ترامب سيعيد إحياء محور “الاعتدال العربي” على أرضية تضخيم الخطر الإيراني..
عبد الباري عطوان ..
من يتابع الاتصالات التي يجريها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه الأيام مع قادة في منطقة “الشرق الأوسط” والعالم، يخرج بانطباع بأنه سيجعل من إيران والصين على قمة قائمة أعدائه، وإعادة إحياء “حلف الاعتدال” العربي الذي بلغ ذروة قوته في عهد الرئيس الأمريكي الجمهوري جورج بوش الابن، والمحافظين الجدد الذين هيمنوا على مفاصل إدارته، وورطوا أمريكا في حربيها في العراق وأفغانستان.
الدول الشرق أوسطية السبع التي منع الرئيس ترامب مواطنيها من دخول الولايات المتحدة، وهي العراق وسورية وليبيا والصومال واليمن، والسودان، إلى جانب إيران، لم يتم اختيارها لأنها “دول فاشلة” مثلما يروج بعض أنصار ترامب الجدد في المنطقة العربية، (وإن كانت كذلك فإن السبب هو التدخل العسكري الأمريكي فيها)، وإنما لأنها كانت تقف في معسكر “الممانعة”، وفي الخندق المضاد للسياسات الأمريكية الداعمة لإسرائيل، وتساند المقاومة الفلسطينية واللبنانية لإنهاء احتلالها.
الرئيس ترامب تعمد أن يهاتف ثلاثة قادة من دول معسكر “الاعتدال العربي”، هم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، واستقبل اليوم العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في واشنطن.
***
بعد هذه المكالمات الهاتفية تغيرت اللهجة الأمريكية تجاه هذه الدول كليا، بينما تصاعدت اللهجة التهديدية لإيران على أرضية إجرائها تجربة إطلاق صاروخ باليستي تحت ذريعة انتهاكها، أي التجربة، للاتفاق النووي الإيراني، وقوانين الأمم المتحدة، وشنت أربع مروحيات أمريكية غارة على ما قالت إنه معسكر لتنظيم “القاعدة” في محيط مدينة البيضاء اليمنية أسفر عن استشهاد 40 شخصا معظمهم من النساء والأطفال كرسالة “محبة” لعاصفة الحزم السعودية، تنويه ببدء سياسة أمريكية داعمة لها.
لا نعرف ماذا تم الاتفاق عليه بين ترامب والعاهل السعودي في المكالمة التي جرت بينهما يوم الأحد الماضي، واستغرقت 43 دقيقة، ولكن ما نتعرف عليه من خلال استقراء ما تلاها من خطوات سعودية يمكن القول إنها وضعت أسس اتفاقات سياسية جديدة بين الطرفين عنوانها العداء لإيران وحلفائها في اليمن وسورية والعراق، وتمويل المملكة لمشاريع البنى التحتية التي وعد الرئيس ترامب ناخبيه بإنجازها لتوفير الوظائف، واستعادة أمريكا لعظمتها.
التصعيد ضد إيران من قبل ترامب يعني شراء السعودية ودول خليجية، صفقات أسلحة أمريكية حديثة بعشرات المليارات من الدولارات تحت ذريعة تعزيز القدرات العسكرية في مواجهة الخطر الذي تشكله إيران، وهذه الصفقات ربما تشكل جزءا من “الجزية” التي طالب ترامب دول الخليج بدفعها مقابل حمايتها.
نقطتان تؤكدان التجاوب السعودي الخليجي الفوري لمطالب ترامب المالية والسياسية هذه:
الأولى: مساندة المملكة العربية السعودية ودولة الأمارات لإجراءات إدارة ترامب بمنع مواطني الدول السبع المذكورة آنفا إلى الولايات المتحدة، باعتبارها إجراءات سيادية، وصمت جميع الشيوخ ورجال الدين في المملكة صمتا مطبقا تجاه هذه الإجراءات، وعدم انتقادها، مما يوحي بوجود أما تعليمات أو تهديدات صريحة في هذا المضمار، وربما يفيد التذكير أن الكاتب السعودي جمال خاشقجي جرى منعه من الكتابة والحديث في أي وسيلة إعلامية قبل أكثر من شهر لأنه تجرأ وانتقد برفق وموضوعية المرشح ترامب في ندوة شارك فيها في واشنطن.
الثانية: التصريحات التي أدلى بها الدكتور خالد الفالح وزير الطاقة السعودي لمحطة تلفزيون “بي بي سي” يوم أمس، وقال فيها إن بلاده قد تزيد استثماراتها في قطاعات النفط والغاز الأمريكية تأييدا لسياسة الطاقة لإدارة الرئيس ترامب وتعتمد على الوقود “الاحفوري”، وهذه الاستثمارات التي تُقدم عليها، بلد أوقفت مشاريع البنى التحتية فيها بسبب أزمتها المالية، وفرضت إجراءات تقشف على شعبها، لا يمكن إلا أن تكون “رشوة” أو نتيجة أملاءات، فليس من مصلحة المملكة ودول الخليج الاستثمار في قطاع الطاقة الأمريكي، بما يؤدي إلى تقليص الاحتياجات النفطية الأمريكية من دول الخليج ودول أمريكا اللاتينية مثل المكسيك وفنزويلا، والأخيرة عضو في منظمة أوبك، مما يؤدي إلى إغراق الأسواق بكميات إضافية، وانخفاض أسعار النفط بالتالي، أي أن العرض سيكون أعلى من الطلب.
***
حلف ترامب العربي سيضم الدول الملكية العربية (دول الخليج الست والمغرب والأردن) إلى جانب مصر، وهي محور “دول الاعتدال”، ولم يتم منع أي من مواطنيها رغم تورط مواطني بعضها في الإرهاب، وما يؤكد عودة هذا الحلف، “غزل” العاهل السعودي الملك سلمان بمصر أثناء افتتاحه لجناحها في مهرجان الجنادرية الثقافي،وتأكيده “أن مصر قامت مرة أخرى.. مصر عادت من جديد”، ولا ننسى في هذه العجالة تعهد ترامب باستمرار الدعم العسكري الأمريكي لمصر في المكالمة الهاتفية مع الرئيس السيسي.
الرئيس ترامب سيحارب إيران والإرهاب معا، مثلما تعهد في حملته الانتخابية، ولكن بأموال وقوات عربية على الأغلب، وعلى الدول المعنية الاستعداد للمزيد من التوتر، وربما الحروب الباردة والساخنة معا.
محور “الاعتدال العربي” عائد بقوة، وإيران وحلفاؤها هم الهدف، مما يعني حلب الضرع السعودي الخليجي حتى آخر دولار.. إنها سياسة أمريكية خطيرة عنوانها التدخلات العسكرية مجددا، والمزيد من التوتر والصدامات وتصعيد الإرهاب، والضحية كالعادة شعوب المنطقة وثرواتها.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/02/02