“فيتو” أوباما سقط بطريقة مخجلة في مجلسي الشيوخ والنواب
عبد الباري عطوان ..
لم يفاجئنا التصويت الكاسح في مجلسي الشيوخ والنواب الذي أطاح بـ”فيتو” الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ضد تشريع يتيح لأقارب ضحايا هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عام 2001 برفع دعاوى قضائية ضد الحكومة السعودية للمطالبة بتعويضات، ولكن ما فاجأنا هو سرعة التصويت لإجهاض هذا “الفيتو” أولا، والأغلبية الساحقة، وغير المسبوقة من الأصوات ضده ثانيا.
ففي مجلس الشيوخ مثلا لم يصوت مع “الفيتو” إلا سيناتور واحد من بين 97، مما يكشف حجم الحقد والكراهية ضد السعودية، الحليف الأوثق لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط والعالم على مدى أكثر من سبعين عاما، هل يعقل أن هذا الحليف الذي خاض حروب أمريكا كلها لا يحظى إلا بتأييد صوت واحد في مجلس الشيوخ؟
إنه ليس قانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب”، مثلما يقول اسمه، وإنما قانون الانتقام من هذا الحليف الذي برأته تحقيقات لجنة الكونغرس من أي دور رسمي، مباشر أو غير مباشر، في هذه الهجمات، لان دوره انتهى، ولم يعد التحالف معه مفيدا.
***
العلاقة الإستراتيجية بين المملكة العربية السعودية وأمريكا التي وضع اللقاء بين العاهل السعودي الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، والرئيس الأمريكي روزفلت على ظهر السفينة الحربية في قناة السويس عام 1945 أسسها الأولى انتهت، أو أنهيت من الجانب الأمريكي، لأن البقرة السعودية الحلوب انهارت وضرعها المالي جف، ونفطها لم يعد حاجة أمريكية.
هذه العلاقة الإستراتيجية قامت على أساس قاعدة من المفترض أن تكون صلبة أي “الحماية الأمريكية مقابل النفط السعودي”، الحاجة الأمريكية للنفط انتهت، بفعل النفط الصخري (عشرة ملايين برميل يوميا)، وإيجاد مصادر أخرى بديلة، ولهذا انتهت الحماية، وتحول الحليف إلى عدو في غمضة عين.
السعودية باتت تقف حاليا على حافة عملية “ابتزاز″ مالي وسياسي غير مسبوقة، في وقت تقلصت احتياطاتها المالية وانكمشت، وباتت تفرض ضرائب وسياسات تقشفية على مواطنيها لخفض العجوزات الضخمة في ميزانياتها، فهناك 750 مليار دولار من الاستثمارات والودائع والأصول المالية السعودية في أمريكا من بينها 119 مليارا سندات خزانة، سيتم وضع اليد عليها وتجميدها، ربما كدفعة أولى من دفعات عديدة متوقعة لتعويض ضحايا الهجمات، يقدرها الخبراء بحوالي 3.3 تريليون دولار، مما يعني، إذا ما صدقت هذه التقديرات، أن النفط السعودي سيظل مرهونا لأمريكا لعشرات السنين لتسديد قيمة التعويضات المطلوبة.
أمريكا ورطت السلطات السعودية في حرب في سورية، وأخرى في اليمن، وثالثة في ليبيا، وقبل كل هذا وذاك في أفغانستان، ثم تخلت عنه، وانقلبت عليها، وتركتها تواجه مصيرها، لوحدها، في إطار خططها الانتقامية التي جرى وضعها في غرف سوداء مظلمة قبل عدة سنوات.
أمريكا لم تأبه بتهديدات السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي بسحب الاستثمارات، ولم تغير موقفها بزيارة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي إليها قبل بضعة أشهر، ولم تعر أي اهتمام لعروض شراء الأسلحة، وضخ استثمارات جديدة لإنعاش اقتصادها، لأن “المؤسسة” الأمريكية قررت إشهار سيف العداء والانتقام، وما على مجلسي النواب والشيوخ غير التنفيذ، و”فيتو” أوباما كان لذر الرماد في العيون.
***
أيام السلطات السعودية القادمة ستكون صعبة جدا على المستويات كافة، بعد أن طعنها الحليف الأمريكي في الصدر، والظهر، والجيب معا، وفي التوقيت الأكثر حراجة في تاريخها الحديث، وبقسوة فاجرة.
لا حصانة للدول.. ولا حصانة للحلفاء.. لا صداقة مع العرب.. جميع هذه الاعتبارات تسقط عندما تقرر “المؤسسة” الأمريكية الحاكمة إسقاطها، دون أي اعتبار لمن يسكن البيت الأبيض.
بدأوا بالعراق.. ومن ثم ليبيا.. انتقلوا بمعاولهم إلى سورية.. ووظفوا العرب وجامعتهم وأموالهم في عمليات التدمير هذه، والآن جاء دور الحليف السعودي، الذي خاض جميع هذه الحروب دون تلكؤ وبحماس لافت.
لم نكن أبدا مع أمريكا، ولم نقف مطلقا في خندقها، ولم نثق بنواياها، ولم ننخدع بوعودها المعسولة حول العدالة والديمقراطية، ووقفنا دائما في الخندق الآخر، ولهذا نشعر براحة ضمير.
ماذا تستطيع القيادة السعودية أن تفعل تجاه هذا العقوق من قبل حليفها؟
لا نعتقد أن الاستعانة ببعض الصهاينة الأمريكيين مثلما نرى حاليا، لتوظيفهم في “لوبيات” للدفاع عنها أمراً مجدياً، ولا نرى أن التقارب مع الإسرائيليين مثلما ينصح بعض المطبعين من أبنائها هو الحل، الأمر يتطلب “انقلاباً” على كل السياسات السابقة التي أدت إلى هذه النهايات، ولكننا لا نعتقد أن القيادة السعودية تحبذ الانقلابات، إلا إذا كانت خارج حدودها، وفي الدول العربية التي لا تقف في خندقها.
الأيام المقبلة تشي بالكثير.. وما علينا إلا الانتظار.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/09/29