أبرز الرابحين من فوز ترامب.. لن نغرق في التفاؤل حتى لا نُصدم لاحقا
عبد الباري عطوان ..
الخطأ الكبير الذي يقع فيه معظم الكتاب والمحليين العرب والأجانب، هو التركيز على سياسات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب المتعلقة بالشؤون الخارجية، وتناسي حقيقة أساسية، وهي أنه حقق المفاجأة الكبرى بسبب تركيزه على لقضايا الأمريكية الداخلية، والهجرة، والوظائف منها على وجه الخصوص، مما يعني أنه سيركز على الداخل الأمريكي بالدرجة الأولى، لأن إعادة بناء أمريكا من الداخل هو الذي سيعيد قوتها وعظمتها في الخارج، حسب رأيه وخططه المستقبلية.
رغم كل ما تقدم لا ننفي، وعلى ضوء المعيار نفسه، وجود خطوط عريضة لسياسة خارجية أمريكية في العهد الأمريكي الجديد، ولو مرحلية، يمكن من خلال تأمل خطوطها العريضة، رسم خريطة للرابحين والخاسرين مع التأكيد بأن معظم مرتكزات سياسة حكومة باراك أوباما ستشهد تغييرا جذريا في المرحلة المقبلة.
لو بدأنا بالرابحين، فإن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والسوري بشار الأسد، هما أبرزهم، فالرئيس ترامب يكن إعجابا واحتراما كبيرين لنظيره الروسي، ويرى أنه يقاتل ضد “الجهاديين” في سورية، ولذلك سيقاتلهم معه، ويقف في خندقه، ولن يقاتل الرئيس الأسد بل “الدولة الإسلامية”، ورفض الرئيس ترامب إدانة الهجوم الروسي في حلب أو غيرها.
والقتال مع روسيا ضد “الدولة الإسلامية” و”الفصائل الجهادية” الأخرى، هو قتال مع الرئيس الأسد أيضا، وليس ضده، الأمر الذي يجعل الأخير في وضع أكثر شرعية واستقرارا في نظر الإدارة الأمريكية الجديدة، وكان لافتا أن الرئيس ترامب الذي عارض احتلال العراق وتدخل حزب الناتو في ليبيا، أكد أنه لا يريد “تصدير” الديمقراطية الأمريكية، وتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط، وهذا يصب في مصلحة أنظمة عديدة من بينها، و على رأسها، النظام السوري.
وربما يكون الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من أقوى الأعضاء في نادي الرابحين، فالرئيس ترامب أبدى احتراما له أثناء لقائه به على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ووعد بتعزيز العلاقة مع مصر في حال فوزه، واننتقد سياسة إدارة أوباما في دعم حركة “الإخوان المسلمين”.
أما إذا تناولنا الحديث عن إيران فإنها في معسكر الرابحين والخاسرين معا، فهي تقف في معسكر الرابحين لأنها تنتمي إلى التحالف الروسي السوري، الذي يميل إليه ترامب، ودعمه في الملفين السوري والعراقي، ولكن إذا حاول ترامب تعديل بنود في الاتفاق الإيراني النووي، مثلما تعهد في حملته الانتخابية فهذا سيضعه في مواجهة مباشرة مع إيران، ولكننا نستبعد ذلك لأنه ليس كل ما يعد به المرشحون يطبقونه، كما أن هذا ليس اتفاقا أمريكيا إيرانيا وإنما هو اتفاق بين إيران والدول الست العظمى اعتمدته الأمم المتحدة، وتعديله، أو إلغاءه، ربما يخدم إيران ويرفع القيود عنها، حيث تقوم بالرد عليه بالتخصيب وإنتاج أسلحة نووية، وهذا قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية، لا نعتقد أن ترامب يريدها.
موقف ترامب من الصين كان غير واضح، فبينما تجنب توجيه أي انتقادات مباشرة لها، إلا أنه أبدى اعتراضا قويا على إغراق بضائعها للأسواق الامريكية، ولوح باستخدام سلاح “الحماية” لتقليص منافسة هذه البضائع لنظيراتها الأمريكية من خلال فرض ضرائب عليها حتى لو تعارض ذلك مع اتفاقيات التجارة الحرة.
أما إذا انتقلنا إلى معسكر الخاسرين المحتملين، فإن المعارضة السورية المعتدلة والمسلحة معا قد تكون أبرزهم، فهذه المعارضة والتحالف العربي الداعم لها، كانا يعدان الأيام لذهاب الرئيس أوباما وإدارته، وتسلم الرئيس الأمريكي الجديد لمهامه، وسط شبه أكيد بأنه سيكون السيدة هيلاري كلينتون، التي توعدت بتسليح هذه المعارضة بأسلحة نوعية متقدمة، وإقامة مناطق حظر جوي في سورية، تمهيدا لإسقاط الرئيس الأسد ونظامه، ولكن فوز ترامب غير المتوقع بدد كل هذه الآمال ويَتّم هذه المعارضة، وقضى على معظم آمالها، وأعطى ضوءا أخضر لتشكيل تحالف
أمريكي روسي سوري للقضاء عليها.
المملكة العربية السعودية كانت تفضل فوز السيدة كلينتون، ليس لأنها الأفضل بل الأقل ضررا، لأنها تدرك أن الرئيس المنتخب لا يكن لها ولدول خليجية أخرى الكثير من الود، رغم كلمات المجاملة التي تبادلها مع العاهل السعودي في المكالمة التي جرت بينهما، فاذا كان الرئيس أوباما وصفها في مقابلته الشهيرة لمجلة “اتلانتيك” بأنها تريد ركوبا مجانيا على ظهر أمريكا، فإن الرئيس ترامب يريدها أن تدفع وبأثر رجعي تعويضات مالية لأي حماية أمريكية تمتعت بها، فلا حماية، ولا ركوب مجاني بعد اليوم، والأخطر من ذلك أن ترامب من
أكثر المتحمسين لقانون “جيستا”، الذي يحرض الأمريكيين المتضررين من تفجيرات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) على مقاضاة السعودية، والحصول على تعويضات مالية كبيرة.
ويظل من الصعب علينا تصنيف كل من الفلسطينيين والإسرائيليين حسب تصريحات ترامب ومواقفه، ووضعهما في معسكري الرابحين أو الخاسرين، فقد تعهد بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وأوحى بأنه سيتبنى سياسة حيادية في الصراع العربي الإسرائيلي في الوقت نفسه، ولم يكن هناك أي دور للوبي اليهودي (ايباك) في فوزه، ولم يحصل على أي تبرعات منه أو غيره دعما لحملته الانتخابية، ولكن تظل إسرائيل الحليف الاوثق لكل الإدارات الأمريكية، انطلاقا من عقدة الذنب الغربية تجاه اليهود وما لحق بهم من أذى تحت حكم النازي في المانيا، ولذلك نميل إلى وضع الفلسطينيين في معسكر الخاسرين من قبيل الاحتياط.
لا نجادل مطلقا في صحة المقولة التي تؤكد أن العرب والمسلمين يجب أن يكفوا عن المراهنة على الانتخابات الأمريكية ونتائجها، ويعتمدوا على أنفسهم، ولكن ربما تكون هذه المقولة أكثر منطقية في زمن كنا نملك فيه العراق القوي، وسورية القوية، ومصر عبد الناصر، وجزائر هواري بومدين، وسعودية فيصل بن عبد العزيز، وإمارات الشيخ زايد، أما الآن، وفي ظل حالة الانهيار العربي، باتت الصورة مؤلمة.
لن نتفاءل كثيرا بوصول ترامب إلى سدة الرئاسة حتى لا نصاب بخيبة أمل لاحقا، ولكن لا نملك خيارات أخرى غير ذلك، و”الغارق يتعلق بقشة”، مثلما يقول المثل، وما علينا إلا الانتظار، فالرجل لم يجلس على كرسي العرش الأمريكي بعد.
أضيف بتاريخ :2016/11/11