آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

المساعدات النفطية السعودية لمصر لم تصل للشهر الثاني.. والجفوة تزداد اتساعا..

 

عبد الباري عطوان ..

إذا كان هناك بصيص من الأمل بحدوث “مصالحة” سعودية مصرية تعيد العلاقات إلى صيغتها “التحالفية” السابقة، وتوقف الحرب الإعلامية المشتعلة بين الجانبين، فإن الخبر الذي تصدر معظم الصحف ومحطات التلفزة المصرية طوال يوم أمس، وأكد أن شركة “أرامكو” تخلفت، وللشهر الثاني على التوالي، عن توريد حاجة مصر من مشتقات النفط عن شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، التي جرى الاتفاق عليها بين البلدين أثناء زيارة الملك سلمان للقاهرة، فإن هذا البصيص تبخر، وعلينا أن نتوقع في الأيام والأسابيع المقبلة تصعيدا للتوتر في العلاقات، وربما إقدام مصر على خطوات انتقامية دبلوماسية وسياسية.

 

كان واضحا أن دول الخليج الثلاث الداعمة لمصر (السعودية، الأمارات والكويت) أدركت وفي ظل تراجع عوائدها النفطية، وانحسار ثورات الربيع العربي التي كانت تهددها، وفشل سياساتها في إسقاط النظام السوري، وتحول العراق إلى ساحة نفوذ إيراني، ودخول حرب اليمن شهرها العشرين، وتحولها إلى حرب استنزاف مالي وبشري، كان واضحا أن هذا المثلث الخليجي لم يعد بحاجة إلى مصر وثقلها السياسي، مثلما بات يدرك أنه لم يعد قادرا، في ظل سياسيات التقشف التي يطبقها في بلاده لسد العجز في ميزانياته، وتحميل هذا العجز على أكتاف مواطنيه، على المضي قدما في ضخ المليارات في الخزينة المصرية، لإنقاذ الاقتصاد المصري المتهاوي، وبات يبحث عن أعذار لتبرير هذا التراجع.

 

الحكومة المصرية أدركت هذا التوجه الخليجي مبكرا، واضطرت مكرهة على ابتلاع “جرعة سم” صندوق النقد الدولي والقبول بقرض الـ 12 مليار دولار وشروطه الصعبة جدا، ومن ضمنها تعويم الجنيه، ورفع الدعم عن الكهرباء وسلع أساسية أخرى، والاستعداد لما يمكن أن يترتب على ذلك من سخط شعبي ربما يصل ذروته في “انتفاضة الغلابة” المقررة الجمعة المقبل.

***

يمكن التكهن بأن الرد المصري على هذا “الجحود” الخليجي، على حد وصف أحد الكتاب المصريين يمكن أن يتمثل في الخطوات التالية:

 

أولا: اتخاذ خطوات أكثر جرأة للتقارب مع كل من إيران وسورية، وفتح سفارة مصرية في طهران، وإذا كان النبأ الذي نشرته وكالة “تسنيم” الإيرانية عن إرسال مصر قوات إلى سورية قوبل بالنفي لأن عقيدة الجيش المصري عدم القتال خارج الأراضي المصرية، فإن إرسال “مستشارين” عسكريين مصريين إلى سورية ليس مستبعدا، على غرار ما يحدث في ليبيا، حيث يلعب هؤلاء “المستشارون” دورا فاعلا في دعم الجنرال خليفة حفتر.

 

ثانيا: أكدت مصادر مصرية وثيقة بالحكومة أن حوارا متسارعا يجري حاليا بين مصر وإيران عبر قنوات عديدة من بينها القناة العراقية، وأن زيارة وزير النفط المصري طارق الملا إلى بغداد قبل أسبوع لم يكن بهدف البحث عن بدائل لشحنات النفط السعودية فقط، فقد قدم الجنرال حفتر شحنات ضخمة في هذا الإطار، وإنما الاتصال بالإيرانيين أيضا، وهناك تقارير غير مؤكدة تفيد بأنه التقى مسؤولين إيرانيين على هامش هذه الزيارة، وأن مسألة البحث عن نفط بديل مجرد “غطاء”.

