نعم.. أوباما وكلينتون ساهما في تأسيس “الدولة الإسلامية” بطريقة أو بأخرى..
عبد الباري عطوان ..
لا نعتقد أن دونالد ترامب المرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة مهرجا، أو مجنونا، أو لا يعي ما يقول، وهي الصفات التي درج البعض على توجيهها إلى الزعيم الليبي معمر القذافي، خاصة في الصحافة المصرية، وفي ذروة خلافه مع الرئيس محمد أنور السادات، أو خلفه حسني مبارك، فلو كان العقيد القذافي “مجنونا” لما حكم ليبيا أربعين عاما، ولما تحولت إلى فوضى دموية من بعده، رغم اختلافنا مع الكثير من سياساته، والقمعية منها على وجه الخصوص.
نقول هذا الكلام بمناسبة الاتهامات التي وجهها المرشح ترامب إلى غريمته السيدة هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية، ورئيسها السابق باراك اوباما، بوقوفهما خلف تأسيس “الدولة الإسلامية”، فقد استطاع الرجل، مثل نظيره الزعيم الليبي، لفت الأنظار، والسيطرة على عناوين معظم الصحف، ونشرات التلفزة الرئيسية، ووسائط التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها، وهذا في حد ذاته منهج دعائي لا يجب التقليل من شأنه، لأنه مدرسة في حد ذاته، له خبراء وتلاميذ ومنظرون.
***
صحيح أن ترامب تراجع عن هذا الاتهامات أمس (الجمعة) في بيان نشره على صفحته في “الفيسبوك”، وقال أنه أطلقها من قبيل “التهكم”، ولكن الهدف من إطلاقها تحقق بطريقة أو بأخرى، بالنسبة إلينا على الأقل، لأن هناك بعض جوانب الصحة فيها، علاوة على كونها لفتت الأنظار إلى السياسة الأمريكية الدموية في منطقتنا العربية، والأسس التي ترتكز عليها.
الرئيس أوباما لم يؤسس تنظيم “الدولة الإسلامية” قطعا، والشيء نفسه يقال عن وزيرة خارجيته السابقة كلينتون، ولكن المحافظين الجدد، ومعظمهم من الجمهوريين، لعبوا الدور الأكبر في توفير البيئة الحاضنة لنموها، عندما هيمنوا على الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، ووظفوه في خدمة المصالح الإسرائيلية، وأقنعوه بغزو العراق واحتلاله، وحل جيشه ومؤسساته، وترسيخ الطائفية وأحقادها، وتغيير أنظمه عربية كانت تكن العداء للسياسات الأمريكية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، وحروبه ضد العرب والمسلمين، مثلما هي داعمة ومشجعة أيضا للأنظمة التي تطبع علاقاتها معه.
السيدة كلينتون التي تتقدم في استطلاعات الرأي بأكثر من سبع نقاط على خصمها ترامب، أيدت بقوة الحرب على العراق، وتغير نظامه بالغزو، وساهمت بذلك في قتل مليون عراقي تحت الحصار، ومليون آخرين بفعل صواريخ الطائرات والدبابات الأمريكية، مثلما كانت من أكثر المتحمسين لقصف ليبيا وتغيير نظامها، وإعطاء ضوء أخضر لقتل الزعيم معمر القذافي وسحله، والاعتداء جنسيا على جثمانه، عندما لم تعترض على مكافأة أعلن السيد مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الليبي المؤقت، عن رصدها لأي شخص يقتله أو يعتقله، وهي تقف إلى جانبه.
الرئيس أوباما عارض الحرب على العراق، على عكس كلينتون، ولكنه كان من أكبر المؤيدين لإرسال حلف “الناتو” وطائراته الحربية لقصف ليبيا، وعبر عن ندمه الشديد لاحقا على هذا القرار الذي وصفه بأنه أكبر خطأ ارتكبه أثناء رئاسته، ولكنه ها هو يعود مرة أخرى، ويتبنى الخطأ نفسه بإرساله قوات أرضية لقتال “الدولة الإسلامية”، والقضاء على وجودها في مدينة سرت، ولكنه بمثل هذه الخطوة قد يؤدي إلى إضفاء “الشرعية” عليها، ويساعد في انضمام المئات، وربما الآلاف إلى صفوفها، لأنها تقاتل أمريكا التي أوصلت ليبيا مثلما أوصلت العراق قبلها، إلى حالة الفوضى الدموية الراهنة.
نحن هنا بانتقادنا السيدة كلينتون، والنبش في ماضيها، والتحذير من سياساتها في التدخل بقوة أكبر في ليبيا والعراق وسورية، لا نقف في خندق ترامب، ولا نفضله عليها، فهو بالنسبة إلينا، بما يتبناه من سياسات عنصرية ضد المسلمين، وغير الأمريكيين البيض، إنما يعكس الوجه الأمريكي الحقيقي في أبشع صوره، دون أي رتوش، أو أقنعة تجميلية.
***
المرشح ترامب وصل إلى ما وصل إليه من مكانه في سباق الرئاسة الأمريكية بأصوات أمريكيين، وفي انتخابات نزيهة حرة، والشيء نفسه يقال أيضا عن السيدة كلينتون، ولكن مع فارق أساسي، وهو أن أفكاره تحظى بتأييد شريحة كبيرة من الشعب الأمريكي، وهي الشريحة الحاكمة فعليا للبلاد.
التهكم على ترامب من قبل البعض، قد يكون خطأ كبير، وسوء تقدير، وقراءة غير متعمقة للسياسات الأمريكية، وحقيقة مواقف وتطلعات الشعب الأمريكي، والقوى السياسية التي تحركه وتتحكم بقراره، الأمر الذي يذكرنا بالمتهكمين على العقيد معمر القذافي، وباتت نسبة كبير منهم، والليبيون خاصة، تترحم على أيامه.
أمريكا هي التي وقفت، وتقف، خلف ظاهرة “الدولة الإسلامية”، وسياساتها في المنطقة هي التي تعززها، وتسهل انتشار عقيدتها المتشددة في أكثر من عشرين دولة حتى الآن، سواء كان ذلك متعمدا أو بالصدفة المحضة، وأوباما وكلينتون وترامب، ومن قبلهم “البوشان” الأب والابن كلهم أمريكيون.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/08/14