ما هو الثمن الذي سيدفعه العرب والفلسطينيون لترامب مقابل تأجيل نقل السفارة الأمريكية؟
عبد الباري عطوان
قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتأجيل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة لمدة ستة أشهر، تحت ذريعة دعم فرص التفاوض للتوصل إلى اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين يثير قلقنا، لأنه ربما يستخدم كوسيلة ابتزاز للحصول على تنازلات إستراتيجية من العرب والفلسطينيين معا.
ترامب “التاجر” لا يمكن أن يقدم على خطوة كهذه دون الحصول على ثمنها أضعافا مضاعفة، فهو يصعد مواقفه ويبالغ في تهديداته ضد ضحاياه من أجل إرهابهم، ودفعهم للتجاوب مع مطالبه ليحصل على أعلى سعر، فأثناء حملته الانتخابية تطاول على الحكومات الخليجية، ووصفها بأنها مجرد خزائن للمال، لا تستطيع أن تعيش يوما واحدا بدون الحماية الأمريكية، وعليها دفع ثمن هذه الحماية من دخلها النفطي.
المملكة العربية السعودية دفعت الثمن نقدا، وكانت الدفعة الأولى 460 مليار دولار على شكل صفقات أسلحة واستثمارات في مشاريع البنى التحتية الأمريكية، ومعظم الحكومات الخليجية الأخرى تقف في الطابور، تنتظر دورها ودفتر شيكاتها للتوقيع وتحديد الرقم.
***
بعد أن وقع الرئيس ترامب وثيقة تأجيل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، سيلتفت إلى العرب والفلسطينيين مطالبا بأن يكون المقابل تطبيع أكبر وعلاقات أوثق بين الدول العربية، والخليجية منها بالذات، ودولة الاحتلال الإسرائيلي، مثل إقامة شبكات اتصال هاتفية وخطوط طيران مباشر، وفتح سفارات أو مكاتب تجارية، وإلغاء جميع القيود على دخول الإسرائيليين إلى العواصم العربية، ورجال الأعمال منهم خاصة، وتوقيع صفقات أسلحة، واتفاقات تعاون أمني، ومناورات عسكرية مشتركة.
أما ما هو المطلوب من الفلسطينيين يتمثل في لائحة طويلة من التنازلات، أبرزها الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، والعودة إلى المفاوضات المباشرة دون أي شروط مسبقة، ووقف كل أعمال “التحريض” ضد الاحتلال، وتوسيع نطاق التنسيق الأمني، والامتناع عن دفع السلطة مرتبات الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال.
قبل يومين من إعلان تأجيل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، التقى السيد رامي الحمد الله، رئيس وزراء السلطة، بموشيه كحلون، وزير المالية عضو الحكومة الإسرائيلية المصغرة، وجها لوجه للمرة الأولى منذ عام 2000 بهدف التوصل إلى اتفاق على توسيع صلاحيات السلطة في المنطقة “ج” التي تشكل 60 بالمئة من مساحة الضفة الغربية، من حيث إعطاء تصاريح بناء ووقف عمليات الهدم، وفتح معبر الكرامة على نهر الأردن لمدة 24 ساعة طوال أشهر الصيف لتسهيل العبور.
ولا نستبعد أن تكون خطوة ترامب هذه جرى الاتفاق عليها أثناء قمم الرياض في 20 من شهر أيار (مايو) الماضي، وتمهيدا لعقد “مؤتمر سلام” في واشنطن يجمع العرب والإسرائيليين تنطلق منه عمليات التطبيع الكاملة في شتى الميادين.
جميع الرؤساء الأمريكيين تعهدوا بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، ولكنهم لم ينفذوا تعهداتهم هذه، مع فارق أساسي وهو أن ترامب صعد من موقفه، وأرسل سفيرا يهوديا متطرفا إلى تل أبيب، من أجل أن يرفع الثمن، ويبدو أنه سيحصل على ما يريد من العرب والفلسطينيين ومجانا مقابل هذه الخطوة.
السلام الذي يريد ترامب تشجيعه بين العرب والإسرائيليين هو السلام الاقتصادي، وفي طريق باتجاه واحد، من العرب إلى الإسرائيليين على شكل أموال وصفقات أسلحة واستثمارات، وتبادل تجاري ينعش الشركات الإسرائيلية، أما حل الدولتين، أو الانسحاب الإسرائيلي، ووقف الاستيطان، فهذه من الأمور المحرمة التي يجب على العرب نسيانها.
***
اللقاء الأخير بين الرئيس محمود عباس وترامب في بيت لحم كان عاصفا، حيث تجاوز الرئيس الأمريكي كل اللياقات البروتوكولية عندما صرخ في وجه مضيفه الفلسطيني متهما إياه بخديعته ومواصلة أعمال “التحريض” ضد إسرائيل وعدم الالتزام بثقافة السلام، ومفهوم التحريض عند ترامب، والإسرائيليين الذين زودوه بوثائق مصورة في هذا الصدد، هو وجود مواد في المناهج الدراسية الفلسطينية تطالب بالعودة، وتعتبر إسرائيل عدو محتل، وإطلاق أسماء الشهداء على بعض المدارس والشوارع، وتمجيد الأسرى.
مطلوب من الفلسطينيين، والعرب أيضا، محو ذاكرتهم، واحتضان الإسرائيليين كأصدقاء وحلفاء وحملان وديعة، أما غير ذلك فهو تحريض وهمجية، فالعدو الآن هو إيران، ومن يقول غير ذلك فهو إرهابي ومتطرف ومجوسي ومرتد.
خيبة أمل بنيامين نتنياهو من تأجيل قرار نقل السفارة مسرحية، وأبشع أنواع الدجل والتضليل، فهو على علم به، وموافق عليه، واتفق على الثمن أو المقابل مسبقا.. ونحن المخدوعون والمضحكة، وهذا ليس جديدا على أي حال.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/06/02