 

ثالثا: لوحظ أن الموقف المصري تجاه حرب اليمن التي تشنها السعودية على رأس تحالف خليجي عربي، بدأ يتغير بشكل متسارع في الاتجاه المضاد، أي التحالف “الحوثي الصالحي”، وكان لافتا أن مصر لم تدن بشكل قوي إغراق صاروخ حوثي لسفينة إماراتية في باب المندب في مدخل البحر الأحمر، رغم أنها معنية بالأمن وسلامة الخطوط التجارية البحرية فيه للحفاظ على الدخل المصري من عوائد قناة السويس، الذي يحتل مرتبة متقدمة على قمة متطلبات الخزانة المصرية.

 

رابعا: إعادة تشغيل ماكينة الإعلام المصري وتصويب صواريخها باتجاه السعودية، وهناك ذخائر عديدة متوفرة في هذا الخصوص، من أبرزها تهم الفساد، وتجويع اليمنيين وحصارهم، ودعم “الإرهاب” في سورية والعراق وليبيا والقائمة طويلة.

 

من المفارقة أن فوز أي من المرشحين في انتخابات الرئاسة الأمريكية قد لا يكون في مصلحة السعودية، فدونالد ترامب معجب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وصدام حسين، وعبد الفتاح السيسي، ومعمر القذافي، أي كل قادة الأنظمة الديكتاتورية العربية، الأحياء منهم والأموات، لأنه يؤمن بالقيادات القوية التي تحقق الأمن والاستقرار، ويكن عداء للإسلام وتنظيماته المعتدلة والمتشددة معا، ويريد أن تدفع السعودية ودول الخليج ثمن حمايتها وبأثر رجعي، أما السيدة هيلاري كلينتون، فمن المرجح أن تواصل سياسات إدارة أوباما، وتتمسك بالاتفاق النووي الإيراني، ومطالبة دول الخليج بإصلاحات سياسية تسمح بإبعاد الشباب عن الجماعات الجهادية المتطرفة، واستيعابهم في السلطة ودائرة صنع القرار في إطار مؤسسات منتخبة، ومحاربة الفساد.

***

 

شهر العسل السعودي المصري يبدو أنه انتهى في أيامه الأولى، وتمخض عن حمل كاذب، لأن العلاقات بين البلدين لم تقم على أسس إستراتيجية طابعها الاحترام والنفس الطويل، وإنما على أساس نظرية التابع والمتبوع، فمصر الحالية لا تقبل بالخضوع للقيادة السعودية، والعمل تحت ظلها، وتتباهى بإرثها الحضاري العظيم الذي يمتد لثمانية آلاف سنة، والسعودية القوية ماليا، خاصة قبل انهار أسعار النفط، أرادت أن تستخدم عضلاتها المالية القوية لإخضاع مصر وتشكيل مواقفها وسياساتها حسب متطلبات حروبها في اليمن وسورية والعراق وإيران، وهذا ما يفسر “سياسة الحرد” السعودية التي جاءت ردا على لقاء وزير الخارجية المصري مع نظيره الإيراني على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتصويت مصر لصالح قرار روسي في مجلس الأمن الدولي، يؤكد مواصلة قصف تواجد المعارضة السورية المتشددة المتمثلة في جبهة “فتح الشام” وحلفائها.

 

تتضارب الأرقام حول حجم المساعدات التي قدمتها دول الخليج لمصر في السنوات الأربع الماضية، فهناك من يقدرها بأربعين مليار دولار، نصيب السعودية منها حوالي 30 مليارا، وهناك من يقول أنها أكثر وتصل إلى خمسين مليارا، وفي جميع الأحوال تبدو عملية استعادتها صعبة جدا في ظل التأزم المالي المصري الحالي، وأن كنا لا نعتقد أن الدول الخليجية لا يمكن أن تذهب في هذا الاتجاه، لأن أي فوضى في مصر سترتد عليها سلبا، وفق الحسابات الإستراتيجية الإقليمية والدولية.

 

مصر تعيش مأزقا، ولكن مأزق السعودية وحلفائها لا يقل صعوبة في ظل تبخر الطفرة المالية، وبداية تململ في الأوساط الشعبية من جراء سياسات التقشف، وضياع الاحتياطات هدرا، وسوء إدارة، ونزيف حروب لا يتوقف.

 

لا نملك بلورة سحرية، ولا نقرأ الطالع، نقولها ونكرها مرارا، ولكن المؤشرات تفيد بأن القطيعة باتت شبه حتمية، والغضب الرسمي الشعبي في ذروته، لأن التراجع السعودي الخليجي عن ضخ الأموال جاء في وقت حرج جدا للحكومة المصرية، أنه صراع المأزومين المحبطين.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/11/06

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد