لماذا تراجع ترامب عن تهديداته بضرب كوريا؟
عبد الباري عطوان
أثبتت الأسابيع الثلاثة الماضية أن تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستخدام القوة العسكرية جوفاء وغير جدية، وتعطي نتائج عكسية، أبرزها إظهاره بمظهر الزعيم المتهور الذي لا يرتقي إلى درجة تحمل المسؤولية وقيادة دولة عظمى نووية مثل الولايات المتحدة.
لدينا مثلان رئيسيان يؤكدان ما نقوله آنفا:
الأول: التصعيد الكبير الذي أقدم عليه الرئيس ترامب في الأزمة الكورية، حيث أوحى للكثيرين أنه على وشك توجيه صواريخه النووية لضرب كوريا الشمالية ثم تراجع عن التنفيذ بشكل مهين.
الثاني: صواريخ التوماهوك التي ضربت قاعدة الشعيرات السورية، وتبين لاحقا أنها لم تحدث أي أضرار حقيقية، وعادت الطائرات تنطلق منها بصورة طبيعية لتقصف مدينة، إدلب مثلما كان عليه الحال قبل الضربة.
***
تراجع ترامب في الأزمة الكورية عائد إلى صلابة الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، ومواصلته التحدي، وتهديده بالرد على أي هجوم نووي أمريكي على بلاده بالمثل، مضافا إلى ذلك أن هذا الموقف المتهور لم يحظ بأي دعم من حلفاء أمريكا في أوروبا، كما أن الموقف الصيني كان داعما للموقف الكوري الشمالي.
الحرب الكورية في مطلع الخمسينات من القرن الماضي كلفت شبه القارة الكورية مقتل خمسة ملايين كوري، وعشرات المليارات من الدولارات ودمار شامل بسبب التدخل العسكري الأمريكي، ترى كيف عليه الحال لو اندلعت الحرب مجددا في ظل أسلحة الدمار الشامل التي تملكها الدول العظمى التي يمكن أن تتورط فيها؟
كوريا الجنوبية حليفة الولايات المتحدة لم تكن وشعبها من المؤيدين لاندفاعات الرئيس ترامب، لأن هؤلاء يدركون جيدا أنهم سيكونون أكبر الضحايا، فالرد الكوري الشمالي سواء كان بأسلحة تقليدية، أو أسلحة دمار شامل، سيستهدفهم وكذلك سيستهدف حوالي 30 ألف جندي يتمركزون في قواعد عسكرية أمريكية بينهم.
ما هو أخطر من كل هذا وذاك ما تبين لاحقا أن حاملة الطائرات الأمريكية كارل فينسون التي أمرها الرئيس ترامب بالتوجه إلى شواطيء كوريا فورا، موجودة على بعد شهر من هذه الشواطيء، الأمر الذي أثار سخرية العالم بأسره.
لا الشعب الأمريكي ولا الشعب الكوري الجنوبي يريد أي حرب ضد كوريا الشمالية، لأنها تعني الدمار والخسائر البشرية والمادية الضخمة، ولا بد أن الرئيس ترامب يدرك هذه الحقيقة وقرر التراجع.
***
قد يجادل البعض محقا بأن كوريا الشمالية تراجعت أيضا عندما تعمدت إجراء تجربة صاروخ باليستي فاشلة بإيحاء صيني من أجل التهدئة، وتقديم سلم للرئيس الأمريكي للتراجع عن تهديداته، وهذا صحيح، ولكنها لن تتوقف عن هذه التجارب في المستقبل، وستظل شوكة في حلق الغطرسة الأمريكية.
ندرك جيدا أن مصداقية الرئيس ترامب في الحضيض حتى قبل أن يفوز في الانتخابات الرئاسية، ومن المؤكد أنه خسر المقدار الضئيل الذي بقي منها في كل من كوريا الشمالية وسورية، حتى الآن على الأقل.
رئيس أمريكي كاذب، وقح، تطارده الفضائح، يطالب الرئيس الكوري الشمالي بأن يكون حسن السلوك، ويصف الرئيس السوري بالحيوان، يقدم مثلا بالمستوى المتدني الذي وصلت إليه الولايات المتحدة.
هذا الرئيس كشف عن الوجه الأكثر قبحا للولايات المتحدة يجب تغييره لأنه لا يؤتمن على مقدرات العالم، وليس مؤهلا للائتمان على الزر النووي.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/04/19