هل تقبل المعارضة السورية الذهاب إلى مؤتمر الحوار والمصالحة المقترح في دمشق؟
عبد الباري عطوان ..
تواجه المعارضة السورية، بشقيها السياسي والعسكري، ظروفا هي الأصعب منذ بدء الأزمة قبل خمسة أعوام، فالعملية السياسية التفاوضية التي انطلقت سواء عبر مؤتمرات جنيف أو لقاءات فيينا تبخرت، وتتضائل الآمال بإعادة الحياة إليها، أما المسلحة منها فتعيش حالة انقسام وتقاتل داخلي، وتواجه حصارا خانقا في حلب وقصفا روسيا جويا سجاديا في الأحياء الشرقية، وسط صمتين عربي ودولي يوحيان بالموافقة والرضاء التام.
وسط هذه الصورة السوداوية تتواتر الأنباء عن تحضيرات تجري على قدم وساق لعقد مؤتمر يضم معارضين من داخل سورية وخارجها بدعم روسي يقوم على أرضية الحوار، ويمهد لعقد مؤتمر مصالحة وطني شامل، وهناك عدة عواصم مرشحة لاستضافة اجتماعه التحضيري الأول من بينها دمشق ومسقط ودبي والقاهرة.
الأسماء المرشحة للجنة التحضيرية تضم شخصيات مثل أحمد الجربا، معاذ الخطيب، جهاد المقدسي، جمال سليمان، أحمد عسراوي، وعلاء سعد الدين، علاوة على السيد حسن عبد العظيم رئيس هيئة التنسيق، ويعتقد أن هذه اللجنة ستظل مفتوحة لانضمام أعضاء آخرين.
صحيح أن بعض هذه الشخصيات الواردة اسماؤها بادرت بالنفي، وأكدت أنه لم يتم أي اتصال معها، ولكنه كان نفيا “غير حازم”، ولم يعارض الفكرة من أساسها، وربما جاء هذا النفي تجنبا للإحراج، لأن المكان المقترح لعقد المؤتمر الوطني الموسع كان العاصمة السورية دمشق، وتجري محاولات حاليا لتبديد هذا الإحراج، باقتراح عاصمة عربية أو موسكو لاستضافة الاجتماع الأول للجنة التحضيرية.
***
وما يؤكد هذا التوجه الجديد للحراك الدولي للبحث عن صفة جديدة للمصالحة، اللقاء الذي عقدته السيدة فيديريكا موغيريني في الأمارات يوم أمس مع ثلاث شخصيات سورية معارضة، وهي السيد حسن عبد العظيم (هيئة التنسيق) وأنس العبدة (الائتلاف الوطني) ويحيى قضماني (هيئة المفاوضات العليا في الرياض).
كان لافتا أن لهجة البيان الصادر عن مكتب العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي، كانت تصالحية ومختلفة وجديدة، حيث أكد أن السيدة موغيريني ناقشت مع الشخصيات السورية التي التقتها “المستقبل السياسي والمؤسساتي الممكن لسورية في مرحلة ما بعد الصراع والمصالحة، وإعادة الإعمار”، وأضاف البيان “أكدت السيدة موغيريني على الضرورة الملحة لإنهاء الاقتتال والدخول في محادثات سياسية تركز على انتقال سياسي حقيقي”.
لا نعتقد أن هذا اللقاء بين السيدة موغيريني وثلاث من شخصيات المعارضة تمثل ألوان طيف سياسي متعدد، من الداخل والخارج (الرياض، اسطنبول، دمشق)، جاء من قبيل الصدفة، وإنما في إطار ترتيبات مسبقة، كما أن اختيار الإمارات الدولة التي تلعب دورا أقرب إلى الحياد في الأزمة السورية، كان مدروسا بعناية، خاصة أن الحديث عن “إعادة الإعمار” أحتل ولأول مرة مكانا بارزا في هذه اللقاءات.
صحيح أن السيدة موغيريني كانت في الإمارات (أبو ظبي) للمشاركة في ندوة سياسية إستراتيجية تبحث شؤون المنطقة والعالم بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، ولكننا لا نعرف أسباب تواجد رموز المعارضة السورية الآخرين، ولا نستبعد أن تكون دعوتهم إلى الإمارات، سواء لحضور المؤتمر نفسه أو لأسباب أخرى جاءت بهدف إيجاد صيغة جديدة للعملية السياسية في سورية وتحت مظلة جديدة.
من الواضح أن هناك قناعة تتبلور أن المرحلة المقبلة في سورية ومنطقة الشرق الأوسط برمتها، ستكون مختلفة اختلافا جذريا بوصول ترامب إلى البيت الأبيض، وهو الوصول الذي قلب كل المعادلات المستمرة منذ ثماني أعوام (دورتا أوباما)، وغير الحسابات، ومواقف الأطراف إقليميا ودوليا، بالملف السوري خاصة.
رهان المعارضة السورية على إدارة أمريكية جديدة بزعامة السيدة هيلاري كلينتون التي وعدت بتسليحها وإقامة مناطق حظر جوي في سورية تمهيدا لإطاحة النظام، أو تقصير عمره باءت بالفشل، وخيبة أمل عظمى لها طعم العلقم، الأمر الذي دفعها إلى إعادة حساباتها، والتحلي بالمرونة، أو هكذا نعتقد.
***
الدول الثلاث الداعمة للمعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، أي السعودية وقطر وتركيا، بدأت تبحث عن مصالحها، وتتحسس رأسها بعد وصول ترامب، الذي لم يخف صداقته للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإصراره على بقاء الرئيس السوري بشار الأسد باعتباره حليفا في الحرب على الإرهاب، التي تتصدر قمة أولوياته، فالسعودية ترسل وزير خارجيتها إلى واشنطن في محاولة لحشد الكونغرس لمساعدتها في مواجهة “الغول” الأمريكي الجديد الذي اظهر عدم الود لها، ويريد أن تدفع ثمن حمايتها، ويؤيد قانون “جستا” الذي يستهدف “حلبها” ماليا، بتعويض ضحايا “إرهابها”، وتركيا مشغولة حاليا في مواجهة خطر “الدولة” الكردية التي تتبلور في المنطقة، أما دولة قطر فبدأت تعرف حدود قدراتها وإمكانياتها وحجمها السياسي والجغرافي، وتجنح للهدوء تجنبا للخسائر والمخاطر معا.
الحملات الإعلامية التي شنتها “الجزيرة” و”العربية” أثناء حرب حلب الأولى قبل بضعة أشهر، لم تتكرر في القصف الحالي الأكثر شراسة للمدينة، وغابت “المربعات الحمراء” على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا نعتقد أن هذا التحول يأتي من قبيل الصدفة.
سواء انعقد المؤتمر الجديد لمعارضة الداخل والخارج في دمشق أو أي عاصمة عربية أو خليجية أخرى، أو حتى لم ينعقد أساسا، فإن جميع الصيغ القديمة للعملية السياسية التفاوضية في غرف الإنعاش، إن لم تكن قد نفقت، وبات على “المعارضات” أن تراجع سياساتها ومواقفها، وتأقلم مع الواقع الجديد، وتحاول الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب قبل فوات الأوان، حسب اعتقاد الكثير من المراقبين.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/11/20