قطر تواجه ثاني أخطر أزمة في تاريخها.. حملة “رباعية”..
عبد الباري عطوان
الخلاف المتصاعد بين قطر من ناحية والمملكة العربية السعودية ودولة الأمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر من ناحية أخرى، يؤكد حالة الفوضى والانقسامات الشاملة التي تسود المنطقة العربية، والشق الخليجي منها خاصة، ويكشف هشاشة التحالفات وتقلباتها فيها.
نعترف أن هذا الخلاف لم يفاجئنا مطلقا، ولكن ما فاجأنا هو حدته، وطريقة التعبير عنه، والإجراءات والخطوات التي ترتبت، ويمكن أن تترتب عليه، فالدول الأربع من المفترض أنها أعضاء في منظومة مجلس التعاون الخليجي أولا، والتحالف العربي الذي يحارب الحوثيين وحزب المؤتمر في اليمن ثانيا، مضافا إلى ذلك أن هذه الدول الأربع، أو اثنتين منها، ضخت مليارات الدولارات، وآلاف الأطنان من الأسلحة لتأجيج الصراع الدموي في كل من سورية وليبيا واليمن، وما زالت.
مجلس التعاون الخليجي واجه العديد من الخلافات، بل والحروب السياسية والحدودية بين أعضائه، وخاصة بين دولة قطر والمملكة العربية السعودية، ولكن ما يجري حاليا بين الدول المذكورة آنفا، ربما يفتح جرحا من الصعب التئامه، ويحدث انقساما يستعصي على الجسّر في المستقبل المنظور على الأقل.
عنصر التفجير للازمة بدأ عندما بثت شبكة قنوات “العربية” السعودية، و”سكاي نيوز عربية” “الإماراتية، تصريحات خطيرة منسوبة إلى الأمير تميم بن حمد آل ثاني في حفل تخريج لمجموعة من المجندين، اعترض فيها على التصعيد للخلاف مع إيران، وقال إنه من غير الحكمة معاداتها، وأدان وضع “حزب الله” وحركة “حماس″ على قائمة الإرهاب باعتبارهما حركتي مقاومة، واتهم السعودية والإمارات والبحرين بالتحريض على دولة قطر واتهامها برعاية الإرهاب ومنظماته، وغمز بقناة السعودية عندما قال “إن الدول التي تدعي محاربة الإرهاب هي الأكثر تشددا دينيا، وتقدم ذرائع للإرهابيين”، وذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عندما انتقد إنفاق مئات المليارات من الدولارات على شراء الأسلحة بدلا من إنفاق هذه الأموال على مشاريع التنمية، وتكهن بأن أيام ترامب باتت معدودة.
***
محطتا “العربية” و”سكاي نيوز عربية” التقطتا هذه التصريحات، واستضافت العديد من المحللين المصريين والسعوديين الذين انهالوا بالهجوم على دولة قطر، واتهامها بالإرهاب، واحتضان حركاته، وخاصة حركة “الأخوان المسلمين”، حسب وجهة نظرهم، وبثت قناة “العربية” تسجيلا صوتيا لأمير قطر الأب الشيخ حمد بن خليفة وهو يهاجم السعودية ويتوقع انهيار حكم آل سعود في مكالمة له مع العقيد الليبي معمر القذافي، كما نقلت تصريحات قديمة للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح يكشف فيها طلب أمير قطر السابق منه المساعدة في شن حملات تخريبية في العمق السعودي.
أمبراطورية الإعلام القطري العملاقة التي تشكل قناة “الجزيرة” رأس الحربة فيها، أخذت على عين غرة، ولم تتصد لهذه الحملة بالتوضيح والرد، وواصلت بث برامجها العادية، الأمر الذي أعطى لها، أي للحملة، نوعا من المصداقية لفترة طويلة، وجاء أول تصريح لمسؤول قطري للتوضيح بعد عدة ساعات، في صورة بيان قصير جدا يقول أن وكالة الأنباء القطرية تعرضت لاختراق من قبل جهات مجهولة، وأن التصريحات المنسوبة للأمير تميم “مزورة”.
وزاد من حالة “الغموض” القطرية خبرا عاجلا لقناة “العربية” أكد أن الشيخ محمد بن عبد الرحمن وزير الخارجية القطري أبلغ سفراء مصر والبحرين والإمارات والسعودية بمغادرة الدوحة خلال 24 ساعة، وهو ما نفاه الوزير، وقال أن كلامه أخذا خارج سياقه.
المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والبحرين اتخذت قرارا فوريا بحجب مواقع شبكة “الجزيرة” وكل الصحف القطرية على شبكة “الانترنت”، ومن غير المستبعد أن تلجأ إلى التشويش على بث قناة “الجزيرة” لاحقا، مما يؤكد أن النفي القطري لأقوال الأمير تميم، والتأكيد على اختراق وكالة الأنباء القطرية لم يكونا “مقنعين” ولم يخففا من حدة الأزمة، ويوقفا الحملة.
