مؤتمر المعارضة لم يفشل بسبب الخلاف على مستقبل الأسد وإنما لأسباب أخرى..
عبد الباري عطوان
أن يفشل اجتماع الرياض الذي دعت إليه الهيئة العليا للمفاوضات بضوء أخضر سعودي، وبحضور ممثلين عن منصتي القاهرة وموسكو في نظر الكثيرين، فهذا متوقع، ولا ينطوي على أي جديد، لأن هناك شبه إجماع عربي ودولي على حتمية بقاء الرئيس بشار الأسد في قمة السلطة، وحدوث تغييرات جذرية في خريطة التحالفات في المنطقة، أبرزها صعود محور تركي إيراني روسي، في مواجهة محور آخر، سعودي إماراتي يحظى بدعم الولايات المتحدة الأمريكية، يحاول جذب مصر إليه، ولكن مجرد انعقاده، ومشاركة ممثلي منصتين تدعمهما روسيا ومصر في الاجتماع هو نجاح بحد ذاته.
انتهاء اجتماع الرياض الذي انعقد يومي الاثنين والثلاثاء، دون التوصل إلى اتفاق على تشكيل وفد موحد ووضع برنامج سياسي مشترك، ليس لأن هذا البرنامج يؤكد على رحيل الرئيس الأسد، وإنما لأن الهدف من هذا الاجتماع أيضا هو إبعاد المقربين من دولة قطر وتركيا، من الوفد المعارض أولا، والخريطة السورية المستقبلية ثانيا، انعكاسا لتطورات الأزمة الخليجية وصراعات كسر العظم بين المتصدرين فيها.
المملكة العربية السعودية التي كانت تعارض بشراسة أي دور للرئيس السوري في مستقبل سورية، تراجعت عن هذا الموقف، وأن نفت ذلك على استحياء شديد، لإدراكها بصعوبة تحقيقه في ظل صمود الجيش السوري، وانهزام المشروع الأمريكي لمصلحة نظيره الروسي، وهذا ما يفسر حرصها، أي السعودية، على مشاركة المنصتين الروسية والمصرية، والاقتراب أكثر من وجهة نظر القاهرة المؤيدة لبقاء النظام في دمشق، باعتبار ذلك ضمانة أساسية لبقاء سورية “عربية” موحدة في مواجهة الإسلام السياسي في شقيه المتشدد (الدولة والنصرة)، والمعتدل (الإخوان المسلمين)، ولتحقيق توازن مستقبلي مع المشروعين الإيراني والتركي.
إبلاغ السيد عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، وفدا من الهيئة العليا للمفاوضات بأن عليهم التعايش مع فكرة بقاء الأسد، وضرورة البحث عن أفكار جديدة، يعكس هذا التحول في الموقف السعودي ليس في الملف السوري فقط، وإنما في ملفات أخرى مثل الملفات العراقية واليمنية والإيرانية.
*
نبرة الثقة التي كانت واضحة في الخطاب الذي ألقاه الرئيس بشار الأسد يوم أمس الأول (الأحد) في افتتاح مؤتمر وزارة الخارجية السورية، نابعة من استيعابه للمتغيرات الإستراتيجية في المنطقة، أبرزها قرب الحرب في سورية من محطتها النهائية، أن لم تكن قد وصلتها فعلا.
مشاركة مصر بوفد كبير في معرض دمشق الدولي كانت رسالة سياسية على درجة كبيرة من الأهمية تعكس بدء التنافس، ولا نقول الصراع، على النفوذ في “سورية الجديدة” بين القوى الإقليمية والدولية، وبدء مسيرة التطبيع العلني السياسي والاقتصادي معها.
زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان النادرة إلى العاصمة الأردنية عمان، والزيارة الأهم والأخطر التي سبقتها للجنرال محمد حسين باقري، رئيس هيئة أركان الجيوش الإيرانية لأنقرة قبل أيام (15 آب الحالي)، وتوقيع اتفاق عسكري إستراتيجي بين البلدين، وتهديد الرئيس حسن روحاني بالرد على العقوبات الأمريكية على بلاده باستئناف تخصيب اليورانيوم فورا، وبنسبة تصل إلى 20 بالمئة في خلال خمسة أيام، كلها مجتمعة أو متفرقة، تعكس وقوف المنطقة على حافة تطورات خطيرة، وتبلور خريطة تحالفات جديدة تنشأ على أنقاض خريطة التحالفات السابقة التي ظهرت أثناء اندلاع شرارة مظاهرات “الربيع العربي” وإطاحة الأنظمة في عدة دول عربية مثل ليبيا وتونس ومصر واليمن، وكان من المفترض أن يلتحق النظام السوري بها.
الخريطة الجديدة، ربما تحول الأصدقاء إلى أعداء، والأعداء إلى أصدقاء، فمن كان يتصور هذا الانفتاح السعودي اللامحدود على القيادات الشيعية العراقية تحت عنوان عروبة العراق، وقرار القيادة السعودية بفتح الحدود السعودية العراقية (معبر عرعر)، وفتح قنصليات في البصرة والنجف الأشرف؟ ومن كان يراهن على استعداد السعودية للتحالف مع الرئيس علي عبد الله صالح عبر جهود إماراتية ضد الحوثيين، وهي التي اعتبرت المصالحة مع صالح خطا أحمر؟
إبراهيم كارغول، الكاتب المخضرم في صحيفة “يني شفك” التركية المقربة من الرئيس أردوغان كتب سلسلة من المقالات في الأسبوع الماضي، تلخص القلق التركي الأردوغاني من خريطة التحالفات الجديدة التي باتت في طور التطور المتسارع في المنطقة فقط، واحتمال إقصاء تركيا وتهميشها وإخراجها كليا من سورية، وإبعادها عن منطقة الشرق الأوسط برمتها، وربما تقسيمها أيضا، وهذا ما يفسر زيارته للعاصمة الأردنية، وتوقيع الاتفاق الاستراتيجي العسكري مع إيران.
السيد كارغول كان يمهد في هذه المقالات لتهيئة الرأي العام التركي لحدوث انقلاب في مواقف حكومة بلاده في ملفات المنطقة، وخاصة الملف السوري، عندما أوصى بضرورة إصلاح العلاقات السورية التركية فورا، وتوثيق العلاقات مع العراق على الصعد كافة، والتخلي عن الفصائل السورية المعارضة، والحفاظ على سورية موحدة، ومنع تقسيمها بكل الطرق، لأن تقسيم سورية سيكون مقدمة لتقسيم تركيا، وتحدث عن مخطط أمريكي تدعمه السعودية وحلفاؤها، يشكل أخطر تهديد وجودي لتركيا الحالية منذ قيامها بعد الحرب العالمية الأولى، يتمثل في إقامة كيان كردي على الحدود السورية الشمالية تسانده، أي المخطط نفسه، إسرائيل أيضا.
*
باختصار شديد يقترح، السيد كارغول قيام تحالف سوري عراقي تركي إيراني مدعوم روسيا، في مواجهة التحالف الأمريكي السعودي الإماراتي الإسرائيلي الموجه ضد إيران وتركيا، حسب رأيه، ويؤكد أن “المسألة السورية” انتهت.
أن انتهاء “المسألة السورية” يعني انتهاء المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، إذا سلمنا بفرضية وصحة الكاتب التركي كارغول وتنبؤاته وخريطته المستقبلية، وربما هذا ما يفسر فشل مؤتمر المعارضة في الرياض من التوصل إلى اتفاق على مشروع برنامج سياسي مشترك، وهذا ما يفسر أيضا توقف تركيا وقطر عن تقديم 350 ألف دولار شهريا، لتغطية نفقات الائتلاف الوطني السوري الشهر الماضي.
حديث الرئيس الأسد عن إفشال المشروع الغربي في سورية في خطابه الأخير لم يكن صدفة، أو من قبيل التمنيات، وإنما بناء على قراءة جديدة، مدعومة بالمعلومات، عن التطورات المستجدة في المنطقة وليس في سورية وحدها.
صحيح أن الرئيس الأسد هاجم الرئيس أردوغان بشراسة في الخطاب، ولكننا لا نستبعد أن نرى الأخير في دمشق، بوساطة روسية إيرانية، أو الاثنين معا، فهذه هي السياسة وأحكامها.. والله أعلم.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/08/23