آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

أنباء عن مقايضة تاريخية بين بوتين وأردوغان: الأكراد مقابل سورية

 

عبد الباري عطوان ..

تشهد العلاقات التركية الروسية تطورات متسارعة نحو التطبيع الكامل سياسيا وعسكريا واقتصاديا، ترجمة للتفاهمات التي توصل إليها الرئيس رجب طيب أردوغان في اجتماعه المغلق الذي استمر أكثر من ساعتين مع نظيره و”صديقه” الروسي فلاديمير بوتين، ومن المتوقع أن تنعكس هذه التفاهمات، بصورة أو بأخرى انفراجا، في الأزمة السورية، وتحالفات في مناطق أخرى خاصة في منطقة القوقاز.

 

المقايضة الكبرى التي تمت بين الجانبين خلال الاجتماع المغلق، حسب ما أشارت تقارير دبلوماسية روسية وتركية جرى تسريبها للصحف يمكن شرحها كالتالي:

 

موسكو تريد من أردوغان إغلاق الحدود التركية السورية في وجه أي أمدادات بشرية أو تسليحية أو مالية للجماعات السورية المسلحة المتهمة بالإرهاب، وعدم الإقدام على أي عمل من شأنه محاولة تغيير النظام السوري، وإبعاد الثوار الشيشانيين والقوقازيين المتواجدين على الأراضي التركية.

 

أنقرة تريد من موسكو في المقابل الحصول على تعهد روسي واضح بعدم تقديم أي دعم للأكراد لإقامة مناطق حكم ذاتي، أو كيان مستقل على طول الحدود الشمالية السورية والعراقية، أو انفصال الإقليم الكردي جنوب شرق تركيا، ورفع جميع القيود والعقوبات الاقتصادية، والتسريع في بناء خط أنابيب غاز “السيل التركي”.

***

من الصعب أن نرى، أو نتوقع تطبيقا فوريا لهذه المقايضة وبنودها من قبل الطرفين، ولكن يمكن القول بأن العجلة بدأت تدور في هذا الاتجاه وبسرعة لافتة، وهناك أربعة مؤشرات على درجة كبيرة من الأهمية يمكن رصدها في هذا الصدد:

 

الأول: أكد السيد علي بن يلدريم رئيس الوزراء التركي أمس أن سورية، ودول أخرى في المنطقة ستشهد تطورات “جميلة” في كلمة ألقاها أثناء اجتماعه بأعضاء مجلس مصدري تركيا في مكتبه.

 

الثاني: توجيه مولود تشاويش اوغلو، وزير الخارجية التركي، دعوة ملحة إلى روسيا للبدء في عمليات مشتركة ضد “الدولة الإسلامية” العدو المشترك للجانبين والحيلولة دون تمددها في سورية.

 

الثالث: تأكيد الرئيس التركي أردوغان في مقابلة مطولة مع وكالة “تاس″ الرسمية، انه لا يريد لسورية أن تتفكك، ولكنه قال انه من الصعب أن تظل موحدة تحت حكم الرئيس بشار الأسد.

 

الرابع: توجه وفد من ثلاثة مسؤولين أتراك يمثلون الجيش والاستخبارات والخارجية إلى موسكو اليوم الخميس للالتقاء بنظرائهم الروس لإجراء مباحثات حول الوضع في سورية.

 

الرئيس أردوغان أقدم على هذا التوجه الكبير نحو موسكو لأنه يريد الرد “عمليا” على الانتقادات والإهانات الأوروبية والأمريكية له، ابتداء بإتهامه بالقمع، وانتهاك حقوق الإنسان، والتهديد بإغلاق أبواب الاتحاد الأوروبي في وجه تركيا، وإلغاء الاتفاق الموقع بشأن اللاجئين، الرئيس أردوغان يشعر بمرارة من جراء الموقف الغربي الذي أغلق معظم الأبواب في وجهه، فالقادة الغربيون يرفضون استقباله، ولم يجر أي منهم أي اتصال هاتفي معه منذ الانقلاب، أو حتى استقبال مكالماته، وهذا ما يفسر إشارته إلى الرئيس بوتين بالصديق كل أربع دقائق في مقابلته مع وكالة “تاس″ المذكورة آنفا.

 

وعلى ذكر هذه المقابلة مع الوكالة الروسية كان مفاجئا، توجيهه إنذارا للاتحاد الأوروبي بضرورة تنفيذ اتفاق اللاجئين، أو إمهالهم،  حتى منتصف أكتوبر، وإلا سيعتبره لاغيا، واعترافه فيها ولأول مرة أن الطائرة الروسية جرى إسقاطها داخل الأراضي السورية وليس التركية، وأن الطيار الذي أسقطها رهن الاعتقال، وتجرى مقاضاته، والشيء نفسه يحصل للمقاتل التركستاني المعارض الذي قتل الطيار بعد تحطم طائرته إثر صاروخ أطلق عليها.

 

المطالبة التركية بتنفيذ عمليات عسكرية مشتركة مع روسيا ضد “الدولة الإسلامية” ومواقعها في سورية، يعني أن الرئيس أردوغان حسم أمره كليا في الملف السوري، وبدأ يتبنى تدريجيا وجه النظر الروسية التي تعطي الأولوية لمكافحة الإرهاب، والقضاء عليه قضاء مبرما، وهذه مغامرة ربما تستدعي رد فعل إرهابي انتقامي داخل تركيا، مماثل للتفجيرات التي استهدفت أهدافا حيوية في أنقرة واسطنبول، ولا نعتقد أن مثل هذا الاحتمال يغيب عن ذهن المسؤولين الأتراك، ولا يدفعهم بالتالي لأخذه في الحسبان.

***

اللافت أن رد الفعل الرسمي السوري تجاه لقاء المصالحة التركي الروسي يتسم حتى الآن بالغموض، والتجاهل أيضا، فهل تتوجس القيادة السورية من هذا اللقاء ونتائجه، أم أنها تنتظر زيارة مبعوث روسي يحمل إليها المعلومات الوافية قبل الإدلاء بأي موقف، مرحب أو غير مرحب؟

 

حسم معركة حلب الذي يبدو انه بات وشيكا في ظل الحشود الضخمة من الجانبين استعدادا للمواجهة الكبرى، إذا ما تم، على غرار ما حدث في مدينة منبج القريبة، ربما يكون مؤشرا وترجمة للتفاهمات التركية الروسية بشكل او بأخر، وما علينا إلا الانتظار مثل الآخرين، ورصد التحركات التركية ميدانيا.

 

المؤكد أن لقاء الرئيسين التركي والروسي سيغير معادلات كبيرة في المنطقة، وسيعيد صياغة العديد من المواقف والتحالفات، وستكشف الايام والأسابيع المقبلة العديد من الأسرار.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/08/12

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد