آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

في الذكرى العاشرة لانتصار “تموز″: إسرائيل أكثر قلقا رغم تمزق العرب والفتنة الطائفية

 

عبد الباري عطوان ..

عندما انتصرت المقاومة اللبنانية بزعامة “حزب الله” على العدوان الإسرائيلي، وصمدت لمدة 33 يوما، وأطلقت آلاف الصواريخ في العمق الفلسطيني المحتل قبل عشر سنوات بالتمام والكمال، تغيرت موازين القوى، وسقطت أسطورة التفوق الإسرائيلي، وقدرة سلاح الجو على حسم الحروب، وخسرت إسرائيل قوة الردع، وباتت لا تخيف إلا الخائفين أصلا، ومنذ ذلك التاريخ المجيد في تاريخ هذه الأمة، بدأت “الغرف السوداء” في الغرب تعقد اجتماعات،  وتضع الدراسات والأبحاث الإستراتيجية للوصول إلى خطة لمحاصرة هذه الظاهرة، وامتصاص هذا الانتصار، والقضاء على الجيوش العربية، وتفتيت دول معسكر الممانعة بإغراقها في فوضى دموية، واجتثاث عقيدة المقاومة بصورها كافة.

***

 

لنعود إلى الوراء قليلا، وبالتحديد إلى تقرير لجنة “فينوغراد” التي تأسست لمعرفة أسباب هذه الهزيمة التي مني بها الجيش الإسرائيلي، بشقيها العسكري والنفسي، والاعترافات المفاجئة التي وردت على السنة الجنرالات والمسؤولين الإسرائيليين الكبار، وتقويماتهم لهذه الحرب، ونستخلص منها النقاط التالية للتذكير وإعطاء الفضل لأصحابه، وسط حملات التضليل والتزوير السائدة:

 

أولا: أقر شمعون بيريس رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بأنه لو كان الأمر يعود إليه لما ذهب إلى هذه الحرب، لأن استعدادات الطرف الآخر كانت متكاملة، والجيش الإسرائيلي لم يكن جاهزا.

 

ثانيا: دان حالوس رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي في حينها اقر بسببين رئيسيين لخسارة قواته هذه الحرب:

 

أ: عدم القدرة على وقف هطول صواريخ الكاتيوشا مثل المطر على مستوطنات الجليل ومناطق الشمال عموما (المقاومة أطلقت أكثر من خمسة آلاف صاروخ).

 

ب: إطالة أمد الحرب لأكثر من ثلاثة وثلاثين يوما (بسبب صمود المقاومة)، وعدم قدرة الطيران الإسرائيلي على حسمها في أيام معدودة، مثلما جرت العادة في كل الحروب السابقة.

 

ثالثا: دفاع أيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينها عن الانتقادات التي جرى توجيهها إليه وحكومته، وأبرزها عدم إصدار قرار بتوغل الجيش الإسرائيلي بريا في جنوب لبنان بقوله “لو دخل جيشنا إلى لبنان لما عرف كيف يخرج”، وبذلك تصبح الهزيمة أكثر ضخامة، وكان محقا في ذلك.

 

رابعا: توصل العديد من الجنرالات والمسوولين الإسرائيليين، بما فيهم الجنرال حالوتس بأنه لا يمكن هزيمة العقيدة، في إشارة إلى المقاومة اللبنانية، والإقرار بأن الجيش الإسرائيلي تحول في هذه الحرب إلى “كيس ملاكمة”.

 

تفتيت العقيدة الإسلامية، من خلال بث “الفتنة الطائفية” وتقسيم المنطقة وشعوبها على أسس مذهبية، من خلال تحريض إعلامي مدروس ومدعوم من “خبراء”، ودعاة متخصصين في هذا المجال، كان هو الرد السريع لعدم تكرار الهزيمة الإسرائيلية، وإجهاض الانتصار العربي الإسلامي، وأول خطوة في هذا الإطار قرار الجامعة العربية بوضع “المقاومة اللبنانية” على قائمة الإرهاب، وفرض حصار تجويعي ظالم على مثيلاتها في قطاع غزة، وبالتحديد كل من حركة “حماس″، وشقيقتها “الجهاد الإسلامي”، ودعم مبطن للعدوانين الإسرائيليين الأخيرين على القطاع على أمل استئصال ثقافة المقاومة من جذورها، وتدمير حاضنتها الشعبية والعقائدية، وتنفيرهم منها.

 

الصورة تبدو قاتمة، ولا يضيرنا الاعتراف بذلك، ولكنها قتامة لن تستمر لفترة طويلة، فحال الانكسار العربي التي نعيشها حاليا، لن تكون أسوأ من مثيلاتها في تاريخنا العربي والإسلامية، وآخرها  هزيمة حزيران عام 1967، وقد يكون الإسرائيليون يرقصون طربا وهم يشاهدون الصراعات الدموية بين أبناء الأمة الواحدة والعقيدة الواحدة، ولكنه رقص لن يدوم، علاوة على كونه قناعا زائفا يخفي وجوها قلقة مرتجفة.

 

حرتسي هاليفي رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، قال في مداخلته في مؤتمر هرتزيليا “للمناعة القومية الإمنية الإسرائيلية”، الذي انعقد قبل شهر، وضم نخبة من الجنرالات ورؤساء الوزراء والمسؤولين الحاليين والسابقين،  “الحرب المقبلة لن تكون سهلة كون حزب الله حصل على كمية هائلة من الصواريخ من مختلف الأبعاد والأحجام، (هناك من يقدرها بستين ألف صاروخ)، واكتسب خبرة قتالية جديدة من جراء حربه في سورية، ونحن نعيش في شرق أوسط فقير يشكل حاضنة جديدة للتطرف الديني وزيادة احتمال تسلل مسلحين إلى داخل إسرائيل” بالتالي.

 

 

***

قبل عامين زرت الجنوب اللبناني، وبلدة مليتا، حيث متحف حرب تموز عام 2006 الذي أقامته المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله، وشاهدت الأنفاق التي صنعت النصر، مثلما شاهدت دبابات الميركافا، فخر الصناعة الإسرائيلية مكسورة الهيبة والجناح بفعل ضربات المقاومين الأشداء، واعترف أنني شعرت بالفخر، وازددت إيمانا بأن هذه الأمة، وهذه العقيدة، لن تهزم أبدا.

 

لن نتحدث في هذا اليوم التاريخي عن المطبعين مع الإسرائيليين، ولا عن المتآمرين على هذه الأمة، ومخططاتهم لإجهاض ظاهرة المقاومة الأشرف للاحتلال والغطرسة الإسرائيليين، لأننا لا نريد تعكير صفو الاحتفال بهذا النصر الكبير في ذكراه العاشرة.

 

هذه الأمة.. وهذه العقيدة.. ستنهض من كبوتها الحالية حتما، مثلما نهضت من كبوات اكبر واخطر في الماضي، والمسألة مسألة وقت وتوقيت، وصبر وإيمان، وكلها عناصر مدفونة تحت رماد جمر ملتهب.. والأيام بيننا.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/08/15

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد