آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
مولاي التهامي بهطاط
عن الكاتب :
كاتب مغربي

هل اتضح بطلان الوهابية؟


مولاي التهامي بهطاط

التطورات المتسارعة التي عرفتها السعودية خلال الشهور القليلة الماضية، جعلت أكثر المحللين السياسيين خبرة واطلاعا، في وضع العاجز عن الفهم فأحرى التحليل.

فالمملكة التي كانت تعيش رتابة وركودا دائمين، تحولت فجأة إلى ماكينة لتفريخ قرارات بالجملة، وكل قرار هو بمثابة زلزال هز أركان الدولة التي كانت جامدة ومتجمدة بكل المقاييس.

لا يهمني هنا الجانب المتعلق بترتيب البيت الداخلي للأسرة الحاكمة، لأن هذا الموضوع تم قتله بحثا وتعليقا وتضاربت الآراء بشأنه تبعا لموقع كل محلل ولزاوية رؤيته.

كما لا يهمني هنا أيضا، التوقف عند ما يشبه “القفز نحو المجهول”، بما أن كثيرا من القرارات “الاستراتيجية” والمفاجئة، صارت أمرا واقعا في غياب وجود أرضية مناسبة لتنزيلها، مما خلق كثيرا من الفوضى، التي يجسدها أفضل تجسيد من يسمون أنفسهم “ليبراليين”، حيث إنهم شرعوا في إطلاق النار عشوائيا، إلى درجة أن الأمور وصلت حد المطالبة مؤخرا بتقليص عدد المساجد في المملكة، ومنع الأذان… إلخ..

يمكن تفسير هذا الأمر ببساطة، بغياب التجربة، وبانعدام الرؤية الواضحة لدى من يعتبرون أنفسهم “متنورين”، ومنفتحين على الغرب، لأنهم بدل التركيز على الدعوة لتبني الديموقراطية كأداة سياسية موازية وملازمة لليبرالية، انشغلوا فقط بالفقاعات الفارغة، في محاولة للثأر من التيار الديني الذي ظل طيلة عقود جاثما على صدر الدولة ومؤسساتها، بشكل جعلها تتنفس بالحد الأدنى من طاقة رئتيها.

إننا إذن أمام مرحلة تاريخية سيكون لها تأثير مباشر ليس فقط على المملكة، بل على العالمين العربي والإسلامي، خاصة وأنها نجحت (أي السعودية) خلال العقود الأربعة الأخيرة، في توسيع دائرة نفوذها الروحي، ونشر نموذجها “الديني”، اعتمادا على الإمكانيات المالية الضخمة التي وفرها البترول، والتي ساهمت في نشر المذهب الوهابي الذي حمل في بذوره، أنماطا من التدين انتهت إلى تفريخ جماعات إرهابية.. لا يحتاج القارئ لتذكيره بمساراتها ومآلاتها.

غير أن أهم شيء يفرض نفسه، ونحن أمام هذه الهزات الارتدادية المتتالية التي تعرفها المملكة المحافظة، هو سؤال :ماذا عن الوهابية، التي ظلت على مدى قرون مذهب الدولة الرسمي، وتعززت سطوتها منذ قيام نظام الخميني في إيران؟

لا أريد هنا أن أدخل في نقاشات ذات طبيعة عقدية أو إيديولوجية أو مذهبية، لسبب بسيط جدا، وهو أن ما تشهده السعودية اليوم من تململ اجتماعي وشعبي، يشبه إلى حد كبير فرحة المحبوس بمغادرة محبسه.

لقد نجحت الوهابية خلال العقود الأربعة الأخيرة، في تحويل الدين إلى سجن.. يفرح الناس اليوم بانعتاقهم منه، ويعبرون عن ذلك بشتى الطرق.. وهذه هي النتيجة المنطقية للتفسير الضيق للنصوص الدينية، ومحاولة تحنيط الأحياء، وممارسة الوصاية الموسعة عليهم وعلى ما في صدورهم، بل وحتى على ما يتعلق بالخصوصيات الشخصية من قبيل طريقة اللباس الذي تم تحديد مقاساته وألوانه وكأننا في كوريا الشمالية..

غير أن المسألة التي تستحق الكثير من التأمل، تتعلق بموقف المؤسسة الدينية الوهابية من الإجراءات “الثورية” التي تم إعلانها مؤخرا.

لم يكتف السادة العلماء بالصمت، الذي قد يفسر بأنه من باب “رفض المنكر بالقلب” بل تسابقوا لمباركة هذه الخطوات التي تناقض تماما ما كانوا يعتبرونه “الحق” المطلق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

إن السؤال الذي يفرض نفسه هنا يتعلق بما يمكن أن يفهم من هذه المواقف المتقلبة، التي جعلت بعض هؤلاء العلماء ينقلبون على فتاوى سابقة أصدروها، ثم تخلوا عنها، فقط لموافقة رأي “ولي الأمر”؟

فإذا كانت المواقف القديمة صحيحة ومؤسسة على نصوص شرعية صريحة، فهل يعني هذا أن المواقف الجديدة باطلة، وأنها اتخذت فقط من باب المداهنة والمجاملة؟

وإذا كانت المواقف الجديدة هي الصحيحة، فهل كان السادة العلماء في حاجة إلى هذه الرجة البسيطة للعودة إلى الحق؟ ومن يتحمل تعويض ضحايا فتاواهم على مدى عقود؟

إن أهم حسنة للحراك الذي تعرفه السعودية اليوم، هو أنه كشف أن كثيرا من العلماء لا يشتغلون بمنطق قال الله، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم، بل بمنطق ما يطرب الحاكم ويرضيه..

وهذه مسألة يطول فيها الكلام بما يضيق عنه أفق هذا المقام..

لكن لا ينبغي إغفال أن انتشار المذهب الوهابي بتفرعاته المختلفة في المشرق والمغرب، ستكون له انعكاسات خطيرة، رأينا بعض تجلياتها في أكثر من مكان، حيث إن أتباع هذا “النمط”، تخصصوا في التطبيل والتزمير للحكام، وفي تسويق قراراتهم حتى لو كانت مخالفة لصريح النصوص، بل حتى لو كانت فيها إراقة لدماء الأبرياء، كما يفعل مفتو الفتنة في أكثر من مكان من خريطة العالم العربي اليوم.

لقد أراد الله أن يكشف كثيرا مما كان يخفيه هؤلاء، خلف اللحى الكثيفة والجلابيب القصيرة، خاصة منهم أولئك الذين كانوا يملأون الفضائيات ووسائل التواصل الحديثة بدروس “مؤثرة”، عن مواقف “السلف الصالح” وجهره بالحق ولو كان فيه حتفه، ومواجهته للظالمين علنا، وعن زهده في الدنيا وتشوفه للآخرة..

إن الواقع يكشف أن هؤلاء كانوا فقط يبيعون نوعا من أخطر “أنواع” المخدرات للناس، لإقناعهم بأن يزهدوا في الدنيا ويتنازلوا عن حقوقهم فيها، ويطيعوا ولي الأمر ولو جلد ظهورهم، وأخذ أموالهم، وسبى نساءهم.. وينتظروا التعويض عن هذا الصبر في الدار الآخرة.. بينما كانوا هم يتمتعون في نعيم الدنيا، ويسكنون القصور، ويحيط بهم الخدم والحشم، ويركبون أفخر السيارات، ويعاملون معاملة الملوك في الحل والترحال..

وأكثر من ذلك، عندما كانوا يحرضون أبناء الناس على الذهاب للقتال (الجهاد) في معارك لا تعنيهم، كان أبناؤهم منشغلين بإدارة شركات الإنتاج الإعلامي التي تتاجر في تسجيلات ومحاضرات وكتب الشيوخ، التي يبدو أنها أصبحت شاهدا على أصحابها، بدل أن تكون شاهدا لهم.

يكفي أن نقارن كيف كانوا يفهمون ويفسرون آيات السيف في سورة “التوبة”، وكيف صاروا اليوم يمدحون حكام الدول “الكافرة” ويزكونهم، وقد يدعون لهم في قنوت رمضان القادم..

فهل نقول إن الوهابية قد وصلت إلى نهايتها المحتومة، حتى لو عادت الأمور إلى سالف عهدها، بعد انحسار “الربيع السعودي”، وتحقيق أهدافه “الداخلية”؟

ومن سيصدق هؤلاء لاحقا إذا عادوا لترديد نفس ما ظلوا يرددونه لعقود، تمسحا بسلفهم الصالح، ثم انقلبوا عليه عند أول إشارة من ولي العهد؟

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/03/21

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد