آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

ترامب فاجأ الكثيرين بزلزال فوزه.. كيف استطاع تحقيق هذه “المعجزة”؟

 

عبد الباري عطوان ..

انتصر دونالد ترامب، وهزم المؤسسة الأمريكية الحاكمة، وممثلتها المفضلة والمدللة هيلاري كلينتون، مثلما هزم الإمبراطوريات الإعلامية الجبارة، وأثبت عمليا زيف استطلاعات الرأي وانعدام مصداقيتها، والشيء نفسه يقال أيضا عن عشرات، أو مئات، المحللين، والخبراء، وبنوك العقول، التي تنبأت بهزيمته في الجولة الأولى، وبالضربة القاضية.

 

وصفوه بالجهل وعدم الخبرة السياسة، تبرأ منه زعماء حزبه الجمهوري، ونخبته في الكونغرس، ومجلس الشيوخ، ولكنه صمد وواجه التحدي بالتحدي، وأثبت أنه الأقدر على فهم الشعب الأمريكي، ومطالبه، وقراءة مزاجه العام بدقة متناهية، ووضع خطوط الخطاب الذي يصل إليه بفعالية.

 

الشعب الأمريكي، ومثلما أوضحت هذه الانتخابات، أصيب بحالة من الملل من نخبته الحاكمة، وانفصام الشخصية الذي تعانيه، وانفصالها عنه وهمومه، ومشاكله، وطموحاته، ولذلك انحاز إلى هذا “المتمرد” على مؤسسة الحكم، وقرر إعطاءه صوته وثقته أيضا.

 

لا نختلف مطلقا مع الكثيرين الذين يتحدثون عن سلبيات هذا الرجل، والتناقضات العديدة في شخصيته وسلوكه، ولكن الحكم عليه وله، جاء من قبل الشعب وصناديق الاقتراع، فقد كان من الصعب أن نتصور مليارديرا مثله، يركب الطائرات الخاصة، واليخوت الفخمة، أن يقدم نفسه ممثلا ومدافعا عن حقوق ومطالب الفقراء المهمشين منه، وصدقه المحبطون وأعطوه أصواتهم، ربما لصراحته وعفويته غير المعهودة عند السياسيين المحترفين أبناء المؤسسة الحاكمة.

***

 

تعرض ترامب لحملات إعلامية شرسة، نهشت عرضه، وغاصت في أدق خصوصياته الشخصية والعائلية، وشككت في ذمته المالية، ولكنه استمر في مسيرته وسط حقول الإلغام هذه، وأطاح بـ16 منافسا له على ترشيح الحزب الجمهوري، وها هو يطيح بالمنافسة، أو الحوت الأكبر، كلينتون، ويصل إلى البيت الأبيض بربطة عنقه الحمراء الفاقعة.

 

عنصري، يميني، يحتقر المرأة، ويتحرش بالنساء، وكاره للإسلام والمسلمين، يريد إغلاق حدود بلاده في وجههم وغيرهم من فقراء المكسيك وأمريكا اللاتينية؟ أي المفاجأة؟ أليست هذه هي أمريكا؟ أليست هي التي تأتي إلينا بدباباتها وقاذفاتها وعملائها، وتقتل الملايين منا، وتبذر بذور الحرب الطائفية، وتغير الأنظمة، وتنشر الفوضى الدموية، وهل كانت السيدة كلينتون تهيم حبا وغراما بالمسلمين؟ الم تهدد بالتدخل العسكري في سورية، وأيدت بحماس غزو العراق واحتلاله، وحرضت على قتل زعيم عربي (القذافي) وهتك عرضه وجثمانه؟

 

ربما يكون المرشحان في سياق انتخابات الرئاسة اختلفا حول العديد من القضايا الداخلية والخارجية، ولكنهما اتفقا على أرضيه الاحتقار للعرب ومن ثم المسلمين، وما اختلف هو طريقة التعبير فقط أما الجوهر فواحد.

 

اليوم أصبح ترامب في قلب البيت الأبيض، وبات علينا وغيرنا أن يتعامل معه مكرها كرئيس، ومن المؤكد أنه سيضطر لتغيير الكثير من مواقفه وسلوكه، وإلا تعرض للقتل، أسوة برؤساء آخرين استفزوا المؤسسة الحاكمة، فتهديده بإلغاء أو تعديل بعض البنود في الاتفاق النووي الإيراني، ربما يوضع على الرف، لأنه اتفاق بين الدول الخمس الكبرى زائد ألمانيا مع إيران، وليس اتفاقا إيرانيا أمريكيا، والبديل للإلغاء هو عودة إيران إلى تخصيب اليورانيوم، وامتلاك أسلحة نووية، واللجوء إلى الحرب لمنع هذا الخيار.

