هل نجح مؤتمر المعارضة السورية في الرياض فعلا؟
عبد الباري عطوان
اختتم مؤتمر المعارضة السورية الذي انعقد في العاصمة السعودية الرياض طوال اليومين الماضيين أعماله بتحقيق الحد الأدنى من النجاح، والمقصود بالنجاح، هو عدم انهياره، واقتصار الانسحاب منه على جبهة “أحرار الشام”، أضخم الفصائل، وأهمها وجودا عسكريا على الأرض، احتجاجا على إعطاء دور أساسي لهيئة التنسيق المقربة من النظام، وعدم تأكيد البيان الختامي على هوية الشعب السوري المسلم.
السلطات السعودية تدرك حساسية وجود هذا العدد الضخم من ممثلي فصائل المعارضة (103)، والتنافر الإيديولوجي والشخصي بين بعضهم البعض، وحبهم الشديد، أو معظمهم، للظهور الإعلامي، ولذلك فرضت حصار شديدا على تحركاتهم، ومنعت اتصالهم بالخارج عبر مصادرة هواتفهم، تماما مثلما فعلت إدارة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون عندما جمعت الفلسطينيين والإسرائيليين في منتجع كامب ديفيد لمدة أسبوعين عام 2000، وصادرت هواتفهم النقالة.
البيان الختامي لم يتضمن أي جديد، وحتى الفقرة التي أبدت فيها فصائل المعارضة استعدادها للتفاوض مع النظام في المرحلة الانتقالية التي تبدو جديدة، وتعكس تنازلا، ليست جديدة على الإطلاق، فقد جلس ممثلو الائتلاف السوري مع وفد يمثل النظام وجها لوجه في مؤتمر جنيف الثاني، وجرى نسف هذه الفقرة من خلال شرط يبدو تعجيزا يتمثل في الإصرار على مغادرة الرئيس الأسد و”زمرته” الحكم مع بداية المرحلة الانتقالية، في تبن كامل للموقف الرسمي السعودي.
وكان لافتا تضمن البيان الختامي فقرة أخرى تنص على تشكيل لجنة عليا للمفاوضات مقرها الرياض، ومكونة من ثلاثين شخصا تكون بمثابة مرجيعة تختار الوفد التفاوضي، وهذا يعني أن المشاركين لم يتفقوا على أعضاء هذا الوفد في مداولات اليومين الماضيين، فقرروا اللجوء إلى هذه اللجنة في محاولة لتأجيل الخلاف، أو التعتيم عليه.
تصريحات الأمير محمد بن نايف ولي العهد السعودي التي أدلى بها أثناء افتتاحه مؤتمر المعارضة انعكست بشكل واضح على البيان الختامي الذي قيل أنه جرى إعداده قبل بدء الاجتماع وتم الطلب من الأعضاء المصادقة عليه.
الأمير بن نايف أعاد تكرار التصريحات “الاستفزازية”، التي ظل السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي يكررها طوال الأشهر الماضية، عندما أكد رفض وجود الرئيس السوري في أي صيغة حل “مؤقتة أو دائمة” وخروج الميليشيات الطائفية قبل أي حل سياسي.
هذه التصريحات تبدو للوهلة الأولى متناقضة تماما مع بنود اجتماع فيينا الأخير التي نصت على تسع نقاط، ولم تتحدث في أي منها على رحيل الرئيس السوري، بل عن مرحلة انتقالية لمدة سنة ونصف السنة، تقودها حكومة من شخصيات من المعارضة والنظام، تجرى بعدها انتخابات للسوريين داخل سورية وخارجها تحت إشراف الأمم المتحدة، ومن هنا، من غير المستبعد، أن تؤدي إلى نسف المفاوضات قبل أن تبدأ.
انسحاب حركة “أحرار الشام” إذا تأكد بالإضافة إلى عدم مشاركة “تيار قمح” الذي يرأسه الدكتور هيثم مناع، واستبعاد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، ناهيك عن عدم دعوة “جبهة النصرة” و”الدولة الإسلامية”، باعتبارهما “إرهابيتين” كل هذه العوامل تجعل تمثيل أي وفد مفاوض للمعارضة السورية “ناقصا”.
الحل السياسي للازمة السورية يبدو بعيدا، علاوة على كونه أكثر تعقيدا، فحتى هذا الحل بفرصة معقولة للنجاح لا بد من تحقيق أمرين أساسيين، أو أحدهما، الأول، أن يحسم أحد الأطراف الأوضاع على الأرض لصالحه، ويعترف للطرف الآخر بالهزيمة، أو أن يصل الطرفان إلى مرحلة الإنهاك التام، مما يجعلها أكثر ميلا للقبول بالحلول الوسط، وحتى هذه اللحظة لم يتحقق أي من الشرطين، مضافا إلى ذلك أن التدخل العسكري الروسي عزز صمود النظام، وتورط تركيا، الداعم الأبرز للمعارضة، في أزمات “فرعية” يمكن أن تتضخم مع جوارها العراقي والروسي، وتصاعد الاتهامات لها بدعم “الدولة الإسلامية”، يضعف موقفها ويزيده حراجة.
ربما يبدو غريبا في نظر الكثيرين هذا الموقف المتشدد من قبل المعارضة، ومضيفها السعودي خاصة في وقت تتصاعد الأصوات في الغرب الداعم لها بضرورة التفاوض مع الرئيس الأسد، واللجوء إلى الجيش السوري كقوة رئيسية على الأرض في الحرب ضد “الدولة الإسلامية”، وكان آخر المطالبين بذلك بوريس جونسون عمدة مدينة لندن الكبرى، والمرشح الأبرز لزعامة حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا.
فمن غير المستبعد أن تستغل السلطات السورية وحليفها الروسي هذه المواقف المتشددة لتصليب موقفها، وشروطها، في أي عملية سياسية قادمة، مؤقتة أو دائمة.
المفاجآت قادمة حتما، فبعد عودة الطيور المعارضة إلى أعشاشها في باريس واسطنبول وعواصم غربية أخرى، ستظهر الحقائق، وقد تطفوا الخلافات على السطح، أو هذا هو المتوقع، تماما مثلما حدث مع الوفد الفلسطيني الذي تزعمه الرئيس للراحل ياسر عرفات بعد عودته من مفاوضات كامب ديفيد، مع بعض الفروق في المقارنة.
رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2015/12/12