اللافت أن هذه الأزمة في العلاقات بين قطر ودولتي الأمارات والسعودية جاءت بعد حدثين مهمين لا بد من التوقف عندهما:
الأول: الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرياض، ومشاركته في ثلاث قمم سعودية وخليجية وعربية إسلامية، والتركيز على الحرب على الإرهاب، واعتبار إيران رأس حربته، وتلعب دورا رئيسيا في زعزعة استقرار المنطقة، وعقد الرئيس الأمريكي اجتماعا اتسم بالتوتر مع الأمير القطري على هامشها.
الثاني: ظهور العديد من المقالات في صحف أمريكية وغربية، وكان آخرها في مجلة “فورين بوليسي” وبقلم جون هانا، المسؤول السابق في وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكية، واحد مستشاري ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي الأسبق، اتهم فيها قطر بدعم الإرهاب، والتحريض على قتل الأمريكان في العراق، واستخدام “الجزيرة” بفاعلية لتحويل الربيع العربي إلى شتاء إسلامي متطرف، وتمويل جماعات إسلامية بالمال والسلاح للقتال في سورية، علاوة على تسترها على إقامة خالد شيخ محمد، مهندس هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الدوحة، وتسهيل هروبه إلى أفغانستان قبيل إقدام المخابرات الأمريكية على اعتقاله، مضافا إلى ذلك إتباعها سياسة مزدوجة من وجهين، أي احتضان قاعدة “العيديد” التي انطلقت منها الطائرات الأمريكية لضرب العراق، والوقوف إلى جانب نظام صدام حسين ودعمه إعلاميا، وأكد كاتب المقال أن تشيني بحث نقل قاعدة “العيديد” من قطر، وأن ترامب يؤيد هذه التوجه، والأمارات والسعودية مرشحتان لاستضافتها، وطالب بمعاقبة دولة قطر على رعايتها للإرهاب.
الأمير تميم حظي باستقبال “بارد” في قمة الرياض، ولم يتبادل الحديث إلا مع السيد فهد بن محمود، نائب رئيس وزراء سلطنة عمان ورئيس وفدها، وبدرجة أقل مع الأمير محمد بن نايف ولي العهد السعودي، وذكرت مصادر داخل القمة أن الأمير محمد بن زايد الذي لم يتبادل معه أطراف الحديث، أو يصافحه مطلقا، وكسر البروتوكول وتجاوز الأمير تميم، ووقف إلى جانب الرئيس ترامب في أحد الصور التذكارية.
***
اكتفاء الإمبراطورية الإعلامية القطرية بأذرعتها كافة، بـ”توضيح” مسألة الاختراق لوكالة الأنباء القطرية، ونفي التصريحات المنسوبة للأمير تميم، و”التراجع″ عن قرار طرد سفراء السعودية والإمارات ومصر والبحرين يوحي بان قطر قررت اللجوء، على غير عادتها، إلى التهدئة، ومحاولة امتصاص الأزمة، ولكننا نعتقد أن الطرف الآخر قد يستمر في التصعيد ريثما تتخلى دولة قطر عن دعم حركة “الإخوان المسلمين” وأدواتها الإعلامية، وتشهر سيف العداء ضد إيران، وتتماهى مع سياسات المثلث السعودي المصري الإماراتي حرفيا.
مصادر خليجية سربت أنباء عن وجود “سيناريو” لإجراء عملية تغيير في قمة الحكم في قطر بضوء أخضر أمريكي، وأن ما يحدث حاليا هو تمهيد لها، ولكننا لم نجد أي تأكيد لهذا السيناريو، وأن كنا لا نستبعده، بالنظر إلى محاولة الانقلاب التي وقعت عام 1996، للإطاحة بأمير قطر السابق وإعادة والده إلى الحكم، ومن المفارقة إن الدول الثلاث، أي السعودية والإمارات ومصر كانت مشاركة في هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة بالمال والسلاح والجنود.
هل يعيد التاريخ نفسه؟ لا نملك الإجابة، ولكن الأزمة خطيرة، والقطيعة تتفاقم، ولا شيء مستبعد هذه الأيام في ظل التحالف الإماراتي السعودي الذي لم يتردد عن خوض الحرب في اليمن، والاستمرار فيها لأكثر من عامين، وقرع طبول حرب أخرى ضد إيران، والتهديد بنقل المعركة إلى عمقها.
سؤال آخر يبدو مشروعا وهو: من سيهرع للوقوف إلى جانب قطر والدفاع عنها؟ إيران التي حاربتها قطر والفصائل المتحالفة معها في سورية وبدرجة أقل في العراق، أم تركيا البعيدة والتي باتت في حالة من العداء مع جميع جيرانها إلى جانب أمريكا ومعظم دول أوروبا؟ أم قاعدة “العيديد” الأمريكية التي تريد وجنودها وطائراتها الرحيل.
لا نملك إلا توجيه الأسئلة في الوقت الراهن، والاعتراف بأن قطر في وضع متأزم، وغير مسبوق، وفي مواجهة أعداء شرسين وعدد قليل جدا من الحلفاء، وفي زمن يوضع فيه العقل والحكمة جانبا، وصححونا إذا كنا مخطئين.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/05/25