 

لا نتفق مع الكثيرين الذين اشتروا الصورة النمطية التي سوقتها الآلة الإعلامية والمؤسساتية الجبارة التي وصفت الرجل بالجنون والتهور، وعدم أهليته لحكم دولة عظمى أو صغرى، فلو كان حاله كذلك، لما كسب غالبية أصوات حوالي 300 مليون مواطن أمريكي في انتخابات حرة ونزيهة.

 

إعجاب ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس نقيصه، أو خطيئة، فلماذا لا نرى النصف المليء من الكأس، وأن نفكر بطريقة مختلفة، ونرى في هذا الإعجاب ظاهرة إيجابية يمكن أن تقود إلى الحوار والتفاهم والتنسيق بين القوتين العظميين في ملفات عديدة ملتهبة، وأبرزها حروب الشرق الأوسط، فهل من الضروري أن يكون رئيسا القوتين العظميين في حالة خصام وعلاقات متوترة وحروب باردة وساخنة؟ وهل نسينا أن أي حرب بينهما ستكون على أرضنا وضحاياها من أهلنا وأبنائنا؟

 

ترامب هدد بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة؟ وبدأنا نصرخ من هذه الخطوة الكارثية، وهي كذلك فعلا، ولكن ماذا فعلنا، أو هل نملك القوة والوسيلة لمنعها في ظل الوضع المؤلم الذي تعيشه الأمة الإسلامية حاليا؟ وهل منعنا احتلال القدس، ووقف اقتحاماتها وتهويدها؟ وهل هناك من انتصر للمرابطين من أهل الأرض المحتلة الذين يضحون بأرواحهم ودمائهم، للحفاظ على عروبتها وإسلامها؟

 

نقطة أخرى يتوقف عندها الكثيرون، وهي تهديد ترامب بمنع المسلمين من دخول أمريكا، وهو تصرف عنصري بغيض وفاشي، ولكن من حقنا أن نسأل، هل فتحت الدول العربية، والخليجية منها خاصة، حدودها أمام اللاجئين السوريين أو العراقيين قبلهم، وهي التي تتحمل المسؤولية الأكبر عن مأساتهم، عندما ضخت مليارات الدولارات لإسقاط الحكم في سورية، وأيدت الغزو والحصار وتغيير النظام في العراق.

 

لماذا لا يأتي الرد بمنع الأمريكيين من دخول أكثر من خمسين دولة إسلامية؟ ولماذا يذهب المسلمون إلى أمريكا بالأساس؟ هناك بدائل أخرى عديدة، ولا نعتقد أن المسلمين سيموتون حسرة إذا لم يطأوا الأرض الأمريكية كزوار أو مهاجرين، ويجب أن يكون الرد بالالتفات إلى حكامهم الفاسدين الذين أهدروا ثرواتهم، وسرقوا ثمار عرقهم، ووضعوها في البنوك الأمريكية، الرد أيضا في العمل من اجل الحكم الرشيد والمساواة والعدالة الإجتماعية والإصلاحيات السياسية والإقتصادية.

***

لسنا من المؤيدين للرئيس ترامب، ولا يمكن أن نكون من بين مريديه، أو أي رئيس أمريكي آخر، لأننا نؤمن إيمانا قاطعا بأن معظم مصائبنا جاءت من أمريكا والحكام العرب المتحالفين معها، ولكننا أردنا أن نقدم قراءة مختلفة لهذا الزلزال الانتخابي الأمريكي، وكيفية التعاطي معه، وأن نؤكد في الوقت نفسه أن اعتمادنا الأول والاهم كعرب ومسلمين أن يكون على أنفسنا، وفرض احترامنا على الآخرين، لا أن يكون من المرعوبين من كل نتائج انتخابات أمريكية رئاسية، ونحن الذين لا نعرف شيء اسمه انتخابات إلا ما ندر.

 

أمريكا تتغير، ووصول ترامب إلى البيت الأبيض هو بداية هذا التغيير، والمنطق يقول إنه يجب علينا أن نتغير أيضا، ونتعلم من أخطائنا الكارثية، وأن نتخلص من عقلية التبعية للكفيل الأمريكي الذي يريد فرض “الجزية” علينا، ونهب ما تبقى من ثرواتنا.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/11/09

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد