الأمير محمد بن سلمان يقدم أوراق تتويجه كملك قادم..
عبد الباري عطوان
لا نبالغ إذا قلنا أن المقابلة التلفزيونية التي أجراها الزميل داوود الشريان مع الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي، وجرى بثها مساء الثلاثاء، هي من أهم المقابلات في تاريخ المملكة العربية السعودية، أن لم يكن أهمها على الإطلاق، ليس بسبب ما ورد فيها من أجوبة ومعلومات وردود، وإنما أيضا بسبب معانيها ودلالاتها السياسية المحلية والإقليمية والدولية.
الأمير محمد بن سلمان لم يكن يتحدث في هذه المقابلة كنائب لولي العهد، ولا حتى كولي عهد، وإنما كملك متوج على عرش بلاده، فهذه هي المرة الأولى التي تبث هذه المقابلة على مختلف القنوات التلفزيونية السعودية الحكومية والخاصة، بل وتبث في الوقت نفسه على قنوات خليجية، وأخرى حليفة مثل قناة “أبو ظبي” مثلا، هذه سابقة لم تحدث مطلقا لأي من ملوك المملكة، ناهيك عن أمرائها وأولياء عهودها.
إذا انتقلنا إلى المضمون، أي المواضيع التي تطرق إليها الأمير محمد بن سلمان، نجد أن الهدف الأساسي من اختيارها، والتركيز على الجوانب الاقتصادية، وشرح أسباب التراجع عن إلغاء البدلات لموظفي الدولة بعد أقل من ستة أشهر، هو طمأنة المواطن السعودي، ومحاولة امتصاص نقمة غضب شعبية تتضخم مثل كرة الثلج، نتيجة لسياسات التقشف، والضرائب غير المباشرة، وارتفاع الأسعار، وغلاء المعيشة بالتالي، ونفي الأمير بن سلمان لهذه الأسباب لا يعني مطلقا عدم وجودها.
***
الأمير بن سلمان كان واثقا من نفسه، حفظ درسه جيدا، استخدم لغة الأرقام، وتوسع في الحديث عن رخاء مستقبلي قادم، مثل القول أن قطاع التعدين في السعودية، من ذهب ونحاس وحديد (غير النفط) تقدر قيمته بحوالي تريليون و300 مليار دولار، وسيتم توظيف الأموال العائدة من بيع 5 بالمئة من أسهم شركة “أرامكو” أو أكثر للاستثمار في هذا القطاع، في رسالة للمواطنين تقول أن المملكة ليست على حافة الإفلاس، وأن هناك بدائل أخرى للثروة النفطية.
لا نريد أن نخوض في المواضيع الاقتصادية ونكرر الأقوال المشككة عن “رؤية 2030″ التي تحمل اسم الأمير بن سلمان لمستقبل المملكة، فهذا أمر متروك للاقتصاديين، ولكن لفتت نظرنا عبارة مهمة وردت في المقابلة، وهي قوله غن العوامل الاقتصادية، وليس السياسية هي التي تحدد السياسة النفطية السعودية، وحجم الإنتاج، وواقع الحال ليس كذلك على الإطلاق.
فالانترنت، وأرشيف منظمة أوبك، والصحف الاقتصادية العالمية، حافلة بتصريحات ومواقف قادة المملكة ووزراء نفطها التي تقول عكس ذلك تماما، ففي عام 2014 بداية انهيار أسعار النفط زادت المملكة إنتاجها بأكثر من مليون و200 ألف برميل يوميا، وعارضت أي تخفيض للإنتاج للحفاظ على الأسعار (كانت 110 دولارات للبرميل)، بهدف أحداث حالة شلل في اقتصادي إيران وروسيا، الدولتين الداعمتين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، كما أن المملكة ودول خليجية أخرى خفضت أسعار النفط عام 1998 إلى أقل من عشرة دولارات بإغراق الأسواق بكميات هائلة لخلق تخمة، لإفلاس الرئيس صدام حسين ونظامه الذي كان خارجا من حرب ضد إيران استمرت ثماني سنوات دفاعا عن الخليج، مما دفعه إلى غزو الكويت إلى جانب أسباب أخرى.
الأمير محمد بن سلمان قال إن القوات البرية السعودية تستطيع اجتثاث الحوثيين وحليفهم الرئيس علي عبد الله صالح في أيام لو أرادت، ولكنها تخشى وقوع آلاف القتلى من الجنود السعوديين، وكذلك من المدنيين اليمنيين، وهذا كلام صحيح، لأن الخسائر ستكون كبيرة جدا، وستعج المملكة ومدنها ببيوت العزاء، ولكن هذا إلا يعني أن طائرات “عاصفة الحزم” وعلى مدى العامين الماضيين قتلت آلاف المدنيين اليمنيين على أمل كسر إرادة هؤلاء، وإجبارهم على الاستسلام دون أن تفلح، بسبب صمود الشعب اليمني، ولكن الكلفة باهظة إنسانيا، حيث يقف 19 مليون يمني على حافة الجوع، ويموت طفل كل عشر دقائق، حسب إحصاءات الأمم المتحدة، بسبب الحصار والقصف الجوي الكثيف لكل شيء يتحرك في البلاد.
