامار، التي رفعت تقريرها إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 3 تموز/يوليو 2020، والتي اعتبرت أن عملية الاغتيال غير قانونية وتنتهك الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

وعلى الرغم من كل الأصوات القانونية وغير القانونية داخل الولايات المتحدة الأميركية وخارجها، فما زال الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريق إدارته يتحدثون عن العملية كونها "إنجازاً"، معتبرين أن اغتيال سليماني "جعل الولايات المتحدة وحلفاءها أكثر أمناً في الشرق الأوسط"، بينما زعم ترامب أنَّ "سليماني كان يستحق هذه الضربة القاسية... لأنه قتل آلاف الأميركيين"، وأن الولايات المتحدة استخدمت مبدأ "الدفاع عن النفس"، لأن الأخيرأخير كان يخطط "لهجمات وشيكة وشريرة" ضد مواطنين وسفارات أميركية، في وقت خرجت تصريحات معاكسة، منها تصريح وزير الدفاع الأميركي السابق مارك إسبر المناقض لأقواله، والذي قال إنه "لم يرَ أدلة على أن إيران تخطط لشن هجوم على 4 سفارات أميركية"، كما زعم ترامب.

لا شكّ في أنّ ترامب حاول إضفاء شرعية قانونية على العملية عبر العديد من الذرائع التي نفنّدها كما يلي:

1- تذرّع بالضربة الاستباقية من ضمن مبدأ الدفاع عن النفس:
في المبدأ، يحظر ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوة أو التهديد باستخدام القوة بين أعضاء الأمم المتحدة، باستثناء حق الدفاع الأصيل عن النفس المنصوص عليه في المادة 51، وهو مستمد أساساً من العرف الذي سبق تشكّله إقرار ميثاق الأمم المتحدة في العام 1945.

وتعرف الحرب الاستباقية بأنها شنّ هجوم مباغت على العدو استناداً إلى وجود خطر حقيقي "جاهز وموجود" (imminent). لذا، إنّ عنصر المفاجأة والاستباق والقيام بالضربة الأولى يعدّ ضمن المعايير المقبولة لشنّ الحرب. وفي هذا الإطار، يتبيّن من تصريح أسبر أن ذريعة "الخطر الجاهز والحقيقي والمتربص" لم تكن تتوافر في قضية سليماني، وبالتالي لا شرعية ولا قانونية لتلك الضربة ضمن القانون الدولي الذي يحدّد أسس شنّ الحرب.
 
2- الاغتيال كعملية وقائية دفاعاً عن النفس
يستند هذا الأمر إلى مبدأ أقرّه جورج بوش الابن في استراتيجيّته في العام 2002، والتي تدعو الولايات المتحدة إلى الهجوم عندما "تظنّ" أن قدرات ما تتجمّع لدى العدو ويمكن أن تؤهله للهجوم، ولو كان التوقيت أو المكان أو التحرك المحتمل غير معلوم أو بعيداً في المستقبل، علماً أنّ "الحرب الوقائية" أو حقّ الدفاع "الوقائي" عن النفس عمل محظور في القانون الدولي العام، ويتناقض كلياً مع ميثاق الأمم المتحدة، وخصوصاً المادة 2 (4) التي تمنع استعمال القوة أو التهديد باستعمالها بين أعضاء الأمم المتحدة.

إذاً، من الناحية القانونيّة، تعدّ عملية الاغتيال التي قامت بها طائرات مسيّرة أميركية بذريعة "الدفاع المشروع عن النفس"، غير قانونية من ناحية القانون الدولي، فمبدأ الدفاع عن النفس المشروع الذي تستند إليه الدول لتبرير شنّ ضربات على أراضي دولة أخرى أو مسؤوليها لا يمكن الاعتداد به هنا، لأن لهذا المبدأ شروطه ومعاييره القانونية التي لا تتفق وحالة اغتيال سليماني والمهندس ورفاقهما.

3- الاغتيال من ضمن مبدأ الضرورة العسكرية
هو مبدأ أقرّه القانون الدولي للنزاعات المسلحة، والذي يعطي الحق للدولة بشنّ هجوم قد لا يتناسب والمعايير الدولية لحماية المدنيين، ولكن هناك بعض الشروط التي يجب توفرها للاعتداد بالضرورة العسكرية، وهي أن يتم اللجوء إليها لتحقيق أهداف عسكرية مشروعة لا يمكن إنجازها إلا بإجراء عسكري غير معتاد، وأن ينجم عن تلك العمليات العسكرية أقل قدر ممكن من الخسائر التي تطال المدنيين أو الأعيان المدنية.

لكن لا يعتد بمبدأ الضرورة العسكرية إلا في حالة الحرب أو النزاع المسلح، وبالتالي لم يكن كل من الولايات المتحدة وإيران في حالة حرب (معلنة أو غير معلنة) للاعتداد بمبدأ الضرورة العسكرية لعملية الاغتيال، بل إن تصريحات ترامب في مرحلة ما بعد الاغتيال أشارت إلى أن العملية ليس هدفها التصعيد للوصول إلى الحرب، بل منع الحرب!

4- سليماني ورفاقه كهدف "عسكري" مشروع
لا يحظر القانون الدولي للنزاعات المسلحة قتل المتحاربين، لكنه يحظر قتل المدنيين والأشخاص العاجزين عن القتال، وكذلك الهجمات العشوائية، وتلك التي تؤدي إلى خسائر فادحة في صفوف المدنيين.

كما يشير القانون الدولي للنزاعات المسلّحة إلى مبدأ أساسي وجذري يحدّد الأفراد والأعيان التي يعدّ استهدافها من ضمن الأهداف المشروعة للعمل العسكري، وهو مبدأ المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية.

على الرغم من أن لسليماني ورفاقه صفة عسكريّة، لكنَّ الاعتداد بمبدأ "الهدف العسكري المشروع" لا ينطبق إلا في حالة الحرب أو النزاع المسلح، وبالتالي لو كان هؤلاء متواجدين في معركة، لكانوا، بموجب القانون الدولي، أهدافاً عسكرية مشروعة كمقاتلين، لكن العملية لم تأتِ في سياق نزاع مسلح قائم، بل إن سليماني كان بمهمة رسمية داخل الأراضي العراقية، ما يعطيه صفة "مسؤول إيراني" ذي صفة رسمية، وليس كقائد عسكري ضمن معركة قائمة، وبالتالي إنَّ استهدافه يعتبر غير قانوني بموجب القانون الدولي الإنساني.

5- الاغتيال من ضمن "الحرب على الإرهاب"
بعيداً من الإطار السياسي الفضفاض الذي تستخدمه الدول لوسم كلّ معارضيها بالإرهاب، فمن الناحية القانونية، لا يمكن لترامب أن يغطّي العمل بمبدأ محاربة الإرهاب، فهذا المبدأ - بحسب التوصيف الأميركي - ينطبق على الأشخاص أو الكيانات غير الحكومية (غير الدولتية) التي تقوم باستخدام العنف أو التهديد به لخدمة أهداف سياسية، أو دينية، أو إيديولوجية، أو اجتماعية... هذا التوصيف لا ينطبق على سليماني الذي، كما أسلفنا، كان بمهمة رسمية، وهو - حتى بصفته العسكرية - يعتبر مسؤولاً إيرانياً، وبالتالي لا ينطبق عليه التوصيف الأميركي لمحاربة الإرهاب.

ثم إنَّ قانونية أيّ ضربة عسكرية من ضمن محاربة الإرهاب، يجب أن تتحلّى بضوابط دولية قانونية، أهمها أن يكون الهدف الإرهابي مدرجاً على لوائح الإرهاب العالمية (الأمم المتحدة)، وأن يكون قد صدر قرار من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع يجيز استخدام القوة ضد الهدف الإرهابيّ.

إذاً، إنَّ الاستناد إلى القانون الدولي بكلّ فروعه، وخصوصاً قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي للنزاعات المسلّحة، كما الاستناد إلى العرف الدولي، إضافةً إلى مراجعة ممارسات الدول في أطر النزاعات الدولية وغير الدولية، تؤكّد أنّ عملية اغتيال سليماني ورفاقه غير قانونية وغير شرعية بموجب القانون الدولي، وهذا يطرح على بساط البحث سؤالاً جوهرياً يرتبط بمبدأ المساءلة، وكيف تشكّل قوة الدول حصانة لمرتكبي الجرائم الدولية، على الرغم من التطوّر في القضاء الجنائي الدولي، والذي كرّس مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية في المحاكم الدولية.

الميادين نت

أضيف بتاريخ :2021/01/04