البحرين المنسية.. كيف للحكومات أن تخاصم شعوبها؟
ملاك شمص
من كبائر القهر السياسي أن يشعر المواطن بأنّه عدوّ من قبل وطنه.
يتبادر إلى الأذهان عند ذكر "الثورة"، مفجّر الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني (قدس)، الذي أطلق قولًا مفاده أن "الثورة عبارة عن انتقال الرعب من قلوب المظلومين إلى قلوب الظالمين".
من هنا، يجدر بنا ذكر شعوب "الربيع العربي" التي بدّلت لهجتها الخجولة إلى لهجة خشنة تصدح من خلالها الحناجر وسط ثورات تعارض أنظمة حكمها المستبدة. وقد انتقلت معظم هذه الشعوب من الطابع السلمي في الثورة ليغلب عليها طابع الشغب والعنف.
برز شعب البحرين بينها كشعبٍ ثائرٍ، محافظ على سلميّته حتى الرمق الأخير، على الرغم من كلّ محاولات النظام العدائيّة لطمس هُوية هذه الثورة وشفافيّتها.
شكّل البحرينيون من خلال ثورتهم مساراً جديداً لهم، وقدموا نظرة مختلفة عنهم داخل وطنهم وخارجه، على الرغم من التكتم الإعلامي على الأحداث.
تفاقم الأمر لتُغلق جريدة "الوسط" المستقلة في العام 2017، بسبب انتقادها مواقف السلطات البحرينية أثناء تغطية الاحتجاجات وأعمال القمع الحاصلة بحق الأبرياء. كما تعرّض بعض الموظفين فيها للاعتقال، وخضعوا لأحكام قضائية مجحفة، وهو دليلٌ واضحٌ على خوف السلطات أمام أصوات الحقّ.
بلغت الثورة البحرينية عمرها التاسع، واستمرَّت بأشكال مختلفة وبثباتٍ صارمٍ، للمطالبة بكل الحقوق المشروعة والديموقراطية المنشودة. وقد أكّد نائب جمعية "الوفاق"، الشيخ حسين الديهي، في ذكرى انطلاق الثورة خلال شهر شباط/فبراير المنصرم، ضرورة استمرار التظاهرات بشكلٍ سلميّ، مشيراً إلى تميّز البحرينيين، وإلى الفخر الذي غدا وساماً على صدورهم أمام كل ثوار العالم.
ثار البحرينيون على سياسة الحكم، بعدما وجدوا أن السكين سيصل إلى عرق حياتهم. تذمّروا بسبب تهميشهم من الناحية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وكانوا على حق، إذ غلب عليهم الفقر وسوء الخدمات، وازدادت نسبة البطالة بينهم بشكلٍ ملحوظ.
وفي حين يُعتبر المعارضون فئة كبيرة نسبياً، فإنهم يتعرضون بنسبة مضاعفة لغطرسة النظام وأجهزته الأمنية، والتي تمثّلت بأشكال عدّة، منها المراقبة والاعتقالات التعسّفية، التعذيب، الملاحقات القضائية للناشطين، تقييد حرية التعبير عن الرأي، المداهمات غير القانونية للمنازل، إسقاط الجنسية عن البعض، وغيرها من الإجراءات الظالمة.
وتعتقد السلطة أنّ استهداف الرموز والقيادات، من مثل آية الله الشيخ عيسى قاسم والشيخ علي سلمان، يمكن أن يحدّ من فعالية الثورة ونشاطها، لكن ما يحصل هو العكس.
لم يرفع هذا الشعب الراية البيضاء، بل صمد وواجه وقدَّم الآلاف من الشهداء والأسرى في سبيل مطالبه. لم يخسر على الرغم من عدم فوزه، لكنّه في الحدّ الأدنى رفع صوته، وردّ اعتباره أمام كل الشعوب، وأصبح محطّ حديثٍ لباقي الدول، ونال استعطاف العديد من المنظمات الأجنبية، والتفّت حوله بعض الشعوب العربية.
لا يناسب نظام آل خليفة أن تعود روح الميثاق الوطني وتتفعّل مواده، فيصلح بعد ذلك الوضع السياسي، ويمضي بقوة نحو إصلاح وبناء دولة ديموقراطية. إن سقطت بعض سياسات الدولة، فمن الممكن أن تصبح هناك تحالفات ومباحثات مع دول خارج المجلس الخليجي. هذا الأمر يعتبر خطّاً أحمر، ومن المستحيل أن تساعد عليه المنظومة العسكرية الخليجية وتدعمه.
نظراً إلى سياسة ملك البحرين الممهّدة للتطبيع، استغلّ الكيان الإسرائيلي وضع البحرين الاجتماعي والسياسي ليقوم بتطبيع علنيّ معها، فتكون المملكة ذات الموقع الحيوي واجهة التطبيع الذي أُمرت به من قبل السعودية والإمارات.
صدقت الإعلامية البحرينية ريم خليفة حين علّقت أنّ "من المؤسف أن نتصالح مع العدوّ ونتخاصم مع شعوبنا". إنّ من كبائر القهر السياسي أن يشعر المواطن بأنّه عدوّ من قبل وطنه.
هذا الشّعب المظلوم - الذي لم يرفع يوماً سقف مطالبه كباقي الشعوب - يستحقّ أن يُنهي عقوداً سادها الحرمان والتهميش، وأن يتنعّم في ربوع وطنه بحياةٍ كريمةٍ عادلةٍ بعد أن تعب وناضل بقبضات حديدية وبزخمٍ مشرف.
الميادين نت
أضيف بتاريخ :2020/04/02