يتباكون على مأساة اللاجئين في “قمة” نيويورك؟ فمن خلق هذه المأساة؟ أليست تدخلاتهم العسكرية؟
عبد الباري عطوان ..
عقدت الأمم المتحدة يوم أمس الاثنين “قمة اللاجئين” على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث توالت الخطابات من على منبرها تبكي وتذرف الدموع الغزيرة على أحوال هؤلاء، وضرورة تقديم العون لهم وإيجاد حلول جذرية لمعالجة هذه المأساة، بما في ذلك خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ولكن لم يتطرق أي من المتحدثين إلى الجوهر الأساسي لهذه المأساة، وهو التدخلات العسكرية الغربية، وعقوق الدول الغنية.
الرئيس أوباما دعا المجتمع الدولي لبذل المزيد من الجهود لمساعدة اللاجئين الفارين من النزاع في سورية وغيرها من الدول المنكوبة من الحروب، ولكنه لم يتطرق مطلقا إلى دور بلاده في هذه النزاعات، وفشلها في إيجاد حلول لها، وإغلاق أبوابها في وجوههم، واستقبال أعداد محدودة فقط، ذرا للرماد في العيون.
يتطلع المشاركون في هذه القمة إلى جمع ثلاثة مليارات دولار تكون نواة صندوق لمساعدة اللاجئين، وهو رقم متواضع جدا لأن دولة واحدة من الدول المتدخلة في الصراع في سورية دفعت ضعفي هذا المبلغ على شكل مساعدات مالية وصفقات أسلحة، أما الولايات المتحدة فدفعت نصف مليار دولار تدريب أقل من 300 متطوع وتسليحهم، هرب معظمهم في أول مواجهة.
***
جميع الدول الغنية، باستثناء ألمانيا، أغلقت أبوابها في وجه اللاجئين السوريين، ورصدت دول الاتحاد الأوربي مبلغ ستة مليارات دولار “رشوة” لتركيا لإغلاق حدودها في وجههم، ومنع ركوبهم قوارب الموت عبر موانئها للتسلل إلى أوروبا بحثا عن الأمان، ولقمة عيش كريمة.
أكثر من سبعة آلاف لاجئ غرقوا في المتوسط في العامين الماضيين فقط، لأن عمليات “الإنقاذ” توقفت جزئيا، وهناك تقارير تقول بأن بعض القوارب جرى إغراقها عمدا، بمن فيها في عرض البحر، وتقول تقارير للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن العام المقبل سيشهد زيادة كبيرة في أعداد الضحايا.
الأمير محمد بن نايف، ولي عهد السعودية، الذي مثل بلاده في هذه القمة، قال في كلمته التي ألقاها أمس، إن بلاده استوعبت مليونين ونصف المليون لاجئ سوري، ولا نعرف كيف وصل هؤلاء إلى السعودية، على ظهر طيور أبابيل مثلا؟ فالحدود السعودية مع الأردن والعراق مغلقة بالكامل، ولا تستطيع ذبابة التسلل عبرها، والمملكة العربية السعودية من أكثر، أن لم تكن أكثر، الدول تدخلا عسكريا وسياسيا في الملف السوري، وأنفقت المليارات في هذا الإطار، والشيء نفسه يقال عن قطر والكويت والإمارات، وأن كنا نعترف بأن المسألة نسبية.
الدول العربية الفقيرة المعدمة هي التي فتحت أبوابها، وقلوب شعوبها للاجئين السوريين، مثل لبنان الذي يوجد مليونان منهم على أرضه، أي نصف عدد سكانه، والأردن الذي يستضيف مليونين آخرين، أي ثلث أعداد مواطنيه، وهناك ملايين من اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين، ولا ننسى السودان أيضا الذي لم يغلق أبوابه في وجه أي لاجئ سوري، والقائمة تطول.
***
الرئيس أوباما اعترف بأن أكبر خطأ ارتكبه في فترتي رئاسته هو التدخل عسكريا في ليبيا، وأبدى ندمه، وقبل أسبوع كررت لجنة تحقيق تابعة للبرلمان البريطاني الندم نفسه، ولكن بطريقة تنطوي على الكثير من المراوغة وانتقاء الكلمات بعناية فائقة، على الطريقة الإنكليزية، ولكن الرئيس أوباما، وأعضاء البرلمان البريطاني، لم يقولوا كلمة تعاطف واحدة مع أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ ليبي يعيشون في ظروف معيشية سيئة في دولتين عربيتين فقيرتين أيضا، لا تملكان نفطا، ولا ذهبا، وهما تونس ومصر.
من يريد حل مشكلة اللاجئين، ومن المؤلم أن الغالبية الساحقة منهم عرب ومسلمين، عليه أن يتوقف عن التدخل عسكريا في شؤونهم، وإرسال القوات الخاصة والعامة لتخريب دولهم، وتحويلها إلى دول فاشلة تسودها الفوضى الدموية، وبذر بذور الفتن، الطائفية والعرقية فيها لتأجيج الصراعات والحروب الأهلية.
منطقة الشرق الأوسط كلها، ودون أي استثناء تتعرض لـ “مؤامرة” لتفتيتها، وإغراقها في الحروب، ونهب ثرواتها، وتسليط سيف الإرهاب فوق رؤوسها، وملاحقتها قانونيا، لامتصاص أرصدتها أولا، ورهن نفطها وغازها لعقود قادمة.. والأيام بيننا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/09/21