لماذا لم يرسل الرئيس الأسد برقية تهنئة أسوة بـ”زملائه” العرب؟
عبد الباري عطوان ..
كشفت نتائج الانتخابات الأمريكية، وفوز دونالد ترامب المرشح الجمهوري المفاجيء على وجه التحديد، عن العديد من المفارقات التي يمكن التوقف عندها، بعد انقشاع الغبار، وظهور الحقائق واضحة على الأرض.
المفارقة الأولى تكمن في أن الرئيس العربي الوحيد الذي من المفترض أن يكون أول المهنئين للرئيس المنتخب الفائز، لم يرسل بطاقة أو برقية تهنئة، والمقصود هنا هو الرئيس السوري بشار الأسد، لأنه ربما يكون أبرز المستفيدين، أو أقل المتضررين، من هذا الفوز، بينما اندفع المرعوبون إلى هواتفهم متصلين، ومهنئين، ومباركين، وعارضين خدماتهم للتعاون.
الرئيس ترامب قال إنه لن يقاتل لإسقاط الرئيس السوري، وإنما “الدولة الإسلامية” لأن النتائج التي يمكن أن تترتب على إسقاطه قد تكون أكثر كارثية من نظيراتها في العراق وليبيا واليمن.
لا نعرف لماذا لم يحاول الرئيس الأسد الاتصال بالرئيس المنتخب ترامب، أو بادر بإرسال برقية تهنئة له، وربما يكون فعل ذلك دون إعلان، أو لجأ إلى حلفائه الروس، والرئيس فلاديمير بوتين تحديدا ليقوم بهذه المهمة نيابة عنه.
المفارقة الثانية تكمن في اعتذار مجلة “الايكونوميست” البريطانية العريقة لقرائها عن سوء تقديرها لقوة المرشح ترامب، وحالة الغضب التي تسود قطاعات عريضة من المجتمع الأمريكي ضد المؤسسة الأمريكية الحاكمة، والنخبة السياسية، فالمواطن الأمريكي لم يصوت على تغيير حزب حاكم، إنما على التصويت لتغيير نظام حكم، فالمواطن الأمريكي بات يشعر بالعزلة والتهميش من قبل المؤسسة والنخبة السياسية معا، ولم يعد يحصل على حقه من الرخاء الاقتصادي، وارتفاع مستوى معيشته بالتالي، وأصبح يتهم “نخبة واشنطن” وإمبراطوريتها الإعلامية، بخداعه والاشتراك في “مؤامرة” ضده.
***
فإذا كان الشعب الأمريكي الذي يتمتع بنظام ديمقراطي يسمح له بتغيير رئيسه كل أربعة أعوام، ونصف نوابه وشيوخه كل عامين، وصحافة وسائل إعلام مفترض أنها حرة، يشعر بالغبن، والتهميش، ويثور على المؤسسة الحاكمة بطريقة حضارية، وعبر صناديق الاقتراع، فماذا يقول المواطن العربي المطحون الذي لا يملك ترف التغيير هذا، ويذهب إلى السجن لعشرات السنوات عقابا على تغريدة كتبها على “التويتر” تنتقد الحكم وفساده لا تزيد حروفها عن 140 حرفا؟
الكلمات السحرية التي أدت إلى فوز ترامب هي الوظائف، والأمن، وإعادة العظمة إلى أمريكا، والحفاظ على هويتها العنصرية البيضاء، ومعظمها لا تنطبق على أي من الحكومات العربية، التي لا تشعر بحالة الغليان في الشارع نتيجة تدهور الخدمات وتفاقم الفساد، وحتى أن شعرت بها، تعاند تفهمها وأسبابها، وتلجأ إلى القمع كأقصر الطرق وأنجعها في العلاج.
أمام معظم القادة العرب، وفي منطقة الخليج على وجه الخصوص، ما يقرب من الثلاثة أشهر تقريبا، للتفكير حول كيفية التعاطي مع هذا الزلزال الأمريكي الذي ستصل أمواجه وتداعياته إلى المنطقة العربية، فكيف ستتعاطى معه، ووزير خارجيته الجديد، عندما يوقف كل أشكال الدعم للمعارضة السورية المسلحة التي جرى الرهان عليها طوال السنوات الخمس الماضية، وكيف ستحصن نفسها، وتضع خريطة طريق، لمواجهة قضايا بالآلاف أمام المحاكم تتهمها بدعم الإرهاب، والجماعات الإرهابية، بمقتضى قانون “جستا” الذي يدعمه ترامب بقوة، والأكثر من ذلك يريد ربع الدخل النفطي العربي مقابل الحماية التي تقدمها حكومته للدول المنتجة له في منطقة الخليج.
ربما يشعر بعض القادة العرب بالارتياح لأن ترامب تعهد بعدم تصدير الديمقراطية الغربية، وقيم حقوق الإنسان إلى بلدانهم، ويتخذها معيارا لتغيير الأنظمة، ولكن هناك جوانب أخرى في سياساته تبعث على القلق، وأبرزها اللهجة العدائية العنصرية للمسلمين والعرب، ومنعهم من الدخول أو الهجرة إلى أمريكا، خاصة بعد أن أعاد نشر هذا الموقف على موقعه الرسمي على “الانترنت” بعد أن جرى حذفه لمدة يومين بسبب خطأ تقني.
وزراء خارجية الدولة الأوروبية سيلتقون غدا “الأحد” في بروكسل في اجتماع عاجل لبحث مسألة فوز ترامب، ولا نعتقد أن وزراء الخارجية العرب سيفعلون الشيء نفسه، وحتى لو اجتمعوا، فعن أي عرب نتحدث، وما هي القواسم المشتركة بينهم، وماذا سيقولون لبعضهم البعض؟
***
المستر بول رايان، رئيس مجلس النواب الأمريكي (الكونغرس) الذي رفض تأييد ترامب في بداية حملته الانتخابية قال جملة معبرة جدا، تلخص أبرز أسباب شعبية ترامب وفوزه في الانتخابات، وهي “أنه استمع إلى أصوات لم يستمع إليها الآخرون بما في ذلك المؤسسة الحاكمة في واشنطن”، إلا تنطبق هذه الجملة على معظم، أن لم يكن، كل الزعماء والنخب السياسية والإعلامية العربية؟
مجلة “الايكونوميست” اعتذرت لقرائها، وكذلك شقيقتها مجلة “نيوزويك”، التي وضعت هيلاري كلينتون على غلافها كرئيسة قادمة لأمريكا يوم الانتخابات، ثم اضطرت لسحبه بطريقة مهينة ومخجلة، ولكن هل يعتذر الآخرون في إعلامنا العربي؟
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/11/13