د. سعيد الشهابي
-
تحالفات القرن الأفريقي والصراع على باب المندب
برغم الجهود الدولية لتجاوز الطرق البحرية التقليدية للحركة التجارية، ما تزال الممرات المائية الضيقة التي تفصل بين البحار قضية للتنافس بين الدول. وعلى مر العصور سعت الدول لاختصار المسافات التي تقطعها البواخر لنقل البضائع بين مناطق العالم المختلفة. فقد حفرت قناة السويس قبل 150 عاما تقريبا لاختصار المسافة الشاسعة بين الشرق والغرب، وتجاوز الرحلة الطويلة التي كانت تمر عبر «رأس الرجاء الصالح» في جنوب أفريقيا. ثم حفرت قناة بنما لوصل البحار الواقعة شرق أمريكا بتلك التي تقع غربها. وطوال الحرب الباردة كان الحديث عن السيطرة على «مياه الخليج الدافئة» واحدا من محاور الصراع بين المعسكرين، الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي والغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. ويمثل مضيق هرمز نقطة تماس خطيرة ازدادت حساسيتها بعد الثورة الإسلامية في إيران وتصاعد الخشية من قدرتها على غلق ذلك المنفذ الحيوي. ويمثل مضيق باب المندب نقطة تماس أخرى ازدادت أهميتها بعد حفر قناة السويس. وقد حاولت الدول المعنية، خصوصا التي تصدر النفط تجاوز تلك المضيقات ببناء أنابيب النفط والغاز. فالسعودية قامت ببناء خط «التابلاين» لنقل النفط من المنطقة الشرقية إلى البحر المتوسط. وهناك أنبوب نفطي من أذربيجان إلى البحر المتوسط عبر تركيا لنقل النفط من أذربيجان ولاحقا كازاخستان. كما تسعى إيران لتشجيع باكستان على بناء أنبوب للغاز يصل بين البلدين. وفي السنوات الأخيرة بدأ الحديث ضمن مشاعر نوستالجية لإعادة إحياء «طريق الحرير» الذي كان يصل بين الصين وأوروبا عبر الهند وباكستان وإيران ودول أخرى على الطريق.
المزيد -
العفو الدولية تدين الإمارات بانتهاك حقوق الإنسان
إذا كان «القمع الخشن» من قبل أنظمة الاستبداد ممارسة عادية في أوقات التوتر والصراع السياسي الشديد أو الحراك الشعبي الواعد بالتغيير، فان «القمع الناعم» من قبل هذه الأنظمة لا يتوقف على مدار الساعة. فالتعذيب الممنهج يمارس على نطاق واسع بشكل علني عندما يتعرض النظام السياسي الحاكم في الدول الديكتاتورية للاحتجاج أو الرفض الشعبي، وتتلاشى المشاعر الإنسانية لدى هؤلاء الحكام ويتحول الواحد منهم إلى شيطان قاس ليس في قلبه مكان للرأفة او الرحمة. وهذا ما شهدناه في بلدان عربية عديدة، ابتداء بمصر مرورا بالبحرين ووصولا إلى السعودية والإمارات. حدث القمع الخشن علنا على نطاق واسع في مصر والبحرين على وجه الخصوص في الأعوام التي أعقبت ثورات الربيع العربي في العام 2011، وأدى لاعتقال عشرات الآلاف من النشطاء، والتنكيل بهم بلا رحمة. ثم تراجعت خشونته وعلنيته ليصبح ممارسة روتينية تحت تدريب خبراء أجانب ما يزالون يعملون على نطاق واسع. وفي الأسبوع المقبل سيكون هناك نقاش علني في البرلمان البريطاني حول «الدعم» الذي تقدمه بريطانيا لحكومة البحرين في مجال الأمن، بعد أن استطاع نشطاء حقوق الإنسان الحصول على وثائق تؤكد تخصيص موازنات مليونية لذلك «التدريب».
المزيد -
مستلزمات العمل العربي المشترك
برغم ما يقال عن ضعف العمل العربي المشترك عندما كان أحد التمظهرات المهمة لمقولة الوحدة العربية، فأن ما كان متوفرا منه، كان مانعا من أمور عديدة: تفرد كل دولة بقرارها وموقفها، استضعاف الأمة من قبل الاحتلال الذي كان يسمى يوما «العدو المشترك»، انفتاح الأبواب على مصاريعها أمام الهيمنة المطلقة سواء من الشرق أو الغرب، والحؤول دون قيام مجموعات التطرف والإرهاب التي تجاوزت الحدود الجغرافية المصطنعة وتحركت ككيان واحد برغم اختلافاتها.
