كيف تُجَسِّد “مسيرة الأعلام” اليهوديّة وشِعارات المُشاركين فيها البذيئة ضدّ الإسلام حالة الهوان العربي والإسلامي؟
عبد الباري عطوان
بعد مُرور أيّام على التوصّل إلى هُدنةٍ، ووقف إطلاق النّار في حرب الأيّام الـ11 الأخيرة على قطاع غزّة، ما زالت الأوضاع تقريبًا على حالها، والتّوتّر في ذروته، والحِصار الخانق مُستَمِرًّا، وواصلت طائرات حربيّة إسرائيليّة غاراتها على بُنى تحتيّة لحركة “حماس” في قطاع غزّة.
مسيرة الأعلام الاستفزازيّة انطلقت في موعدها يوم الثلاثاء الماضي تحت حراسة آلاف الجُنود، وعناصر قوّات الأمن الإسرائيليّة، والأكثر استِفزازًا الشّعارات التي ردّدها اليهود المُشاركون فيها مِثل “الموت للعرب” و”دينكم مسخرة”، “العربي ابن زنا”، “النّكبة الثّانية في الطّريق”، “السعوديّة، الإمارات، لبنان، السودان معنا فمَن مَعكُم”، “فِلسطين ميّتة لا يُوجَد شيء اسمه فِلسطين”.
عمليّات الاغتِيال للفِلسطينيين مُستَمرّة أيضًا، اليوم استشهدت إمرأة فِلسطينيّة في مِنطقة أبو ديس برصاص الجيش الإسرائيلي، وقبلها جرى اغتِيال شابّة في مُقتَبل العُمر، علاوةً على اعتقال العشَرات من النّاشطين المُدافِعين عن المُقدَّسات في وجه الاعتِداءات الإسرائيليّة.
***
اللّافت وسط هذا التوتّر وأعمال الاغتِيال المُتصاعدة أنّ أصواتًا تعالت تُطالب حركتيّ “حماس” و”الجهاد” وباقي فصائل المُقاومة في القِطاع بالرّد على هذه الاعتِداءات والاستِفزازات الإسرائيليّة بالصّواريخ، وقصف تل أبيب وبئر السبع والقدس المحتلّة مُجَدَّدًا ردًّا على مسيرة الأعلام، وبعض هؤلاء المُطالبين من العرب، وبعضها أقلام فِلسطينيّة، للأسف ومن دوافع ومُنطَلقاتٍ عقائديّة خِلافيّة.
مسؤوليّة الرّد على المُستوطنين المُشاركين في مسيرة الأعلام ليست مسؤوليّة فصائل المُقاومة والمُرابطين في القدس، وإنّما كلّ العرب والمُسلمين، فهؤلاء تطاولوا على الرّسول محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى الدّين الإسلامي، وهتَفوا بالموت للعرب وشِعارات عُنصريّة مُقزِّزَة، ولو كانوا يَعرِفون أنّ هذه الإهانات يُمكِن أن تُحَرِّك دِماء الشّرف والكرامة في شرايين أكثر من مِليار ونِصف المِليار عربي ومُسلم لما تواجدوا أساسًا على الأراضي العربيّة الفِلسطينيّة، ولما اقتحموا المسجد الأقصى وقبّة الصّخرة.
عندما هبّت فصائل المُقاومة في قِطاع غزّة المُحاصر، المُجوّع، وقصفت تل أبيب والقدس وأسدود وعسقلان وبئر السبع، والمُدن المحتلّة الأخرى بالصّواريخ دِفاعًا عن الأقصى، بقرار أُحادي لم يَقِف إلى جانبها أيّ جيش عربي، والتزمَت مُعظم الحُكومات العربيّة والإسلاميّة الصّمت، وكأنّ حِمايَة الأقصى مسؤوليّة الفِلسطينيين وحدهم.
أربعة آلاف صاروخ انطلقت من القِطاع البطل الصّامد، استنزفت صواريخ القبب الحديديّة ودمّرت سُمعتها، واستمرّت حتّى آخِر دقيقة فقط من موعد بدء هدنة وقف إطلاق النّار التي استَجداها بنيامين نِتنياهو رئيس الحُكومة الإسرائيليّة في حينها، وتوسّل للرئيس الأمريكي جو بايدن للتّدخّل لأنّ إسرائيل لا تستطيع تحمّل إطالة هذه الحرب بعد أن عزلتها عن العالم، وأرسلت ستّة ملايين من مُستَوطِنيها إلى الملاجئ.
الحرب معارك وجولات، وأبطال قطاع غزّة لن يتوقّفوا عن مُقاومة الاحتِلال حتى تحرير آخِر ملّيمتر من أراضيهم المُقدَّسة، وجميعها مُقدَّسة، من البَحر إلى النّهر، ومن حقّق الاكتِفاء الذّاتي من الصّواريخ من مُختلف الأبعاد والأحجام، وحقّق مُعجزة الرّدع مع أحد أقوى أربع جُيوش في العالم يَعرِف جيّدًا واجباته، ويختار توقيت الرّد وحجمه وأدواته، وإذا هَدَّدَ فعَل.
وحدة البالونات الحارقة على حُدود قطاع غزّة، عادت إلى العمل، وبتكنولوجيا أكثر فاعليّةً، وتسبّبت في اشتِعال أكثر من 20 حريقًا في المُستوطنات والمزارع المُحاذية للقِطاع حتّى الآن، وستَعود الصّواريخ أيضًا إلى الانطِلاق في أيّ لحظة، وعلينا أن نتذكّر أنّ من بادر بإطلاقها في الحرب الأخيرة هي فصائل المُقاومة التي لم تُرهِبها مُطلقًا طائرات “إف 16″ و”إف 15” الإسرائيليّة وصواريخها، وكانت نِدًّا قويًّا ويسعى مُجاهديها للشّهادة.
***
نَشعُر بالألم ونحن نسمع ونُشاهد مسيرات المُستوطنين المُتطرِّفين اليهود يتباهون بصداقة حُكومات عربيّة والتّطبيع معها، ويصرخون بأعلى أصواتهم في الوقت نفسه بشعاراتٍ مُسيئةٍ للعرب والعقيدة الإسلاميّة والرّسول محمد صلى الله عليه وسلم، ويزداد ألمنا وغيظنا، أنّ هؤلاء المُطبِّعين لا يُحَرِّكُون ساكنًا، وأنّ من تظاهروا ضدّ الرّسوم الكرتونيّة الفرنسيّة والاسكندنافيّة الشّهيرة لم يتحرّكوا ويتظاهروا بالشَّكلِ المأمول.
المُقاومة الفِلسطينيّة انتصرت في آخِر جولات الحرب مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي وكسرت أنفها، وأطاحت بالمُتَغطرِس نِتنياهو، والتّوتّر يتصاعد، ففصائل هذه المُقاومة عاهدت الله، وأوفت بالعهد، وغيّرت كُلّ المُعادلات على الأرض، مُعتَمِدًة على الله ثمّ رجالها، وسيكون النّصر حليفها حتمًا..
والأيّام بيننا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2021/06/18