الأزمة الخليجية وخسارة “الدولة الإسلامية” الوشيكة في الموصل تغيران خريطة التحالفات في سورية والمنطقة
عبد الباري عطوان
ازدياد نيران الأزمة الخليجية اشتعالا، وتراجع احتمالات الوصول إلى اتفاق سياسي ينهي حالة التوتر بين دولة قطر وخصومها الأربعة (السعودية، الإمارات، مصر والبحرين)، وتورط تركيا بصورة مباشرة وإرسالها قوات إلى الدوحة، كلها عوامل قد تنعكس بصورة ايجابية بالنسبة للأزمة السورية، وتكرس حالة التهدئة الحالية، خاصة إذا وضعنا في عين الاعتبار الخسائر الكبرى التي منيت بها “الدولة الإسلامية” أو “داعش” في الموصل، وبدرجة أقل في أطراف مدينة الرقة عاصمتها الرسمية.
ربما هي المرة الأولى، ومنذ سبع سنوات تقريبا تتراجع فيها الأزمة السورية من مكانها الدائم على صدر الصفحات الأولى للصحف ونشرات الأخبار الرئيسية في محطات التلفزة، إلى الصفحات الداخلية، ولمصلحة تطورات نظيرتها الخليجية القطرية المتسارعة.
تفسير هذا التراجع لا يحتاج إلى الكثير من الاجتهاد والبحث، فالأطراف الرئيسية المتورطة في الأزمة السورية حولت اهتمامها باتجاه نظيرتها الخليجية، فالخصمان اللدودان، أي قطر والمملكة العربية السعودية اختلفا على معظم القضايا العربية، واتفقتا على هدف واحد وهو التسريع بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد وحكومته، وفتح أبواب خزائنهما وصناديقهما السيادية الطافحة بالمليارات لتمويل الفصائل السورية المسلحة، وتوظيف إمبراطوريتهما الإعلامية للتحريض والتعبئة في هذا الاتجاه.
***
الصدام القطري السعودي لم يقتصر على الحربين الاقتصادية والإعلامية بين البلدين، وإنما بات نقطة استقطاب للقوى الإقليمية والعالمية أيضا، وهو استقطاب تجاوز الكثير من المحرمات، وحول الأعداء إلى حلفاء، وفرض واقعا سياسيا جديدا.
نشرح أكثر ونقول أن تركيا وإيران اللذين خاضا حربا دموية، سواء بشكل مباشر، أو غير مباشر، على الأرض السورية، باتا يقفان في خندق واحد، أي الخندق القطري، في مواجهة التحالف السعودي الإماراتي المصري البحريني، وإذا كانت إيران اكتفت بفتح أجوائها وموانئها للطائرات والسفن القطرية فإن تركيا ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك كثيرا عندما أرسلت قوات ودبابات ليس لحماية حليفها القطري من أي تدخل عسكري من قبل الجيران الخصوم، وإنما أيضا من أي اضطرابات داخلية يعمل هؤلاء الخصوم على إشعال فتيلها لزعزعة استقرار النظام القطري على غرار ما حدث عام 1996.
زملاء صحافيون زاروا دمشق قبل أسبوع، قالوا أن أهل الحكم في سورية في ذروة الارتياح من انفجار هذه الأزمة بين أكثر دولتين وقفتا خلف “المؤامرة” التي استهدفتهم، وأضافوا بأن شهر رمضان الماضي كان أكثر الشهور استقرارا وطبيعية منذ سنوات، وأكدوا أن رجالات النظام في الصفين الأول والثاني يسيطر عليهم اعتقاد راسخ بأن أزمة بلادهم في طريقها للانتهاء، أن لم تكن قد انتهت فعلا، بالنظر إلى قناعة راسخة بأن التطورات في معظمها تسير في صالحهم، وأن فصائل المعارضة السياسية والعسكرية تعيش هذه الأيام أسوأ أوضاعها، وتعاني من الإهمال والانقسامات الإضافية الناجمة عن تفاقم الأزمة بين داعميها الخليجيين.
أن يؤكد الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين في اتصال هاتفي بينهما أجراه الأول، على أهمية التعاون لحل المسألة السورية، فهذا يعكس المتغيرات الرئيسية في المعادلة السورية التي تحدثنا عنها في بداية هذا المقال.
إسقاط النظام في سورية لم يعد على قمة أولويات الرئيس أردوغان، ولا نبالغ إذا قلنا أن هذا الهدف تراجع إلى مراتب متدنية على هذا السلم، وتقدمت عليه أولويات اخرى مثل منع قيام دولة، أو دول كردية، في سورية والعراق وتركيا نفسها، والتصدي لخطر جدي يريد تغيير النظام القطري الحليف.
***
تحالفات منطقة الشرق الأوسط من أكثر التحالفات العالمية تقلبا وتغيرا، وتنتقل من النقيض إلى النقيض في طرفة عين، ألم يكن الرئيس السوري بشار الأسد من أقرب الناس إلى قلب الرئيس أردوغان، ألم يكن العقيد معمر القذافي من أبرز أصدقاء أمير دول قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني؟ ألم تكن حركة “الإخوان المسلمين” من أقرب الحركات وأكثرها وثوقا بالنسبة إلى الأسرة السعودية الحاكمة.
الرئيس أردوغان يريد حلا سلميا في سورية بعد أن أدرك أن الحل العسكري بات مستحيلا، وأن تركيا باتت تواجه تهديدا وجوديا متمثل في الدعم الأمريكي المتصاعد للأكراد، ولا يمكن أن تواجه هذا التهديد بدون علاقات تحالفية جيدة مع سورية والعراق وإيران بعد أن خسرت الحليفين الأمريكي والسعودي.
الرئيس بوتين هو البوابة التي يمكن أن يدخل عبرها الرئيس أردوغان للوصول إلى اتفاق مع التحالف الإيراني العراقي السوري، وربما يضاف إليه القطري قريبا، فالعراق وبعد استعادته لمدينة الموصل، والتخلص من الجزء الأكبر من خطر تنظيم “الدولة الإسلامية”، سيركز على كيفية استعادة دوره الإقليمي أو معظمه، وتفعيله في المحور الإقليمي الإيراني.
مصالح الرئيسيين أردوغان والأسد باتتا تلتقيان، ودون تنسيق، على أراضيه الأزمة القطرية، التي يمكن أن تقرب بينهما بعد تنافر وتقاتل استمر سبع سنوات تقريبا، ولا غرابة في ذلك، ألم نقل لكم أن تحالفات الشرق الأوسط وخصوماته هي الأكثر تقلبا في العالم بأسره؟
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/07/02