هل طلبت قطر فعلا من بعض قادة “حماس″ مغادرة أراضيها استجابة لضغوط أمريكية بطلب إسرائيلي؟
عبد الباري عطوان
نفت حركة المقاومة الإسلامية “حماس″ اليوم الأحد صحة تقارير إعلامية تحدثت عن مطالبة دولة قطر عدد من المسؤولين فيها الذين يقيمون في الدوحة حاليا مغادرتها بسبب ضغوط أمريكية، وربما إسرائيلية أيضا، وقال السيد حسام بدران الناطق باسمها “إن ما تناقلته بعض وسائل الإعلام مؤخرا من تقارير مغلوطة ومزاعم حول لائحة قدمتها قطر تضم أسماء من قيادات حركة “حماس″ طلبت مغادرتها الأراضي القطرية هو كلام يجافي حقيقة الواقع″، واتهم السيد بدران وسائل إعلام اعتادت الترويج لمعلومات وأخبار غير صحيحة عن حركة “حماس″ بغرض تشويه الصورة ومحاولة التأثير على علاقات الحركة الخارجية.
قناة “الميادين” كانت أول من أشار إلى هذه التقارير، وهي مقربة جدا من حركة “حماس″ ووقفت جانبا في صفها، واستضافت، بل كانت القناة الوحيدة تقريبا التي حرصت على استضافة مسؤولين في الحركة على شاشتها، وانفردت بنشر وثيقة “حماس″ الجديدة حول توجهاتها السياسية التي تضمنت تعديلا لميثاقها، وتحدثت عن قبولها بدولة فلسطينية مستقلة في المناطق المحتلة في حزيران (يونيو) عام 1967 دون الاعتراف بدولة إسرائيل، أو تخليها عن تحرير كل أراضي فلسطين التاريخية.
***
دولة قطر تتعرض إلى ضغوط أمريكية وإسرائيلية ضخمة طوال الأشهر الستة الماضية، بسبب وجود قائد المكتب السياسي السيد خالد مشعل على أراضيها إلى جانب مجموعة من أعضاء المكتب السياسي، مثل السادة موسى أبو مرزوق، ومحمد نزال، وعزت الرشق، إلى جانب السيد صالح العاروري الذي أبعدته الحكومة التركية من أراضيها كأحد شروط المصالحة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
السيد صالح سليمان العاروري (أبو محمد) هو عضو المكتب السياسي لحركة “حماس″ وساهم بدور كبير في تأسيس الجناح العسكري للحركة في الضفة الغربية (كتائب القسام)، واعتقل وقضى في السجون الإسرائيلية أكثر من 15 عاما، وجرى إبعاده عن الأراضي الفلسطينية، وكان أحد أعضاء الفريق المفاوض لإتمام صفقة “وفاء الأحرار”، أي صفقة شاليط، واتهمته إسرائيل بالوقوف خلف خطف المستوطنين الثلاثة في الخليل وقتلهم انتقاما لحرق الشاب محمد أبو خضير (17 عاما) وهو حي من الداخل والخارج، واستخدمت الحكومة الإسرائيلية عملية القتل للمستوطنين الثلاثة كذريعة للعدوان على قطاع غزة صيف عام 2014.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي زار الرياض في 22 أيار (مايو) الماضي، وشارك في القمم الثلاث وصف حركة “حماس″ إلى جانب “حزب الله” اللبناني بأنها حركة إرهابية، أثناء خطابه أمام القمة العربية الإسلامية، وفي حضور العاهل السعودي وعدة زعماء عرب وخليجيين، بينهم أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، العاهل الأردني عبد الله ثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، والقائمة تطول.
وذكرت مصادر دبلوماسية خليجية أن لقاء الرئيس ترامب بالشيخ تميم على هامش القمة الأمريكية الخليجية في الرياض كان متوترا، وأن الرئيس الأمريكي احتج على اتخاذ مسؤولين في حركة “حماس″ من الدوحة مقرا لهم، عاكسا بذلك شكاوى ومطالبات إسرائيلية في هذا الصدد.