نختلف مع الأمير بن سلمان في قوله إن إطالة أمد الحرب في اليمن يصب في مصلحة المملكة، لأن الطرف المقابل محاصر ولا تصله أي إمدادات، وأن كان هذا ينفي كل المقولات التي تؤكد أن إيران تدعم الحوثيين بالسلاح والصواريخ، فإطالة أمد الحرب يعني استنزاف مالي وبشري ونفسي للمملكة ودول التحالف العربي التي تدعمها، ومن الأفضل للمملكة أن تتخلى عن هذه النظرية الخاطئة بأسرع وقت ممكن لتقليص الخسائر، وإبعاد نفسها ولو جزئيا عن تهم ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية في اليمن، وهي تهم قد تعرضها لعقوبات دولية وتعويضات بمئات المليارات من الدولارات.
النقطة الأخرى اللافتة في الحديث على الصعيد السياسي هي نفي الأمير بن سلمان وجود أي خلافات مع مصر على جزيرتي “تيران” و”صنافير”، وأعاد الأسباب إلى “الإعلام الإخونجي”، وأكد أن مصير الجزيرتين محسوم لصالح السيادة السعودية، وأن “جسر الملك سلمان” سيدخل مرحلة التنفيذ في غضون عامين على الأكثر، وهذه أقوال قد تثير مشاكل للمملكة على صعيدين: الأول مع حركة الإخوان المسلمين وتفرعاتها في مصر والخارج، وحتى في اليمن نفسها، حيث يحارب حزب الإصلاح الإخواني إلى جانب المملكة، والثاني مع الإعلام المصري الذي عارض في معظمه تنازل مصر عن الجزيرتين وأيد أحكاما قضائية تدعم وجهة نظره، ولم يكن في معظمه إخوانيا.
***
الأمير بن سلمان أغلق كل أبواب الحوار مع إيران، وقال “كيف أتفاهم مع نظام يقوم على أيديولوجية متطرفة منصوص عليها في وصية الإمام الخميني وتقول بالسيطرة على العالم الإسلامي ومقدساته ونشر المذهب الجعفري الاثني عشري، وتهيئة البيئة الملائمة لعودة المهدي المنتظر”، وختم حديثه بعبارة خطيرة جدا تقول “لن ننتظر إلى أن تأتي المعركة إلى السعودية، وسننقل المعركة إليهم في إيران”، فهم يريدون السيطرة على قبلة المسلمين.
نقل المعركة إلى ايران يعني قلاقل داخلية وتثوير أقليات عرقية وطائفية (سنية خاصة)، مثل العرب (خوزستان)، والبلوش (جنوب شرق إيران) والآذاريين والأكراد الفيلية، وأمدادها بالمال والسلاح على غرار ما حدث ويحدث في سورية والعراق واليمن وقبلها في أفغانستان، ومن يطلق هذا التهديد هو وزير الدفاع، ونجل الملك، وصاحب القرار الرئيسي في المملكة، فهل تريد السعودية فتح جبهة جديدة مع إيران؟ وهل تستطيع تحمل تبعاتها المالية والسياسية، وهي تخوض في الوقت نفسه حروبا في اليمن وسورية؟ وما علاقة هذا التصعيد السعودي بالمشروع الأمريكي بمحاولة إقامة “ناتو إسلامي” يتصدى لإيران، ثم كيف سيكون الرد الإيراني في هذه الحالة؟
مقابلة الأمير محمد بن سلمان هذه مهمة وخطيرة جدا، وكل كلمة وعبارة فيها تحتاج إلى تحليل وتأمل، ولكن الأهم في كل ذلك أنها تنبيء بتغييرات وشيكة في هياكل الحكم السعودي بدأت بإصدار العاهل السعودي 42 مرسوما ملكيا عينت أمراء جدد شباب من المقربين لولي ولي العهد، وقد تكون مقدمة للمرسوم الأهم، وهو تتويج الأمير بن سلمان وليا للعهد وملكا فعليا للسعودية ينتظر لحظة التتويج الرسمية.
السعودية تقف على عتبة تغييرات سياسية وهيكلية غير مسبوقة، وتدخل بشكل متسارع في عهد ولي عهد، أو ملك اسمه محمد بن سلمان، إلا إذا حدثت معجزة قوية داخلية تخلط الأوراق.. والأيام بيننا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/05/03