خمسة أسباب تجعل قمة البحرين الخليجية الأكثر اختلافا وخطورة عن كل سابقاتها
عبد الباري عطوان ..
حددت الجولة الخليجية الأولى للملك سلمان بن عبد العزيز ومحطاتها الأربع، جدول أعمال القمة الخليجية التي ستبدأ في المنامة غدا الثلاثاء، مثلما حددت طبيعة التحالفات، والصورة الجديدة لمنظومة مجلس التعاون الخليجي في المستقبل القريب.
هناك عدة ملاحظات على درجة كبيرة من الأهمية يجب التوقف عندها، إذا أردنا استقراء المستقبل الخليجي، وطبيعة العلاقات بين دوله، وكذلك الجوار الإقليمي:
الأولى: تجاهل العاهل السعودي في جولته هذه سلطنة عمان، العضو المؤسس في مجلس التعاون، وأسقطها من جولته الخليجية متعمدا، مما يعني أن ما تحدث عنه السيد غانم البوعيني، وزير مجلس الشورى البحريني إلى صحيفة “الحياة” السعودية، وقال فيه “إن ملف الاتحاد الخليجي سيكون حاضرا للمناقشة في القمة، وأن هذا الاتحاد قد يتم دون سلطنة عمان، سيكون المحور الرئيسي لهذه القمة المقبلة، وعدم زيارة الملك سلمان لمسقط يؤكد استبعادها من هذا الاتحاد، مثلما يعكس هذا الاستثناء أزمة صامتة بين الرياض ومسقط، وكانت عُمان رفضت هذا الاتحاد قبل عدة سنوات عندما طرحت سعوديا في ندوة في المنامة.
الثانية: اختيار العاهل السعودي لمدينة أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات لكي تكون المحطة الأولى في جولته هذه، لم يكن اعتباطا، وإنما خطوة اتخذت بعناية كبيرة، لإيصال رسالة سياسية مفادها أن الإمارات التي تلعب الدور الأكبر إلى جانب السعودية في “عاصفة الحزم” وحرب اليمن عموما، هي الدولة الخليجية الأقرب إلى قلب القيادة السعودية، وتتقدم على ما عداها من عواصم أخرى، فالإمارات قدمت أكبر عدد من الضحايا في هذه الحرب، وشاركت بأكبر عدد من الطائرات.
الثالثة: حرص العاهل السعودي على حل الأزمة النفطية بين بلاده والكويت، واستئناف ضخ النفط من حقل الخفجي الواقع في المنطقة المشتركة، أثناء زيارته للكويت (الطاقة الإنتاجية لهذا الحقل 400 ألف برميل يوميا تتقاسمها البلدان مناصفة)، يعكس رغبة سعودية في تصفية أحد آخر الخلافات الحدودية بين دول الاتحاد الخليجي الجديد المقترح.
الرابعة: وصول العاهل السعودي إلى ابو ظبي بعد ساعتين من مغادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي بدد الآمال في إمكانية حدوث مصالحة مصرية سعودية، يؤكد تركيزه على دول الخليج فقط، كتحالف إستراتيجي في المجالات الأمنية والإقتصادية والسياسية، وطلاق بائن مع مصر، وتبدد كل آمال التفاؤل بحدوث مصالحة مصرية سعودية في المستقبل المنظور.
الخامسة: لوحظ أن أمير قطر الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، كان إلى جانب ابنه الأمير تميم على رأس مستقبلي العاهل السعودي على أرض مطار الدوحة، مما يعني أن المصالحة القطرية السعودية باتت أعمق، وأكثر جدية، مما يتوقعه الكثيرون، فمن المعروف أن العلاقة بين الأمير القطري السابق والعاهل السعودي الحالي، لم تكن جيدة قبل تولي الأخير العرش، والكيمياء بين الرجلين لم تكن منسجمة بسبب اتهام الأمير سلمان في حينها بالوقوف خلف المحاولة الانقلابية الفاشلة للإطاحة بالأمير حمد بن خليفة (عام 1996)، وإعادة والده المرحوم خليفة بن حمد إلى الحكم.
***
لا نعرف كيف ستتصرف السلطات العُمانية إزاء هذه المحاولة السعودية لتهميشها، فالعمانيون يفضلون دائما الصمت، وعدم الدخول في مهاترات سياسية أو إعلامية، ويميلون إلى الهدوء، وربما يعكس مستوى مشاركتهم في قمة المنامة غدا بعض ردود فعلهم في هذا المضمار.
حرب اليمن، وحجم المشاركة فيها، ومدى الالتفاف حول القيادة السعودية في مواجهتها لإيران في سورية والعراق، ستشكل معيار، أو شروط العضوية في أي اتحاد خليجي جديد، ولعل اقتصار جولة العاهل السعودي على أربع دول، واستثناء العضو السادس في مجلس التعاون هي قوائم المنظومة الخليجية الجديدة أو هكذا نعتقد.
السعودية لم تستطع تقبل الحياد العماني في حرب اليمن، وكانت تتوقع أن تشارك بفاعلية فيها، ولكنها كظمت الغيظ لأكثر من عام فقط، ثم نفذ صبرها، خاصة أن وجهة النظر العمانية في هذه الحرب ثبت صوابها، وانعكس نفاذ الصبر هذا في نشر تقارير في الصحافة السعودية تتهم سلطنة عمان بفتح أراضيها لتسريب أسلحة إيرانية إلى التحالف “الحوثي الصالحي”، وهي اتهامات نفتها السلطنة وتحدت أصحابها، أو الذين يقفون خلفها، تقديم الأدلة.
قمة المنامة الخليجية تنعقد في وقت لم تكسب فيه القيادة السعودية أي من حروبها في سورية واليمن والعراق، وتواجه أزمة مالية طاحنة، وتململ شعبي بسبب سياسات التقشف الناجمة عن فرض ضرائب مباشرة أو غير مباشرة، ورفع الدعم عن العديد من السلع والخدمات الضرورية والأساسية، ودون أي مقابل وأحداث إصلاحات سياسية تعزز مشاركة المواطن في دائرة الحكم ومحاسبة السلطة التنفيذية ومراقبتها من خلال برلمان منتخب أو صحافة حرة.
من الطبيعي أن يكون هناك جدول أعمال حافل بالقضايا أمام القادة الخليجيين، ولكنها ستكون قضايا أقل أهمية، بالمقارنة مع القضية الطاغية الأبرز، وهي حرب اليمن التي تدخل شهرها العشرين دون تحقيق “عاصفة الحزم” الهدف الذي انطلقت من أجله، وهو استعادة صنعاء، وفرض الاستسلام غير المشروط على أنصار الله الحوثيين وحليفهم علي عبد الله صالح.
***
قمة المنامة ستكون أيضا قمة الاستعداد لمواجهة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الذي يريد فرض “الجزية” على دول مجلس التعاون، والسعودية بالذات، ومقدارها ربع دخلها من العوائد النفطية كثمن للحماية، ويعتبر الرئيس السوري بشار الأسد شريكا في الحرب على “الإرهاب” الوهابي الإسلامي على حد وصفه، أي ترامب.
على ضوء كل ما تقدم، يمكن القول إن القمة الخليجية المقبلة في المنامة، ستكون قمة مختلفة كليا عن القمم التي سبقتها منذ تأسيس مجلس التعاون عام 1981، إن لم تكن أخطرها جميعا، بسبب الظروف والتهديدات والأزمات التي تعيشها الدول الخليجية المشاركة فيها، ومنطقة الشرق الأوسط برمتها.. والأيام بيننا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/12/06