هل “تتحقق” معلومات بوتين عن ضربة صاروخية أمريكية جديدة لجنوب دمشق؟
عبد الباري عطوان ..
لم يجاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحقيقة عندما قال في مؤتمر صحافي مع نظيره الإيطالي سيردجو ماتاريلا “إن الوضع في سورية بات يذكرنا بما حدث في العراق عندما بدأت الولايات المتحدة غزوها لبغداد بعد كلمة لها في مجلس الأمن الدولي”.
الفارق الأساسي الذي لم يشر إليه الرئيس الروسي هو أن العراق في حينها كان محاصرا ومجوعا لأكثر من 13 عاما، وحليفه الاتحاد السوفييتي كان منهارا، والحكومات العربية في معظمها كانت أدوات في يد إدارة بوش الأمريكية التي كانت تهيمن عليها إسرائيل من خلال عملائها المحافظين الجدد، ومعظمهم من اليهود الصهاينة.
***
تطورات رئيسيان يمكن رصدهما من خلال متابعة الأحداث في المشهد السوري، أو المشاهد الأخرى التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة به:
الأول: كشف الرئيس بوتين بأن لديه معلومات مؤكدة حول وجود خطة عسكرية أمريكية لضرب ضواحي دمشق الجنوبية، حيث يجري تدبير خطة لدس “مادة سامة” مجددا كي يتهموا السلطات السورية بالوقوف خلفها، وبالتالي ضربها.
الثاني: استبعاد يوري شفيتكين، رئيس مجلس الدوما لشؤون الدفاع أن ترد روسيا بطريقة مباشرة على ضربة محتملة قد تستهدف منظومة الدفاع الجوي السوري، مؤكدا أن هذه المنظومة بإمكانها التصدي لوحدها لأي تهديد أمريكي.
ما يمكن استخلاصه من خلال قراءة ما بين سطور هذين التطورين وتصريحات الرئيس الروسي ورئيس مجلس الدوما، أن الضربات الصاروخية الأمريكية على مطارات وأهداف عسكرية سورية ما زالت قائمة، وأن الجيش السوري بات قادرا على التصدي لها بمفرده دون الاستعانة بحليفه الروسي، وأن كان بالتنسيق معه ومباركته حتما.
ما يؤكد كل ما تقدم التصريحات التي نسبت إلى مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”، وقال فيها “إن النظام السوري قام بزيادة دفاعاته الجوية في الأراضي التي يسيطر عليها غرب البلاد، حيث زاد عدد الرادارات الفاعلة مما يعني تمكين جيشه من مراقبة التحركات الجوية عن كثب”.
لا نعتقد أن الرئيس ترامب سيوجه أي ضربة لأهداف سورية من خلال إرسال طائرات حربية بعد تجميد تفاهمات حماية الطائرات في الأجواء السورية من قبل موسكو، ولذلك من غير المستبعد أن تكون عن طريق صواريخ “التوماهوك” على غرار ما حدث يوم الجمعة الماضي، ولكن من الواضح أن الاستعدادات للتصدي للضربة الجديدة تسير على قدم وساق، وقول رئيس مجلس الدوما أن الدفاع الجوي السوري قادر للتصدي بمفرده لأي تهديد يوحي بأنه بات مجهزا بصواريخ “اس 300″ او “اس 400″ المضادة للصواريخ والطائرات، وتعتبر الأكثر تطورا في هذا المضمار.
الدفاعات الجوية السورية، أطلقت صواريخها وياللمفارقة، من قاعدة الشعيرات العسكرية ضد طائرات إسرائيلية مغيرة، وطاردتها حتى العمق الفلسطيني، وسمع دوي انفجاراتها في غور الأردن، ومدينة القدس المحتلة، الأمر الذي بث الرعب والهلع في نفوس الإسرائيليين، عسكريين كانوا أو مستوطنين، ولا بد أنها حصلت على ضوء أخضر روسي لتسجيل هذه السابقة.
لا نستبعد أن تكون تصريحات شفيتكين، رئيس الدوما لشؤون الدفاع بأن إجراءات جرى اتخاذها بعد الضربة الأمريكية الأخيرة كافية لتمكين الجيش السوري الرد بمفرده، وهو حق يضمنه القانون الدولي، لا نستبعد أن يكون هذا الكلام هو “ضوء أخضر” ثان، وضد أي عدوان أمريكي جديد.
***
علمتنا التجارب أن التفاهمات السياسية تبلغ ذروتها، وتنعكس في صفقات تبدد التوتر بعد كل تصعيد عسكري ميداني، مثلما علمتنا أيضا أنه بعد كل أزمة كيميائية هناك اتفاق روسي أمريكي، ولعل وجود ريكس تيرلسون، وزير الخارجية الأمريكي، في موسكو حاليا، وحزم السيد وليد المعلم، وزير الخارجية السوري، حقائبه استعدادا للرحيل إلى العاصمة الروسية يوم الجمعة، على رأس وفد يضم السيد فيصل مقداد والدكتورة بثينة شعبان، في تزامن مع وصول وفد إيراني برئاسة السيد محمد جواد ظريف وزير الخارجية، مؤشر على احتمال صدور قرارات ثلاثية مشتركة خطيرة، فأما صفقة سياسية تعيد الهدوء، وأما صفقة عسكرية تدفع نحو التصعيد والمواجهة.
لا نستبعد أي من الصفقتين، ولكننا نرجح الصفقة السياسية، تماما مثلما حدث بعد أزمة المخزون السوري من الأسلحة الكيميائية عام 2013، وما يدفعنا إلى ذلك أن الوفد السوري وبالتركيبة نفسها، هو الذي تفاوض على الصفقة السياسية الأولى التي نزعت فتيل المواجهة العسكرية الروسية الأمريكية، وأعادت حاملات طائرات وسفن القوتين العظميين الحربية إلى مرابضها التي جاءت منها إلى السواحل السورية.. والله أعلم.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/04/11