قناة “الميادين”، التي كانت أول من تحدث عن مطالبة قطر بمغادرة مسؤولين من “حماس″ أراضيها، لم تكشف أي أسماء، لكن يسود اعتقاد بأن المقصود الأبرز هو السيد صالح العاروري الذي يوصف بأنه القائد الميداني الأبرز لحركة حماس المكلف بإدارة عملياتها الميدانية في الضفة الغربية.
وما يرجح الضغوط الأمريكية والإسرائيلية المتعاظمة على دولة قطر أن السيد خالد مشعل ورفاقه واجهوا مصاعب عديدة أثناء محاولتهم عقد مؤتمر صحافي لإعلان الوثيقة السياسية للحركة في الدوحة، حيث جرى تغيير مكان انعقاد المؤتمر ثلاث مرات بسبب اعتذار فنادق عالمية من بينها فندق “انتركونتيننتال” الدوحة عن استضافته.
قطر استجابت لشروط المصالحة مع كل من السعودية والإمارات والبحرين أثناء أزمة سحب السفراء عام 2014 من الدوحة، وكان من أبرز هذه الشروط إبعاد قيادات حركة الإخوان المسلمين من الدوحة، وفعلا انتقل هؤلاء إلى اسطنبول ودول أخرى مثل بريطانيا، وجرى إغلاق قناة “الجزيرة مصر” ونقل العمليات والقنوات الإعلامية للحركة إلى تركيا.
ما نريد قوله أن قطر ليست أقوى من تركيا التي رضخت للضغوط الأمريكية والإسرائيلية وأبعدت السيد العاروري، ولا نستبعد أن يكون تراجع السيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي الجديد للحركة عن الانتقال إلى الدوحة والإقامة فيها أسوة بالسيد مشعل، قد جاء بطلب قطري.
***
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة يدور حول الجهة التي سيذهب إليها هؤلاء، في حال رضوخ قطر في الأيام المقبلة للضغوط الأمريكية، فهل سيعود البعض منهم إلى تركيا أم إلى بيروت في ضيافة “حزب الله” بعد تحسن العلاقات بين حماس وقطر من ناحية، وإيران من ناحية أخرى في الفترة الأخيرة، أم أنهم سيذهبون إلى قطاع غزة، وموافقة مصر في هذه الحالة حتمية، ولا نستغرب أن تكون هذه المسألة مدرجة على جدول أعمال اللقاءات التي سيجريها الوفد الذي وصل إلى القاهرة بقيادة يحيى السنوار، رئيس الحركة في قطاع غزة.
الشيخ خالد آل خليفة وزير خارجية دولة البحرين أكد لصحيفة “الشرق الأوسط” اليوم عدم وجود أي معلومات لديه حول مساع دبلوماسية لحل الأزمة القطرية، وهذا يعني إصرار المربع المصري السعودي الإماراتي البحريني على تجاوب دولة قطر لجميع الشروط المطلوبة منها قبل بدء أي وساطة كويتية أو غيرها لتسوية الخلاف، ومن بينها قطع العلاقات مع إيران، ومع حركة الإخوان المسلمين وجميع فروعها، ومن بينها حركة “حماس″، وعدم فتح أراضيها لأي من المعارضين الخليجيين.
دولة قطر سلمت المعارض السعودي محمد عبدالله العتيبي إلى الرياض وهو الذي كان في طريقه إلى النرويج بعد الحصول وأسرته على وثائق سفر صالحة وحق اللجوء السياسي، ولذلك من غير المستبعد أن تطالب بعض قادة “حماس″ بالمغادرة أيضا.
أيام قطر المقبلة صعبة، والحرب الإعلامية ضدها مستمرة، والقادم أعظم.. والله أعلم بما ستحمله الأيام المقبلة من ضغوط وتنازلات.
عندما تصل الأمور إلى كرسي العرش فأن جميع الأمور الأخرى تتراجع، ويتم البحث عن مخارج وحلول وتنازلات، فلا شيء يتقدم على الحكم.. هكذا علمتنا تجارب التاريخ بشقيه القديم والحديث.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/06/04