آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الله المطيري
عن الكاتب :
- كاتب سعودي مهتم بقضايا الفكر والفلسفة والحريات وحقوق الإنسان. - يعمل محاضرا في كلية التربية بجامعة الملك سعود ومبتعث حاليا لأمريكا لدراسة الدكتوراه في الأصول الفلسفية للتربية. - أسس مع آخرين الحلقة الفلسفية في الرياض ضمن أعمال نادي الرياض الأدبي. - شارك في عدد من المحاضرات والندوات محليا وعربيا.

احتفالية رمي المقررات الدراسية


عبدالله المطيري        

سلوك الطلاب يمكن فهمه على أنه نتيجة لعملية تعليمية لم تنجح في خلق علاقة جيدة بين الطالب والمعرفة، بين الطالب والآخر

من الظواهر التي تتكرر مع نهاية كل فصل دراسي أن يقوم الطلاب برمي كتبهم وملخصاتهم الدراسية في الشارع احتفالا بنهاية الاختبارات أو احتفالا بنهاية اختبار مادة معينة. أحد تأويلات هذا السلوك أنه تعبير عن نهاية العلاقة مع ذلك الكتاب وهي علاقة لم تكن ودية وأصبحت أزمة حقيقية في وقت الاختبارات. الكتاب المدرسي أو الملخص الدراسي أصبح علامة على مهمة الحفظ الشاقة ومهمة الاختبار النهائي الذي ستحدد نتيجته نسبة عالية من تقييم الطالب، وبالتالي فرصته التنافسية في المستقبل. الكتب والملخصات التي نتحدث عنها انتهت علاقتها بالطالب مع نهاية الاختبارات. العلاقة بينهما علاقة محدودة بهذه الصيغة. الطالب لم يختار الكتاب وفي كثير من الأحيان لم يشعر بعلاقة خاصة معه. لاحظ هنا أننا نتحدث عن كتب مدرسية قل ما يرتبط الطالب بها على مستوى أعلى من الغرض المدرسي. أقصد بالكتاب المدرسي هنا الكتاب الذي ألف على أن يكون مقررا دراسيا وغالبا ما يكون معلوماتيا وغير جذاب للطلاب.

 لكن دعونا نأخذ المشهد من بدايته. في بداية كل موسم دراسي يتعرض الطالب لهجوم كاسح من الكتب الدراسية. بمعنى أنه يوزع عليه عدد هائل من الكتب في لحظة واحدة. هو يعلم أن المطلوب منه أن يستوعب/ يحفظ كل ما في هذه الكتب لكي يتخطى المرحلة الدراسية التي سيبدأها اليوم. لا أظن أن هذه بداية مشجّعة لعلاقة طيبة بين الطالب والكتاب المدرسي. لابد هنا من التذكير أن ظاهرة الكتب المدرسية ليس ظاهرة ضرورية. بمعنى أن هناك أنظمة تعليمية متفوقة في العالم لا تستخدم كتب المقررات الدراسية. في أميركا علي سبيل المثال، لا توجد مقررات على مستوى الدولة ولا على مستوى الولاية. هناك معايير تحدد لكل مرحلة دراسية والأمر متروك للمدرسة والمعلمة في اختيار المادة العلمية المناسبة. غالبا ما تتم الأمور بتشكيل ملف لكل مادة يتم تحديثه باستمرار من خلال المواد والتمارين والأعمال التي ينجزها الطالب. هذا التنظيم يترافق مع عدد محدود من المواد الدراسية: رياضيات، علوم، لغة، دراسات اجتماعية. الكتب في مثل هذه الأنظمة الدراسية تعني الكتب فعلا وليس المقررات الدراسية. أعني أن كتب القراءة في تلك الأنظمة التعليمية هي فعلا كتب إبداعية موجودة في السوق وليست مقررات دراسية. المشهد الذي يتكرر كثيرا أن الطفلة أو الطفل في المدارس في أميركا يحمل في حقيبته كتابا أو أكثر من الكتب التي ألفها مبدعون خارج المجال التعليمي. هذه الكتب تكون مجالا للقراءة والتحليل والنقد داخل المدرسة. هذا يعني أن علاقة الطلبة في تلك الأنظمة هي فعلا مع الكتاب الحقيقي وليست مع المقررات الدراسية كما هو الحال لدينا في السعودية. في الغالب لا أحد يحب المقررات الدراسية.

في المقابل نجد أن ردود الأفعال تجاه رمي المقررات الدراسية والملخصات تنطلق من منطلقات مختلفة يمكن تصنيفها كالتالي: اعتراضات من منطلق الأدب مع المضمون الديني داخل تلك الأوراق. هذا الاعتراض يقول إنه لا يجوز رمي الأوراق التي تحتوي ما هو مقدس. الاعتراض الثاني ينطلق من مبدأ النظافة والتبذير. أي أن هذا العمل مرفوض بوصفه إهدارا للمقررات التي صرفت عليها أموال طائلة، كما أنه تشويه للمكان العام. الاعتراض الثالث ينطلق من فكرة أن رمي المقررات والملخصات الدراسية علامة على فشل التعليم تحديدا في صناعة علاقة جيدة بين الطالب والمعرفة. كل هذه الاعتراضات وجيهة وهي تشير إلى كون ظاهرة رمي المقررات الدراسية والملخصات امتدادا لظواهر اجتماعية أخرى. رمي المقررات هنا هو امتداد للإشكال الأخلاقي. بمعنى أنه امتداد لظواهر العنف التي نلاحظها في المدارس كما نلاحظها في باقي المرافق العمومية من تكسير وتشويه. كذلك يمكن النظر للأمر باعتباره استمرارا لمشاكل الفساد وهدر المال العام في البلد. هذا يجعلنا نتساءل عن جدوى صرف مبالغ طائلة على منتجات من الواضح أنها لا تؤدي هدفها بالشكل المطلوب. من جهة ثالثة يمكن أن نقرأ مشهد رمي المقررات والملخصات على أنه امتداد للعلاقة شبه المقطوعة بين الطالب والمعرفة. إحصاءات معدلات القراءة المتداولة تشير إلى ضعف معدلات القراءة في السعودية. نلاحظ هنا أن واحدا من أسباب العلاقة شبه المقطوعة مع الكتاب أن المدرسة ذاتها منغلقة على الكتب خارج أسوارها. بمعنى أن المدرسة لا تسمح أو لا تشجّع على أن يتواصل الطلاب مع الكتب التي يحبونها من خارج المدرسة. غالبا ما تحصر المدرسة خيارات الطلاب في المكتبة المدرسية. المكتبة المدرسية حكاية أخرى من الاغتراب عن القراءة. أغلب الكتب المتوفرة فيها لم تكتب للطلاب ولا من هم في فئاتهم السنية.

الجميل في ردود الفعل المنشورة على مقطع رمي المقررات والملخصات أنها أعادت الكرة لساحة المؤسسات التعليمية والمجتمع بشكل عام. سلوك الطلاب يمكن فهمه على أنه نتيجة لعملية تعليمية لم تنجح في خلق علاقة جيدة بين الطالب والمعرفة، بين الطالب والآخر. مشهد الاحتفالية برمي وتمزيق المقررات يشير إلى عنف لا يجب علينا تجاهله.

صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2017/05/31

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد