آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

من حق اللبنانيين أن يحتفلوا بانتهاء السنوات العجاف وانتخاب الجنرال عون رئيسا.. إنها “معجزة” سياسية

 

عبد الباري عطوان ..

لم يكن غريبا، ولا مفاجئا، أن تكون إيران ورئيسها حسن روحاني أول المهنئين وأبرزهم، بفوز الجنرال ميشال عون بمقعد الرئاسة اللبنانية في انتخابات برلمانية أظهرت توافقا لبنانيا غير مسبوق، بين الكتل السياسية والطائفية الأكثر تأثيرا في الخارطة السياسية في البلاد.

 

انتخاب الجنرال عون جاء انتصارا لحزب الله وزعيمه السيد حسن نصر الله، وحلف المقاومة الذي يتزعمه، ونتيجة مباشرة لتراجع النفوذ السعودي، وصمود النظام السوري طوال السنوات الخمس الماضية في مواجهة قوى إقليمية وعالمية عظمى كانت، وما زالت، تريد الإطاحة به.

 

عندما يحظى “الجنرال” بدعم السيد نصر الله (حزب الله)، والسادة سمير جعجع (القوات اللبنانية)، وسعد الحريري (تيار المستقبل)، ووليد جنبلاط (الحزب الاشتراكي)، وجميعهم يشكلون الأرضية الاصلب، ويحظون بدعم الغالبية الساحقة في لبنان وطوائفه، فإنها سابقة تاريخية دون أدنى شك، تشكل نموذجا للتوافق في جوار لبناني يشهد تفككا لقوى إقليمية عظمى، وحروب طاحنة، ذات صبغة طائفية في بعض الأحيان.

 

إنها “صحوة” لبنانية، وصفقة الأربعة الكبار، جاءت لإنقاذ الدولة اللبنانية والحيلولة دون انهيار مؤسساتها وتآكلها، والتأسيس لمرحلة جديدة من التعايش، فمن كان يتصور أن جعجع الذي انخرط في حروب دموية ضد الجنرال عون، أو سعد الحريري، الذي كان العدو الأبرز للسيد نصر الله، واتهمه باغتيال والده، سيصوتون للجنرال، وفي الجلسة البرلمانية السادسة والأربعين؟

***

لا بد من الاعتراف بأن هذا “التسونامي” السياسي ما كان يحدث لولا الانقلاب الذي حدث في موقف السيد سعد الحريري، زعيم تيار المستقبل، الذي انحاز فيه لهويته اللبنانية، وخلع عن أكتافه العباءة السعودية، وقرر وضع مصلحة لبنان فوق كل الاعتبارات.

 

ربما يجادل البعض بأن السيد الحريري أقدم على هذه التضحية التي ربما يدفع ثمنها غاليا، بسبب إفلاس شركاته، وسحب السعودية، أو أحد الأجنحة فيها، الغطاء المالي والسياسي عنه، وتجميد مستحقاته وشركاته المالية، وهذا جدل ينطوي على الكثير من الصحة، ولكن يحسب للرجل سرعة المبادرة، وعدم التردد في اتخاذ القرار الحاسم، اتفق معه البعض أو اختلف.

 

قرار السلطة السعودية بالتخلي عن “ابنها” الحريري، و”النأي” بنفسها عن لبنان، جاء هروبا من التبعات المالية والسياسية، وبسبب وقوفها على حافة الإفلاس المالي، وفقدانها قوة سلاح المال وتأثيره تدريجيا، وهو أقوى أسلحتها، ولا تملك غيره، بسبب تراجع عوائدها النفطية، وتبخر معظم احتياطاتها المالية، ولجوئها إلى التقشف والاقتراض من البنوك المحلية والعالمية لسد العجز في ميزانياتها.

