عدة نصائح إلى أمير الكويت يجب أن يأخذها في عين الاعتبار إذا قرر التوسط بين مصر والسعودية
عبد الباري عطوان ..
من غير المستبعد أن يدخل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد على خط الوساطة لإصلاح العلاقات، بين الشقيقة الكبرى الخليجية (السعودية)، والشقيقة الكبرى العربية (مصر)، والعمل على تقليص الخلافات بينهما إذا لم يتأت إزالتها، لأن الكويت تتمتع بعلاقات طيبة مع “المتخاصمين” أولا، ولأنها الأكثر حرجا وتضررا من استمرار هذه الخصومة.
مهمة أمير الكويت في تحقيق هذه المصالحة، إذا تأكدت، تبدو صعبة للغاية، لأن المسألة لم تعد محصورة في خلاف على جزيرتين، أو شح في المساعدات المالية، وتوقف شحنات النفط، فهذه أعراض لورم أكبر يتعلق بالزعامة، والكرامة الوطنية، وطرق التعامل، والفوقية منها على وجه الخصوص، ونظرة كل طرف لمكانة الآخر وقوته أو ضعفه.
الشيخ محمد بن زايد ولي عهد إمارة أبو ظبي، ونائب القائد الأعلى لقواتها المسلحة، الذي يحظى بتقدير خاص لدى الرئيس عبد الفتاح السيسي، حاول قبل ثلاثة أسابيع تطويق الخلاف المذكور أثناء قيامه بزيارة خاطفة إلى القاهرة، ولكن جهوده لم تعط أي ثمار ملموسة، باستثناء تخفيف الحملات الإعلامية المصرية التي تستهدف السعودية، ومن غير المتوقع أن تكون وساطة أمير الكويت الحالية في حال بدئها أفضل حالا.
***
يسود اعتقاد في أوساط الغالبية الساحقة من المصريين ابتداء من الرئيس السيسي وانتهاء بسائق “التوكتوك” أن القيادة السعودية تتعامل معهم بفوقية وتعال، وتريد الهيمنة على القرار المصري، وأن توظف مصر في خدمة حروبها وأجنداتها السياسية العربية والدولية لأنها تملك المال، والكثير منه، ومصر في حاجة ماسة إليه للخروج من عثراتها الاقتصادية.
السعودية تريد من مصر أن ترسل قواتا إلى اليمن تقاتل اليمنيين تحت أجنحة طائرات “عاصفة الحزم”، مثلما تريدهم أن يرسلوا قواتا لإسقاط النظام في سورية، وقطع كل العلاقات معه، إذا لم يتعذر تحقيق الطلب الأول، وترى أنه ممنوع على القيادة المصرية مجرد التفكير في إعادة العلاقات مع إيران، وأن تلتزم بكل سياسيات مجلس التعاون الخليجي دون أن تكون عضوا ولو شرفيا فيه.
مصر في المقابل ترى في هذه المطالب التي ترتقي إلى مستوى الإملاءات، إهانة لها، وأخطرها الذي فجر مخزون الكبرياء المصري الضخم مطالبتها، وبطريقة استفزازية، بإنهاء “احتلالها” على جزيرتي “تيران” و”صنافير”، وإعادتهما إلى السيادة السعودية في أسرع وقت ممكن.
مشكلة المسؤولين السعوديين، أو معظمهم، أنهم لا يفهمون تركيبة الشخصية المصرية، ونوعية الجينات التي تشكل نواتها، وشق الكبرياء فيها الذي يصل في بعض الأحيان إلى درجة “الشوفينية” خاصة عندما يتعلق الأمر بدول الخليج، وبعض دول الجوار مثل السودان وليبيا وقطاع غزة، ولا نعتقد أن القيادة السعودية تريد، أو تستطيع، تجاوز هذه العقدة، فقد تضخمت لديها أيضا حالة من غطرسة “القوة المالية” طوال السنوات الماضية بحكم الطفرة المالية الناجمة عن ارتفاع العوائد النفطية، وضعف المراكز العربية الأساسية (العراق، سورية، مصر)، إلى درجة التعاطي مع دول عربية عديدة كمجموعة من المتسولين بما فيهم مصر بغض النظر عن حجمهم وارثهم الحضاري.
الخلاف العلني بين الحليفين المفترضين مصر والسعودية، يتفاقم يوما بعد يوم، ويبدو أن القيادة المصرية التي تشعر حاليا بحالة قوية وغير مسبوقة من الثقة، راجعة إلى عدة عوامل أبرزها العلاقة القوية المتوقعة بينها وبين الإدارة الأمريكية القادمة، إلى جانب علاقاتها التي تزداد قوة مع الروس، وتجاوز النظام السوري الحليف غير المعلن عنق الزجاجة في الحرب التي يخوضها الاستعادة أراض خسرها للمعارضة المسلحة، وانحسار موجة الإسلام السياسي جزئيا، بدأت تحضر طريقا جديدا مستقلا عن حلفائها الخليجيين والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، ويتضح هذا من خلال مراقبة ورصد موقفين هما الأحدث في هذا المضمار:
الأول: إعلان الرئيس السيسي دعمه للجيش السوري، وتوارد الأنباء عن إرسال مصر طيارين حربيين للمشاركة في العمليات العسكرية في جبهات القتال ضد المعارضة المسلحة، وعدم نفي السلطات المصرية هذه الأنباء إلا بعد أسبوع وبطريقة “مغمغمة” وروتينية، واعترافها في الوقت نفسه بوجود “مستشارين” عسكريين مصريين في سورية، مثلما هو الحال في ليبيا.
الثاني: مشاركة الرئيس السيسي بنفسه على قمة وفد كبير في القمة العربية الأفريقية، التي انعقدت في غينيا الاستوائية نهاية الأسبوع الماضي، وانحيازه إلى الموقف الجزائري بطريقة أو بأخرى، ورفضه تبني الموقف السعودي الخليجي، والانسحاب من هذه القمة تضامنا مع نادي الملكيات العربية، واحتجاجا على وجود مقعد خال مرفوع أمامه علم البوليزاريو.
***
ما يمكن استنتاجه من كل ما تقدم أن نجاح أي وساطة لأمير الكويت يتطلب تنازلات كبيرة من الطرفين، والسعودي على وجه الخصوص، من بينها نسيان مسألة الجزيرتين صنافير وتيران، وتجميد أي مطالبة بهما ولو مؤقتا، والتوقف عن ممارسة أي ضغوط على الحكومة المصرية لاستعادتهما، وترك الأمر للقضاء المصري الذي قد يستمر في بحث قضيتهما لسنوات أو حتى لعقود، واحترام حق الحكومة المصرية في اتخاذ السياسات والمواقف التي ترى أنها تخدم مصالحها تجاه سورية وإيران وأفريقيا حتى لو لم تتفق مع السياسات السعودية، فمصر دولة إقليمية عظمى، وليست دولة ميكروسكوبية، مثلما قال لنا أحد المسؤولين المصريين الكبار.
أمير الكويت الذي لا يمكن أن ينسى الدور المحوري الذي لعبته مصر أثناء أزمة احتلال بلاده عام 1990، يجب أن يتسع صدره لعتاب، وربما غضب المسؤولين المصريين الذين سيلتقيهم تجاه بعض مواقف نظرائهم السعوديين، وآخرها “الحفاوة” التي حظي بها رئيس وزراء أثيوبيا التي تبنى سد النهضة لتحويل مياه النيل أثناء زيارته للرياض بدعوة رسمية سعودية، وتوقيعه اتفاقات عسكرية وأمنية مع الدولة المضيفة.
لا نجادل في أن أمير الكويت يتمتع بخبرة سياسية ودبلوماسية ضخمة اكتسبها خلال من وجوده في السلطة لأكثر من نصف قرن، وزيرا للخارجية، ثم وليا للعهد ورئيسا للوزراء، وأخيرا أميرا للبلاد، لكن أي وساطة يقوم بها، أو يفكر بالقيام بها، بين الشقيقتين تحتاج إلى ما هو أكبر من الخبرة وأهم، وهو قدرة الطرفين على التنازل والتعايش والاحترام المتبادل، والتحالف القائم على مبدأ الاختلاف والاستقلالية، وليس التبعية، وهذه كلها عوامل غير متوفرة حاليا، فالسعودية تتغير، ومصر تتغير، والظرفان العربي والدولي يتغيران أيضا، وسياسة بوس اللحى، والتكاذب، لم تعد مفيدة لا في الوقت الراهن، ولا في المستقبل القريب على الأقل.
عقدة مصر الكبرى التي تقفز عنها معظم دول الخليج العربي، هو المطالبة بإلغاء ارثها الحضاري، ومكانتها التاريخية، وتحولها إلى دولة تابعة، وهذا ما ترفضه قيادتها وشعبها، ويرفضه الكثير من العرب أيضا، بعض النظر عن من يحكم مصر.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/11/28