آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

هل يعني الأسف السعودي عن “مجزرة العزاء” اعترافا بتنفيذها؟ وكيف وقعت “عاصفة الحزم” في المصيدة؟

 

عبد الباري عطوان ..

من النادر أن تُعَبر السلطات السعودية والمتحدثين باسمها عن أي أسف أو تقديم اعتذار، لضحايا قصف “طائرات حزمها” في اليمن، فهي تعتبر أعمال القتل هذه مشرعة، ومبررة، وطائراتها تقتل وتدمر من أجل أهداف سامية، وهي عودة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى سدة الحكم مجددا، ولذلك فأن تعبيرها عن “الأسف” وليس “الاعتذار”، عن مجزرة مجلس العزاء في القاعة الكبرى في صنعاء جاء سابقة فريدة من نوعها، تكشف عن عمق الأزمة التي تعيشها على الصعيدين الإقليمي والدولي، وإدراكها أن أساليب المكابرة والأفكار والتعالي على الخصم لم تعد مفيدة.

 

الرسالة التي بعث بها مندوب المملكة الدائم في الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن الدولي وتحمل هذا الأسف، وتؤكد الالتزام الكامل بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، والتأكيد على اتخاذ كل التدابير الممكنة لحماية المدنيين، تشكل اعترافا أوليا متدحرجا بالمسؤولية عن هذه المجزرة، ومحاولة الالتفاف على أي مبادرة لإجراء تحقيق دولي فيها.

 

التعبير عن الأسف إلا يكفي، فقصف مجلس عزاء، وأياً كان مبرره، لا يرتقي فقط إلى خانة جرائم الحرب ضد الإنسانية، وإنما يشكل خروجا على أخلاقيات الحروب والخصومات، مثلما يعكس نزعات انتقامية شريرة لا تحتكم إلى أي قيم أو أعراف دينية أو قبلية أو إنسانية.

 

القيادة العسكرية السعودية التي اتخذت قرار القصف هذا، مارست الكذب علنا، عندما قالت إن طائراتها لم تقم بأي عمليات هجومية في المنطقة، فمن الذي يملك طائرات لم تتوقف عن قصف اليمنيين الأبرياء منذ 18 شهرا غيرها؟ وهل جرى تدمير اليمن بالكامل بما في ذلك المدارس والمستشفيات والمزارع والأعراس، بحيث لم يبق شيء يتم قصفه غير مجلس عزاء في شخصية وطنية معروفة بتسامحها ونزعتها السلمية؟

***

من المؤكد أن هناك من ضلل المُضلِيين (بضم الميم وكسر اللام)، أو بالأحرى القيادة العسكرية السعودية، وأذاقها من السم نفسه، عندما مرر إليها معلومات بأن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وحليفه السيد عبد الملك الحوثي يتواجدان في المجلس لتقديم واجبات العزاء لوزير الداخلية ابن الفقيد (اللواء جلال الروشان)، فاعتقدت هذه القيادة أن هناك صيدا ثمينا يستحق القصف وكل ما يمكن أن يترتب على هذه المجزرة من ردود فعل.

 

اليمنيون دهاة بالفطرة، ولا نستبعد أن يكونوا قد دسوّ على القيادة السعودية من يضللها، ويوقعها في شر أعمالها، والمشكلة أن هذه القيادة لا تتعلم دروس التاريخ والحروب في اليمن، وربما في غير اليمن أيضا، بدليل أن معظم قراراتها ورهاناتها الأخيرة لم تكن صائبة في معظمها، والقائمة تطول.

 

الرئيس علي عبد الله صالح فاجأ مجلس العزاء الذي أقيم لصديقه وحليفه التاريخي عبد الكريم الارياني بحضوره، مثلما كرر الشيء نفسه في المظاهرة المليونية الأخيرة، الأمر الذي سهل عمل “المخبرين” في تسويق أنباء حضوره، وربما السيد عبد الملك الحوثي أيضا، الذي لم يظهر في مكان عام منذ بداية الأزمة، مجلس العزاء في صنعاء بسبب المكانة القبلية والسياسية للمرحوم وابنائه.

 

السلطات السعودية خسرت الكثير بسبب ارتكاب هذه المجزرة، سياسيا وإعلاميا وعسكريا، وما تبقى لها من دعم وتأييد في أوساط اليمنيين، فحتى حكومة حليفها هادي وجدت نفسها مضطرة إلى إدانة مرتكبي هذه المجزرة، والتعاطف مع ضحاياها وذويهم، وان كانت هذه الإدانة لم تكن بالقوة المطلوبة.

 

هذه المجزرة ستوحد اليمنيين وغالبيتهم الساحقة ضد المملكة العربية السعودية، وخلف التحالف “الحوثي الصالحي”، الذي وجد فيها فرصة ذهبية لتجييش اليمنيين وتعبئتهم طلبا للثأر، وهذا ما يفسر دعوة الرئيس صالح والسيد الحوثي لهم للتوجه إلى الجنوب لقتال الحكومة السعودية وجيوشها، بالإضافة إلى التأكيد بأنهما أحياء يرزقان ولم يقتلا في القصف.

 

إنها لم تعد حربا لإعادة الرئيس هادي إلى صنعاء، وهزيمة “الانقلابيين”، أو “المتمردين”، وإنما باتت حربا مختلفة ومعاكسة لزعزعة أمن واستقرار المملكة وأسرتها الحاكمة، فالمعارك المكثفة على الحدود السعودية اليمنية حاليا تؤكد هذا المنحى.

 

إطلاق التحالف “الحوثي الصالحي” صاروخا باليستيا لضرب قاعدة الملك فهد الجوية في الطائف من صعدة (على بعد 500 كيلومتر)، تطور مرعب للحرب، ويؤكد أن أعداء المملكة يملكون مثل هذه الصواريخ التي يمكن أن تصل حتى إلى الرياض وجدة وباقي المدن السعودية الكبرى.

 

صحيح أن بطاريات صواريخ “باتريوت” اعترضت هذا الصاروخ ودمرته، مثلما قال متحدث باسم التحالف السعودي، ولكن الإعلان عن استهداف الطائف التي لا تبعد إلا 150 كيلومترا عن جدة العاصمة الاقتصادية، و70 كيلومترا من مدينة مكة المكرمة، يحمل الكثير من المعاني، ويحقق نقله كبيرة في الحرب النفسية لصالح التحالف اليمني.

***

موازين الحرب في اليمن، وبعد 18 شهرا، بدأت تشهد انقلابا كبيرا متدرجا، ليس لصالح التحالف السعودي، فأوائل هذا الشهر تعرضت سفينة إماراتية للقصف والتدمير في مدخل باب المندب، وبالأمس أعلنت القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى أن صاروخين أطلقا على سفينة حربية تابعة لها، أطلق من أراض يسيطر عليها الحوثيون، والأهم من كل هذا وذاك، وقف الحكومة الأمريكية لكل أشكال التنسيق العسكري والإستخباري مع القيادة السعودية في ملف حرب اليمن احتجاجا على مجزرة مجلس العزاء.

 

الدخول في حرب اليمن تهور خطير ومكلف جدا ماليا وبشريا، وسوء تقدير قوة الخصم وحلفائه والتعاطي معه بفوقية واستعلاء خطأ كبير، وعدم اقتناص الوساطة الدولية للتوصل إلى مخرج مشرف، وتقليص الخسائر كارثة كبرى تعكس غياب الحكمة والتعقل.

 

الحرب الحقيقية القادمة ربما تكون في اليمن، أكثر شراسة وخطورة من نظيرتها في سورية، والله أعلم.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/10/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد