دخول ترامب وتركيا وإيران إلى حلبة الأزمة جعل الجبير يرتبك ويخاطب دولة قطر بـ”الشقيقة”
عبد الباري عطوان
دخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على خط الأزمة القطرية مرتين، في الأولى مباركا لتحرك جناح “الخصوم” متهما قطر بتمويل الإرهاب ورعاته، ومؤكدا أن عزلها يشكل بداية القضاء عليه، والثانية عندما تحول “اليوم” إلى وسيط أثناء اتصاله هاتفيا بالأمير تميم بن حمد آل ثاني، عارضا استضافة قمة تسوية في واشنطن.
اتصال ترامب الثاني بأمير قطر جاء بعد آخر مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، مؤكدا أن بلاده “تتطلع إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة”، وهذا يعني للوهلة الأولى كسر الحصار ولو جزئيا عن قطر.
لا نعرف النص الكامل لمضمون مكالمة ترامب مع الأمير القطري، ولكننا نتوقع أن يكون قد ناقش معه “المقابل المادي” لأي تدخل أمريكي ينهي الأزمة، أو يحتويها على وجه الدقة، فهذا الرجل يحركه المال، وينظر إلى الأمور السياسية من منظور “التاجر” لا أكثر ولا أقل، ولعله بات يخشى من خيارات قطر الأخرى أيضا.
***
ثلاثة تحولات رئيسية حدثت في المشهد السياسي الخليجي في الساعات القليلة الماضية قد تكون غيرت قواعد اللعبة، وعدلت الكفة قليلا لصالح دولة قطر:
الأول: قرار البرلمان التركي بالموافقة على إرسال قوات برية وجوية إلى القاعدة التركية في قطر، تطبيقا لمعاهدة الدفاع المشترك بين البلدين.
الثاني: الزيارة التي قام بها السيد محمد جواد ظريف، وزير خارجية إيران، إلى أنقرة، وسط تزايد الحديث عن احتمال تشكيل محور تركي إيراني عراقي في مواجهة المحور السعودي الإماراتي البحريني المصري.
الثالث: توارد أنباء عن وصول وحدات من الحرس الثوري الإيراني إلى الدوحة تحت غطاء تدريب قوات قطرية، وتعزيز حماية القصر الأميري، على حد قول محطة “العربية” السعودية.
هذه العوامل الثلاثة يمكن أن تنعكس في توجيهين محتملين في الأزمة القطرية:
الأول: أن تدفع بالسلطات القطرية لرفض المطالب العشرة التي تفرضها السعودية وحلفاءها على قطر، وتعتبرها الأخيرة انتقاصا من سيادتها وفرضا للوصاية عليها.
الثاني: أن يشكل التلويحان التركي والإيراني بالتدخل في الأزمة القطرية إلى تحلي الطرف السعودي الإماراتي بالمرونة وتخفيض سقف المطالب، وبما يؤدي إلى نجاح الوساطة الكويتية العمانية.
الأزمة القطرية تزداد تعقيدا يوما بعد يوم، وقد تتعقد أكثر إذا طال أمد الوساطات، وظلت تدور في حلقة مفرغة، أي تكرار مقولة عدم التزام دولة قطر بإتفاقات عام 2014، وهي مقولة صحيحة، ولكن مياها كثيرة مرت تحت الجسر في السنوات الثلاث الماضية.
الدخول التركي الإيراني على خط الأزمة قد يحولها من أزمة خليجية إلى أزمة إقليمية، وربما عالمية لاحقا، تماما مثلما حدث للازمات السورية والليبية واليمنية.
محاولات “إقلمة” الأزمة، وأخراجها من هويتها الخليجية، ربما تعجل بالحل العسكري في حال تعثر الحل السياسي، فالمزاج السعودي الإماراتي يميل إلى التصعيد في هذا الاتجاه، ودليلنا ما قاله الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية.
الدكتور قرقاش صرح اليوم لوكالات الأنباء العالمية بتصريحين على درجة كبيرة من الخطورة، الأول عندما هدد بإجراءات “عقابية” اقتصادية جديدة ضد قطر في الأيام المقبلة إذا لم تقبل بالشروط المطروحة، والثاني عندما أكد أن بلاده وحلفاءها تريد تغيير السياسات وليس تغيير النظام في الدوحة.
***
الأزمات العربية في العراق وليبيا وسورية واليمن أكدت لنا أنه من الصعب جدا تغيير السياسات دون تغيير الأنظمة، وجميع هذه الأزمات انتهت بتدخلات عسكرية إقليمية ودولية، ومن المؤكد أن هذه النظرية لم تكن غائبة عن الدكتور قرقاش وقيادته، وإذا كانت غائبة فعلا، فإنه نجد لزاما علينا التذكير بها.
نحن نعيش حاليا سباقا بين الوساطة السياسية الخليجية والتصعيد العسكري، بين “الأقلمة” و”الخلجنة”، أو بين الاثنتين والتدويل، وهو سباق ساخن ومثير في جميع الأحوال.
هرولة حلفاء قطر في إيران وتركيا لنجدتها، وعدم معارضة قيادتها وصول قوات تركية وإيرانية إلى أراضيها، يعني أنها ليست مستعدة للركوع وقبول الوصاية، وتلويح السعودية والإمارات بعقوبات اقتصادية أشد لا يوحي بأنهما قد يتراجعان عن تهديداتهما.
هل نحن امام “عاصفة حزم” جديدة ضد دول قطر؟ لا نستبعد ذلك، فهناك سوابق بتدخلات عسكرية، بعضها نجح (حرب الخفوس 1992) وبعضها فشل (انقلاب عام 1996) فهل يكون مصير هذه العاصفة في حال انطلاق صافرتها مختلفا؟
لا نملك الإجابة، وكل ما نستطيع أن نقوله أن استمرار الوساطة الكويتية، وانضمام سلطنة عمان إليها، رغم العثرات، هو تعبير عن الرعب والخوف من نتائج الفشل.
احتمالات التدخل العسكري تتراجع، والتدخلات الإقليمية و”الترامبية” قد تؤدي إلى تسوية تنزع فتيل الانفجار، ولا تؤدي إلى حل جذري على غرار ما حدث لوساطة أزمة سحب السفراء عام 2014.
عندما يصف السيد عادل الجبير قطر بأنها “الدولة الشقيقة” بعد كل الحملات الإعلامية التي نهشت لحمها، وخاضت في عرض أسرتها الحاكمة، فهذا يعني أن قواعد اللعبة تتغير بسرعة.. والله أعلم.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/06/08