المزيد -
البحرين وأزمة الاقتصاد والسياسة
البحرين كانت وما تزال الأكثر عرضة من بين دول مجلس التعاون الخليجي للاضطراب السياسي والاقتصادي. فلم يمر عقد زمني طوال القرن الماضي بدون حدوث اضطرابات أمنية أو انتفاضات سياسية تطالب بإصلاح الأوضاع السياسية المضطربة. ويكفي الإشارة إلى أن سجون البحرين في الوقت الحالي تضم أعلى نسبة من السجناء السياسيين في العالم مقارنة بعدد السكان، إذ يتجاوز عددهم 4000 من بينهم نساء وأطفال. برغم ذلك تتظاهر حكومتها بعدم وجود شيء من ذلك، وتلقي اللوم على الخارج دائما. غير أن أوضاع هذا البلد الخليجي الصغير تفاقمت في الشهور الأخيرة، هذه المرة، بسبب أزمة اقتصادية حادة فاجأت الكثيرين. فهناك خمسة شهور تفصل ما بين تقدم حكومة البحرين بطلب المعونة الاقتصادية من السعودية والإمارات والكويت وإعلانها اكتشاف «أكبر» حقل نفطي في تاريخها. وهناك أربعة شهور أخرى تفصل بين ذلك الإعلان وتقديمها طلبا آخر لدعم اقتصادها بعد هبوط عملتها بشكل حاد. فما مغزى ذلك؟ كيف يمكن ربط اكتشاف اكبر حقل من النفط والغاز والحالات المتكررة من العجز المالي وهبوط الاحتياطي النقدي ومعه هبوط العملة؟ ويزداد الأمر غرابة بلحاظ ضآلة عدد السكان والمستوى المتدني لغالبية المواطنين.
المزيد -
ترامب يقطع خيوط أمريكا مع العالم
في عالم تمثل الولايات المتحدة فيه القطب الأكبر سياسيا واقتصاديا وعسكريا، يصعب التنبؤ بمستقبل يعم فيه الأمن والاستقرار والكرامة الإنسانية. فقرارها الأخير الانسحاب من عضوية مجلس حقوق الإنسان يؤكد حقيقة مرة: أن أمريكا تمارس سياسة بلا أخلاق. وهناك عدد من الحقائق التي يجدر ذكرها لتوضيح ذلك:
المزيد -
معركة الحديدة مقدمة لاستهداف دولة قطر
رغم الضغوط الدولية على التحالف الذي تقوده السعودية لمنع قواته من استهداف مدينة الحديدة اليمنية فما تزال الرياض وأبوظبي تصران على احتلال المدينة. وقد فر الآلاف من سكانها هربا من أتون الحرب التي أثبتت السنوات الثلاث الماضية أن القائمين بها استهدفوا المدنيين على نطاق واسع. وفي الأسبوع الماضي قصف طيران التحالف، الذي تقوده السعودية ويضم كلا من الإمارات والبحرين وبلدانا أخرى، مستشفى في مدينة عبس تديره منظمة «أطباء بلا حدود» الأمر الذي دفع المنظمة لسحب موظفيها حفاظا على سلامتهم.
المزيد -
مجلس التعاون الخليجي يتصدع من داخله
ربما كان بالإمكان إعادة اللحمة بين دول مجلس التعاون الخليجي التي بدأت في التداعي قبل عام واحد عندما قررت السعودية والإمارات فرض حصار جائر على الشعب القطري، لو لم تعلن الرياض وأبوظبي مؤخرا عن إنشاء «المجلس التنسيقي السعودي الإماراتي». هذا الإعلان لم يجعل رأب الصدع مع قطر شبه مستحيل في الأوضاع الحالية فحسب بل اعتبر ضربة قاضية لمجلس التعاون الخليجي الذي تأسس في 1981.
المزيد -
دبلوماسية المال مزقت الأمة العربية
دبلوماسية المال أصبحت نمطا ليس مقبولا فحسب، بل مطلوبا في العلاقات الدولية، وبذلك حلت محل الاعتبارات الأيديولوجية الأخرى في التعامل بين الدول. وحتى الأمس القريب كان للايديولوجيا السياسية دورها في توجيه علاقات الدول وإقامة التحالفات، ولكن مرحلة ما بعد «الربيع العربي» وما تبعها من ظواهر خصوصا الإرهاب والطائفية والإسلاموفوبيا شهدت تطورا بنيويا على هذا الصعيد. فمثلا كانت مصر محور العمل العربي المشترك عقودا عديدة، ولم تكن تملك المال الذي تشتري به مواقف الدول، لكنها طرحت مشروع القومية العربية الذي جذب الدول العربية الأخرى لمواقفها، وأصبحت الهوية العربية عنوانا للعمل العربي المشترك الذي تصدرته الجامعة العربية.
المزيد -
أمريكا: التفوق العسكري الإسرائيلي ونزع سلاح معارضيها
ظاهرة «الأمركة» أو «التأمرك في العالم العربي توسعت كثيرا في الحقبة الأخيرة، وفي ذلك مؤشر لمدى تراجع الوعي السياسي والاجتماعي من جهة، ومدى فاعلية أصحاب الإيديولوجيات السياسية والفكرية في توجيه الرأي العام من جهة أخرى. هذا التوسع لازمه تلاشي المناعة ضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين مصحوبا بالهرولة للتطبيع معه من قبل بعض الأنظمة العربية. فعلى مدى العقود السبعة الماضية، وهو عمر ذلك الاحتلال الغاشم، كانت فلسطين وقضيتها مصدر وعي الجماهير العربية والإسلامية، وتصدرت حركات التحرر الوطني التي انتشرت في بلدان العالم الثالث التي كان الكثير منها تحت الاستعمار. فما من حركة تحررية إلا وكانت داعمة للنضال الفلسطيني، وربما تواصلت مع منظمة التحرير بشكل أو آخر. بل أن مناضلين دوليين ارتبطت اسماؤهم بالقضية مثل كارلوس الذي يرزح في أحد السجون الفرنسية منذ أن سلمه السودان لفرنسا في 1994.
المزيد -
دروس في الوعي والإرادة من فلسطين
ما حدث في الأسبوعين الماضيين على الساحة الفلسطينية يدفع باتجاهين مختلفين تماما: فهو يؤكد أن 70 عاما من الاحتلال الإسرائيلي وما حظي به من دعم غربي متواصل وغير مسبوق لم يحسم الموقف لصالح المحتلين وداعميهم، وأن الشعب الفلسطيني ما يزال متمسكا بأرضه ومستعدا لتقديم التضحيات من أجلها. ومن جهة أخرى فأن ردود الفعل العربية تصيب المرء بالكآبة لغياب المواقف المسؤولة ليس من جانب الأنظمة فحسب، بل حتى من الشعوب نفسها. فأين هي المشكلة حقا؟ وما طبيعة خريطة التوازنات الايديولوجية والسياسية التي أدت لهذا التغير في المزاج العام بعيدا عن الاهتمام بقضايا الأمة خصوصا قضية فلسطين؟
المزيد -
تداعيات انسحاب ترامب من الاتفاق النووي
برغم أهمية تطورات المنطقة في السنوات الأخيرة إلا أن ما جرى خلال الأيام السبعة الأخيرة يتميز بأهمية قصوى لا نه أظهر بوضوح خريطة تحالفات مرعبة حرصت أطرافها على إبقائها بعيدة عن الرأي العام العربي والإسلامي. ولكي تتضح صورة ما جرى بجلاء فأن من الضرورة بمكان وضع تلك التطورات ضمن المشهد السياسي الذي يرسم، هذه المرة، بعيدا عن اية مشاركة جماهيرية، وفي ظل تعتيم غير مسبوق، وحروب سرية وعلنية ذات دوافع تختلف جوهريا عن الوقائع.
المزيد -
غياب الأمن يؤكد هشاشة القانون الوضعي
من شعارات الدولة الحديثة التي تعتبر نفسها قد تطورت عبر العقود إقامة «حكم القانون»، أي إخضاع الدولة والشعب لمرجعية توافقية يلجأ اليها في حالات الاختلاف. ويفترض أن يكون التعامل الإنساني اليومي على الصعدان الفردية والمجتمعية والأممية ملتزمة بهذا «القانون». فكلما خضعت كل جهة بما هو متفق عليه تقلصت الحاجة للرجوع إلى القانون. أنه شعار براق يستهوي الغالبية من البشرالذين يختلفون بطبيعتهم ويرغبون في فض الخلاف والاختلاف بما يضمن حقوق الأفراد ويحفظ السلم الاجتماعي والأممي. وكثيرا ما تحدث المفكرون والعلماء عن نوعين من القانون: إلهي ووضعي (من صنع البشر). والاختلاف حول المرجعية القانونية يمثل جانبا من الصراع بين «الدينيين» و «العلمانيين». وهذا الصراع لم يتوقف يوما، وكثيرا ما كان الرجحان فيه لدعاة القانون الوضعي، نظرا للدعاية المتواصلة ضد الحكم الذي يتبناه دعاة المشروع الديني. مع ذلك فسيظل هذا الصراع محتدما، خصوصا مع تراجع فاعلية المفهوم نفسه نظرا لإخضاعه للعنصر البشري الذي يفتقد النزاهة والتجرد والقبول بما هو حق وفق الاطروحات الدينية. وبرغم إخفاقات التجارب الإسلامية العديدة التي وصلت إلى الحكم، فمن السابق لأوانه الاعتقاد بإمكان إقامة نظام سياسي عادل بشكل مطلق باعتماده على القانون الوضعي، واعتبار الإنسان دائما هو مصدر التشريع. كما أن من الاجحاف الترويج لمقولة أن القانون الإلهي (أي الذي روجه الأنبياء والكتب السماوية) لا يناسب الدولة الحديثة أو أنه قد يصلح للزمن الغابر فحسب.
المزيد