ترامب يَرضخ لإملاءات نتنياهو ويُمهّد للانسحاب من الاتفاق النّووي تمهيدًا لعَودة العُقوبات..
عبد الباري عطوان
من استمع إلى خِطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة أمس يَخرج بانطباعين أساسيين: الأول تطابقه بالكامل مع خِطاب نَظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والثّاني أنّه قَرعٌ لطُبول حَرب ضد إيران.
ترامب وَصف إيران في الخِطاب بأنّها “دولةٌ مارقة” و”ديكتاتوريّة فاسدة”، تُصّدر العُنف والفَوضى وسَفك الدّماء، وقال أنه اتخذ قرارًا بشأن المَوقف من الاتفاق النّووي، ولكنّه لن يُعلنه، ممّا دَفع الكَثير من المُراقبين إلى بَلورة قناعة مَفادها أنه بصدد الانسحاب من هذا الاتفاق، تنفيذًا لالتزاماته الانتخابيّة التي وَعد فيها بتَمزيقه باعتباره الأسوأ في تاريخ أمريكا، ورضوخًا لإملاءات اللّوبي الإسرائيلي.
انسحاب ترامب من الاتفاق المُتوقّع مُنتصف شهر تشرين الأول (أكتوبر) المُقبل، حيث من المُقرّر أن يُدلي بشهادته أمام الكونغرس بمُناسبة مَوعد مُراجعته النّصف سنوي، سيُؤدّي إلى عَودة العُقوبات والحِصار الاقتصادي المَفروض على إيران، الأمر الذي قد يَدفع حُكومتها بالرّد باستئناف فوري لتخصيب اليورانيوم بمُعدّلات عالية جدًّا ممّا يُؤهّلها لإنتاج رؤوس نوويّة.
***
لم يَكن من قبيل الصّدفة أن يُطالب نتنياهو في خِطابه أمام الجمعيّة العامة، وقبل خِطاب ترامب بساعات، بضَرورة إلغاء الاتفاق النووي، أو تَعديله، ويَصف إيران بأنّها “نمر جائع″ مُطلق العَنان، ولم يَكن من قبيل الصّدفة أيضًا أن يُعلن غادي ايزنكوت، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، أنه لدى الجيش الإسرائيلي خُطط جاهزة لمُهاجمة إيران، وأن “حزب الله” اللّبناني أحد أذرعتها العَسكريّة هو العَدو الذي يُقلق إسرائيل لأنه حَصل مِنها على دَعمٍ هُجومي، واكتسب وسائل حديثة لجَمع المَعلومات (طائرة بدون طيّار).
ما نُريد قَوله أن الدّولة الوحيدة التي تَدعم ترامب في مَوقفه هذا هي دولة الاحتلال الإسرائيلي، بينما عارضه الاتحاد الأوروبي، وخاصّةً الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي طالب بالتمسّك بالاتفاق النووي، وقال أنّه “سيَكون من الخَطأ الانسحاب منه”، وفِعل الشيء نَفسه سيرغي لافروف، وزير خارجية روسيا الذي قال أن بلاده قلقة، ولكنّها ستُدافع عن هذا الاتفاق.
ترامب يُنفّذ حرفيًّا الإملاءات الإسرائيليّة، ويُخطّط لجَر بلاده والعالم لحَربٍ مُدمّرة خاصّةً في منطقة “الشرق الأوسط”، يكون أبرز ضحاياها العَرب والمُسلمين، وخاصّةً مُواطني الدّول التي تتواجد فيها قواعد عسكريّة أمريكيّة ستَكون أحد أهداف أيّ ردٍّ انتقامي إيراني إلى جانب إسرائيل.
إيران قطعًا لن تَقف مَكتوفة الأيدي إزاء مُحاولة إلغاء اتفاق تفاوضت عليه مع الدّول السّت الكُبرى حوالي خمس سنوات، وبما يُعيد العُقوبات الاقتصاديّة التي عانت منها لعُقود، وألحقت ضررًا كبيرًا باقتصادها ورفاهيّة شَعبها، وهذا ما يُفسّر رد فِعل الرئيس حسن روحاني، الذي قال أن بلاده مُستعدّة لكل السيناريوهات بِما في ذلك استئناف أنشطتها النوويّة فورًا، ولا يَفوتنا التوقّف عند التّصريح الأخطر والأوضح الذي أدلى به السيد محمد علي جعفري، رئيس الحرس الثوري الإيراني، وهَدّد فيه بتوجيه ردود مُوجعة إلى أمريكا على لاتهامها بلاده بدعم الإرهاب، وتصدير العُنف والفَوضى.
***
الرئيس ترامب، وبعد فَشل مشاريعه في سورية والمَنطقة بأسرها، والحَرج المُهين الذي تلقّاه على أيدي الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، الذي تحدّاه في إجراء تجارب نوويّة باليستيّة ونوويّة مُتقدّمة جدًّا، يُريد العَودة بقوّة إلى منطقة الشرق الأوسط، وإشعال الحُروب فيها، لأنه يَعلم جيّدًا أن هناك حُكومات نفطيّة ستُغطّي نَفقات هذهِ الحَرب، ولا تُمانع في تحويل مُواطنيها إلى ضحايا فيها.
الإسرائيليون الذين يُحرّضون على هذهِ الحَرب سيَدفعون ثَمنًا غاليًا، ولن يكونوا في مأمن أيضًا سواء أثناء اندلاع هذهِ الحَرب أو بعدها، فهُناك مِئات الآلاف من الصّواريخ ستَكون مُوجّهة إلى مُدنهم ومُستوطناتهم، من إيران ومن وسورية، ومن جنوب لبنان، لأن هذهِ الحَرب ستَكون حتمًا أم الحُروب، وربّما آخرها في المَنطقة، فالأمريكان يُمكن أن يَسحبوا قوّاتهم وأساطيلهم، ولكن إلى أين سيَذهب الإسرائيليون؟ هل سيَلحقون بهم؟
ترامب باختصارٍ شديدٍ يَلعب بالنّار، وقَد لا يَحرق أصابعه فقط، وإنّما الملايين من أهلنا الأبرياء أيضًا أذا لم يَتم كَبح جِماحه، والسّيطرة على نَزعاته الجُنونيّة وهَيمنة غَطرسة القوّة على تصرّفاته ومَواقفه.. ولكنّها لن تَكون حَربًا في اتجاهٍ واحد هذهِ المرّة.. والأيام بيننا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/09/21