لماذا الشيخ محمد بن زايد الأكثر سعادة بتولي الأمير بن سلمان ولاية العهد في السعودية؟
عبد الباري عطوان
سيدخل الأمير محمد بن نايف تاريخ المملكة العربية السعودية بأنه ثاني ولي عهد تتم الإطاحة به، وتجريده من جميع مناصبه، في غضون عامين، الأمر الذي يعني أن “خصمه” ونائبه الأمير محمد بن سلمان حسم الصراع لصالحه، وبات على بعد أشهر، أن لم يكن أياما من تولي العرش.
ثلاث جهات تُعتبر موافقتها حاسمة لتولي الأمير بن سلمان العرش، وتجاوز ابن عمه الأمير محمد بن نايف على سلم الخلافة، الأولى الإدارة الأمريكية، والثانية مؤسسة العائلة الحاكمة، والثالثة المؤسسة الدينية المتمثلة في هيئة كبار العلماء، وعلى رأسها أسرة آل الشيخ، وقد ضمنها ولي العهد الجديد جميعا.
الزيارة التي قام بها الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن فور إعلان تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سدة الرئاسة، كانت تهيئة للمراسيم الملكية التي صدرت فجر اليوم، وثبتته في ولاية العهد، وجرت المصادقة الرسمية أثناء زيارة الرئيس ترامب للرياض لحضور القمم الثلاث بعد تحديد الثمن المقابل الذي تجاوز النصف ترليون دولار على شكل صفقات أسلحة واستثمارات في البنى التحتية الأمريكية.
الشعب السعودي ليس له أي رأي في هذه التغييرات في المناصب العليا أو السفلى في الدولة، ومطالب في الوقت نفسه بطاعة أولي الأمر، والتوجه إلى قصر الحكم لمبايعة ولي العهد الجديد، تماما مثلما ستفعل هيئة كبار العلماء، وأفراد الأسرة الحاكمة من الذكور فقط.
***
الأمير محمد بن سلمان ظل على مدى العامين الماضيين، وبالتحديد منذ أن تولى والده العرش يرتب مؤسسات الحكم وإدارته وفق مقاساته، ولهذا استصدر عدة مراسيم باسم والده تثبّت أمراء شباب موالين له في المناصب العليا في الدولة خاصة، كأمراء أو نواب أمراء في المحافظات الرئيسية.
اختيار شقيقه خالد بن سلمان الذي ما زال في العشرينات من عمره سفيرا في واشنطن، وتعيين اللواء أحمد عسيري، الذي رقي إلى فريق، نائبا لرئيس جهاز المخابرات العامة، والأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف وزيرا للداخلية، وتشكيل مركز أمن وطني وربطه بالديوان الملكي كلها خطوات جاءت لتكريس جميع الصلاحيات الأمنية والعسكرية إلى جانب الاقتصادية في يديه.
أثناء انطلاق طائرات “عاصفة الحزم” لشن عدوان على اليمن، هاتفني أحد كبار أعضاء الأسرة الحاكمة، وأكد لي أنه ضد هذا الهجوم لأن والده الملك عبد العزيز حذرهم من أي تورط في هذا البلد “الوعر” الذي هزم الإمبراطورية العثمانية وكان مقبرة لجنودها.
أسوق هذه الرواية، للإشارة إلى أن هناك حالة من “التذمر” في بعض أوساط الأسرة الحاكمة تجاه ما يجري من ترتيبات في قمة القيادة، ولعل الأنباء التي قالت أن ثلاثة من أمراء هيئة البيعة من مجموع 34 عضوا عارضوا قرار عزل بن نايف وتعيين بن سلمان مكانه، هي احد المؤشرات في هذا الصدد مع يقيننا بأن هيئة البيعة التي أسسها العاهل الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز لم تمارس دورها المنصوص عليه في ميثاق تأسيسها، وكان من أسسها أول من تجاوزها، ولم تعقد أي اجتماعات منذ ثلاث سنوات على الأقل.
لا نعرف أسماء الأمراء الثلاثة الذين قيل أنهم رفضوا مبايعة الأمير بن سلمان ولي العهد، ولكننا نستطيع أن نتكهن بأن أولهم الأمير طلال بن عبد العزيز، والثاني أحمد بن عبد العزيز، والثالث ربما يكون الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز.
ذهاب الأمير بن نايف إلى قصر الأمير بن سلمان مبايعا، كان لافتا، تماما مثلما فعل ولي العهد الأسبق المعزول الأمير مقرن بن عبد العزيز، ولا نعتقد أنه أقدم على هذه الخطوة طوعا، وليس أمامه أي خيار إلا العزل، وربما الإقامة الجبرية أن لم يفعل، فأثر السلامة، وهو الرجل الذي كان يعرف بالرجل الحديد في مواجهة الإرهاب.
تقبيل الأمير بن سلمان ليد ابن عمه بن نايف، وبطريقة لافتة، ومحاوله الركوع لتقبيل قدمه، أمام عدسات التلفزة، وبث اللقطات هذه عشرات المرات، ربما كانت تعكس شعورا بالذنب، او “مجاملة” محكمة الأعداد لأمير قدم خدمات كبيرة لبلاده في حفظ الأمن، ووجد نفسه في بيته عاطلا عن العمل، ومنزوع الصلاحيات، وربما تكون هذه البيعة آخر ظهور له على شاشات التلفزة.
السعودية تدخل حاليا مرحلة تتسم بالغموض فقد بات مصيرها محصورا في يد شاب لا يزيد عمره عن 32 عاما، ويتخذ قراراته بمعزل عن أهل العلم والخبرة، وإلا لما أقدم على الزج ببلاده في حرب اليمن المستمرة منذ عامين دون حسم، وتصعيد الخلاف إلى حافة المواجهة العسكرية مع قطر.
التعديلات التي أدخلها الملك سلمان بن عبد العزيز على النظام الأساسي للحكم بمنع نجله الأمير بن سلمان من تعيين ابنه وليا لعهده، واختيار أحد الأمراء من فروع العائلة الأخرى (أحفاد عبد العزيز فقط) لهذا المنصب، ليس لها أي قيمة حقيقية، فالملك سلمان أول من اخترقها بتعيينه نجله وليا للعهد، ولم يحترم أي من قرارات ومراسيم سلفه الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، عندما أطاح بالأمير مقرن، ولي العهد، في الشهر الأول لتوليه الحكم، ويستطيع الأمير بن سلمان أن يلغي هذه التعديلات فور توليه العرش سائرا على نهج والده حرفيا.
***
من الصعب تقديم أي قراءة دقيقة للانعكاسات الإقليمية لهذه القرارات السعودية غير المفاجئة، لكن ما يمكن توقعه حدوث تصعيد سعودي إماراتي في الأزمة مع قطر، فمن أسباب عزل الأمير بن نايف هو قربه منها، مثلما نتوقع ترجمة لتهديدات الأمير بن سلمان بنقل المعركة إلى العمق الإيراني، من خلال “تثوير” الأقليات العرقية والطائفية بالتنسيق مع إدارة ترامب، والزج بكل الثقل العسكري السعودي في اليمن على أمل تحقيق انتصارات سريعة في جبهات القتال الساخنة مثل الحديدة وتعز وصعدة ومأرب وصنعاء طبعا، والقائمة طويلة.
الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي “والأب الروحي” للأمير بن سلمان سيكون الأكثر سعادة بتولي حليفه وصديقه ولاية العهد في السعودية، ولا نستبعد أن يقدم على الخطوة نفسها، وتوليه سدة الرئاسة في الإمارات لأن الشيخ خليفة بن زايد لا يمارس الحكم بسبب المرض، وترك له هذه المهمة.
الأشقاء في الخليج كانوا يتهمون العرب الآخرين بالتهور والعصبية والحروب والانقلابات، ويتباهون بضبط أعصابهم، ودقة حساباتهم، وحكمة قرارات قادتهم، والبعد عن القلاقل والاضطرابات، ويبدو أن الحال أصبح واحدا ومتطابقا، و”تشابهت البقر”،.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/06/22