 

لبنان لم يعد يحتل أي مكانة، لا عليا ولا سفلى، على سلم الأولويات السعودية، ولهذا جاء “الطلاق” البائن، ولعل السيد الحريري الذي يعرف القيادة السعودية جيدا، وطريقة تفكيرها، أول من أدرك بدايات هذا التحول، وقرر القفز من السفينة الغارقة، فالسعودية المتورطة في حروب اليمن وسورية والعراق، وبالإنابة ضد إيران، أرادت التخلص من العبء اللبناني، ومن المفارقة أن هذه الانفراجة اللبنانية حدثت فور انسحابها من هذا الملف، مما يؤكد أنها كانت عنصرا معطلا.

 

إنه انتصار للبنان ولشعبه أيضا، وخطوة على طريق التعافي، وتقليص الخسائر، وتبديد حالة القلق والتشاؤم تجاه المستقبل التي كانت مرسومة على وجوه اللبنانيين، خوفا من مستقبل حالك السواد، فاللبنانيون أنهكهم التعب والخوف، وأدركت نخبتهم السياسية هذه الحقيقة، وقررت التخلي عن سياسة المماحكات والمناكفات والسفسطة الكلامية، والعودة إلى أرضية التعايش إنقاذا لنفسها قبل إنقاذ لبنان.

 

لا نشك مطلقا بأن الحكم في دمشق الذي ينظر إلى الرئيس عون بأنه “الرجل الذي خاصم بشرف وصالح بشرف”، على حد وصف أحد المقربين من الرئيس الأسد، سيكون من أكثر المحتفلين بفوز الجنرال عون بالرئاسة، لأن لبنان بهذا الفوز، والتحالف الذي يقف خلفه، عاد إلى دائرة النفوذ السوري، ودون أي منافسة إقليمية في المستقبل المنظور على الأقل.

 

الرئيس عون تعهد أن يبقى لبنان بعيدا عن النيران المشتعلة في المنطقة، ومنع انتقال أي شرارة إليه، والابتعاد عن الصراعات الخارجية، وخوض حرب وقائية ضد الإرهاب، وتعهد أيضا ببرنامج اقتصادي يغير الاتجاه “الانحداري”، وبذل كل جهد ممكن في سبيل مقاومة الاحتلال.

 

هذا البرنامج الذي طرحه أثناء أدائه القسم، حافل بالإيجابيات، ويبعث على الأمل والتفاؤل، ولكن بعض جوانبه قد تكون صعبة التحقيق، وخاصة تلك التي تتحدث عن النأي بالنفس عن النيران المشتعلة في المنطقة، ولعله يفوز بالأجرين، أجر الإنجاز، وأجر المجتهدين معا، ولا بأس من المحاولة.

***

ديون لبنان فاقت السبعين مليار دولار، وتسديد فوائد هذه الديون بات في ذروة الصعوبة، والبلد في حال إفلاس عمليا، وإذا نجح الرئيس عون وحكومته في وقف تزايد هذه الديون المتسارعة، فهذا انجاز كبير في حد ذاته، في ظل أوضاع المنطقة المتردية، وشح المساعدات الخليجية، وانهيار السياحة، وتدفق النازحين.

 

السيد نبيه بري زعيم حركة أمل، ورئيس مجلس النواب الذي صوت ونوابه بورقة بيضاء في الانتخابات الرئاسية، قال إن “الجهاد الأكبر” يبدأ الآن، وبعد انتخاب الرئيس في إشارة إلى المرحلة المقبلة، مرحلة تكليف رئيس الوزراء والمشاورات لتشكيل الحكومة، حيث من المتوقع أن تطفو الخلافات على السطح، ولكن السيد نصر الله الذي كان وفيا للجنرال عون، ولوعده له بإيصاله إلى قصر بعبدا، لا نعتقد إنه سيتخلى عن السيد الحريري، ووعده له بتسهيل مهمته في تشكيل الحكومة، وربما نجاحها أيضا.

 

اللبنانيون، هذا الشعب المبدع الخلاق، فاجأونا اليوم بإنتخاب رئيسهم المصنع محليا، وتمسكهم بثوابت التعايش والتوافق، وافشلوا كل المراهنين على انهيار دولتهم، ومن حقهم أن يفرحوا بهذا الإنجاز، وأن يحتفلوا بانتهاء السنوات العجاف.. فهنيئا لهم، ونقولها من أعماق قلوبنا.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/11/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد