آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

كيري يطالب بحظر جوي للطائرات السورية لحماية المعارضة المسلحة في حلب..

 

 عبد الباري عطوان ..

لم يبالغ بان كي مون أمين عام الأمم المتحدة عندما قال أمام اجتماع عقده مجلس الأمن “العالم يواجه لحظة حاسمة في الحرب السورية”، في إشارة إلى الوضع الحالي المتوتر بعد انهيار هدنة وقف إطلاق النار، وتصاعد حدة الصدام الروسي الأمريكي على أرضية تبادل الاتهامات حول تفجير قافلة مساعدات الأمم المتحدة إلى المحاصرين في حلب الشرقية.

 

التفاهمات الأمريكية الروسية حول الأوضاع في سورية والحل السياسي بشقيه المرحلي والنهائي، ربما تكون انهارت مع انهيار اتفاق الهدنة، وانهارت معها الثقة بين الطرفين، وبات واضحا أن الإدارة الأمريكية أدركت أن روسيا باتت صاحبة الكلمة العليا والنهائية، وهي الموجودة على الأرض، ومصممة على بقاء الرئيس السوري بشار الأسد والقضاء كليا على المعارضة المسلحة، المعتدلة منها، أو المصنفة إرهابيا، مهما كلف الأمر مستغلة ضعف إدارة أوباما، وقرب اختفائها من البت الأبيض.

 

هناك ثلاثة تطورات رئيسية فرضت نفسها على المشهد السوري في اليومين الماضيين لا يجب تجاهلها، وما يمكن أن يترتب عليها من خطوات لاحقة:

 

الأول: إرسال روسيا لحاملة الطائرات اميرال كوزينتسوف وسبع سفن إمداد وتموين لتعزيز وجودها وقواتها في البحر المتوسط.

 

الثاني: مطالبة جون كيري وزير الخارجية الأمريكي بمنع تحليق الطائرات الحربية السورية فوق مناطق قوات المعارضة في حلب وغيرها.

 

الثالث: نجاح جهود مفتي جبهة “فتح الشام” النصرة سابقا، الشيخ عبد الله المحيسني في توحيد المعارضة السورية المسلحة، أو بالأحرى، 21 فصيلا من الجيش السوري الحر و”أحرار الشام” خلف قيادة أبو محمد الجولاني، وبدعم من تركيا وقطر والسعودية، وهؤلاء باتو بمثابة “المجاهدين” الجدد لمواجهة الجيش الروسي في سورية على غرار زملائهم في أفغانستان في الثمانيات.

***

 

مطالبة كيري بمنع تحليق الطيران الحربي السوري فوق مناطق تسيطر عليها فصائل المعارضة المسلحة لضمان نجاح الهدنة، ووصول شاحنات الإغاثة الدولية بالتالي، يعني فرض منطقة حظر جوي، والتهرب من الفقرة الأهم في اتفاق الهدنة التي تنص على تأسيس غرفة عمليات عسكرية روسية أمريكية مشتركة تشرف على الضربات المتفق عليها للتنظيمات المصنفة على قائمة الإرهاب و”جبهة النصرة” على رأسها، بعد أسبوع من صمود الهدنة.

 

نحن الآن نشهد “صراع إرادات” بين القوتين العظميين روسيا وأمريكا، بعد ثلاث سنوات بالتمام والكمال من أزمة مماثلة في أيلول (سبتمبر) عام 2013، على أرضية الاتهامات باستخدام الجيش السوري أسلحة كيماوية ضد خصومه في المعارضة والمناطق التي يسيطرون عليها، حيث اعتبر الرئيس باراك أوباما، في حينها، هذا الاستخدام اختراقا للخط الأحمر الذي وضعه في هذا الصدد، ويستدعي التدخل عسكريا فورا.

 

الأزمة الحالية تتضخم الآن على أرضية أخرى مختلفة، وهي قصف طائرات أمريكية وأسترالية وبريطانية ودنماركية لقوات الجيش السوري في جبل “الثردة” المطل على مطار دير الزور، ولمصلحة تعزيز قوات تنظيم “الدولة الإسلامية” من جهة، واتهام الطيران الروسي والسوري بضرب قوافل الإغاثة الأممية في حلب من جهة أخرى، وهي الاتهامات التي نفتها موسكو وفندتها بالحقائق المصورة، ومن بينها تحليق طائرة أمريكية بدون طيار فوق القافلة أثناء تفجيرها.

 

في الأزمة الأولى تراجعت الإدارة الأمريكية، ولحس الرئيس أوباما خطوطه الحمراء أمام التعزيزات البحرية الروسية قرب السواحل البحرية السورية، فهل يتكرر السيناريو نفسه في الأزمة الثانية؟ أم يتصاعد التوتر وتنجرف المنطقة الى مواجهة بين البلدين؟

 

لا نملك الإجابة، والشخصان الوحيدان اللذان يملكانها هما الرئيس الأمريكي أوباما، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، لكن من يتابع ردود فعل حلفاء واشنطن الشرق أوسطيين يجد أن الطرفين الروسي والأمريكي يأخذان الأمور إلى “حافة الهاوية”، سياسيا وعسكريا.

 

***

لم يكن من قبيل الصدفة في رأينا أن يعود وزراء خارجية تركيا والسعودية وقطر إلى تكرار القول، وبنبره قوية متزامنة واضحة، أنه “لا مكان للرئيس السوري بشار الأسد في أي مستقبل لسورية”، وهم الذين توقفوا عن ترديد هذه “النغمة” خلف المايسترو الأمريكي في الأشهر الأخيرة، فلا بد أنهم استشعروا حدوث تغيير في الموقف الأمريكي تجاه الملف السوري أملاه صقور وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”، يتسم بالتصعيد والتشدد.

 

قرار الحرب والسلام لا يتخذه الرئيس الأمريكي، وإنما “المؤسسة الأمريكية”، فالرؤساء يتغيرون، ودورهم شكلي تنفيذي، بينما “المؤسسة” لا تتغير، فعندما قررت هذه المؤسسة الدخول في اتفاق مع إيران حول طموحاتها النووية، صادق الكونغرس بالأغلبية المطلقة، وهو الكونغرس نفسه الذي صفق أعضاؤه وقوفا 46 مرة وبالإجماع، قبل عام وبضعة أشهر لبنيامين نتنياهو الذي جاء يحرضهم على التصويت ضد هذا الاتفاق، ودعم الجهود العسكرية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية.

 

اتفاق الهدنة في سورية جرى دفنه، واحتمالات بث الحياة فيه من جديد تبدو ضئيلة، أن لم تكن معدومة، إلا إذا تنازل أحد الطرفين، أي الأمريكي والروسي عن مواقفه للآخر.

 

لا أحد يريد الحرب في قمة قيادة القوتين العظميين في سورية وعلى نطاق أوسع، أو مواجهة مباشرة على الأصح، ولكننا “نشك” أن يقبل الرئيس بوتين إقامة منطقة حظر جوي توفر مظلة حماية للمعارضة المسلحة التي اتفق مع نظيره الأمريكي على اجتثاثها، كما أننا “نستغرب” في الوقت نفسه أن يقبل الرئيس أوباما و”مؤسسته” بتنفيذ اتفاق يحقق جميع المطالب الروسية والسورية أو معظمها، بالقضاء على المعارضة السورية الفاعلة على الأرض في المواجهات مع قوات الجيش السوري، والذهاب إلى طاولة المفاوضات دون ورقتها القوية هذه.

 

الشيء المؤكد أن العودة إلى الاتفاق بصورته القديمة التي جرى التوقيع عليه من قبل كل من كيري وسيرغي لافروف بعد مفاوضات ماراثونية باتت شبه مستحيلة وإلا لما شاهدنا موجة التصعيد الحالية.

 

إنه صراع إرادات.. يترافق مع تحشيد عسكري، تماما مثلما كان عليه الحال قبل ثلاث سنوات، والتغيير الوحيد هو في العنوان والذرائع وليس الجوهر، ونحن في انتظار من يتنازل أولا.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/09/22

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد