“الدولة الإسلامية” ستصل إلى فلسطين المحتلة شئنا أم أبينا..
عبد الباري عطوان
لم تفاجئنا عملية الهجوم التي نفذها مسلح “مجهول” اقتحم حانة في وسط تل أبيب، وأطلق النار على روادها، وقتل اثنين منهم وأصاب خمسة آخرين، وفق الإعلان الرسمي للشرطة الإسرائيلية، فمثل هذا الهجوم، أو ما يشابهه، متوقع، ولا نبالغ إذا قلنا أنه تأخر، وأن الأيام المقبلة قد تكشف عن تكثيف لمثل هذه الهجمات، في ظل هذا الانسداد في عملية السلام، والتغول الإسرائيلي في الاستيطان والقتل.
الحكومة الإسرائيلية مسؤولة مسؤولية مباشرة عن هذه العملية، وأي أخرى مثلها، ورئيسها بنيامين نتنياهو، والمحكمة العليا الإسرائيلية التي تصدر القوانين والتشريعات على مقاس سياساتها العنصرية الانتقامية الدموية.
فعندما تكون عقوبة من يرمي حجرا عشر سنوات سجنا، وعقوبة من يحمل مقصا، الإعدام الفوري دون نقاش، والدوس على جثمانه (أو جثمانها) بأحذية الجنود الإسرائيليين، ونسف منزل الأهل كعقاب على هذه “الجريمة”، التي لم ترتكب، فماذا يتوقعون إذا من ردود فعل لهؤلاء الشبان الفلسطينيين؟ يقيمون الحفلات ترحيبا بالجنود الإسرائيليين، ويضعون عروق الرياحين في فوهة بنادقهم فرحا برصاصها القاتل لأهلهم؟
فإذا كان حمل مقص، أو سكين، يؤدي بصاحبه، أو صاحبته، إلى الشهادة برصاص المستوطنين والجنود الإسرائيليين فورا، فأن هذا قد يدفع البعض بأن يبحث عن بندقية آلية أو مدفع رشاش، واقتحام الحانات والحافلات، وقتل أكبر قدر ممكن من المستوطنين أو الجنود الإسرائيليين، ما دامت المحصلة النهائية هي القتل الميداني المتعمد.
***
ثلاثة اشهر والجنود الإسرائيليين يقتلون المشاركين في الانتفاضة المندلعة حاليا في فلسطين المحتلة عام 48 بدم بارد، وبتعليمات مباشرة من نتنياهو، وطاقم حكومته، وتواطؤ المحكمة الإسرائيلية العليا، وقطاع عريض من وسائل إعلام إسرائيلية، دون أن يتحرك أحد لمنع هذه المجازر التي تتم في وضح النهار، وأمام مرأى العالم “المتحضر” ومسمعه، وعدسات تلفزيوناته.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس أكثر المسؤولين الفلسطينيين “اعتدالا” وخنوعا منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين قبل 68 عاما، ذهب إلى الأمم المتحدة وجمعيتها العامة باكيا على السلام واتفاقياته، شاكيا من عدم التزام “الشريك” الإسرائيلي بها، وانتهاكه المتواصل لها، فماذا كانت ردود فعل هذا العالم الغربي المنافق بزعامة أمريكا، الذي كان يدفعه وغيره دفعا إلى التفاوض والقبول بالشروط الإسرائيلية، مقابل دويلة مسخ على 20 بالمئة من أرض فلسطين التاريخية؟ لا شيء على الإطلاق.. إدارة الوجه إلى الناحية الأخرى، وإلقاء محاضرات حول فضيلة الصبر.
من المؤسف، بل والمخجل، أن الرئيس عباس لم ينفذ أيا من تهديداته بوقف التنسيق الأمني الذي يوفر الحماية للاحتلال ومستوطنيه، ويزج بالنشطاء في غياهب السجون، أو إلغاء بروتوكول باريس الاقتصادي، الذي جعل الاقتصاد الفلسطيني زائدة دودية ملتصقة بنظيره الإسرائيليين، وفرض البضائع الإسرائيلية وحدها على أكثر من أربعة ملايين فلسطيني تحت الاحتلال.
الرئيس عباس، لم تتحرك دماء الكرامة والشهامة في عروقه، وهو يتابع من شباك بيته القوات الإسرائيلية وهي تقتحم فنائه وحديقته الخلفية، وتعتقل الشبان الفلسطينيين، ولن يتحرك حتى لو دخلوا غرفة نومه وفتشوا سريره، وكان رده “البطولي” إصدار أوامر لـ”قواته” بتفريق مظاهرة بالقوة احتجاجا على الاحتلال.
أما أعمال القتل العنصري هذه، والإهانات التي تلحق بالفلسطينيين جميعا من قبل الاحتلال وقواته ابتداء من “الرئيس″، وانتهاء بأصغر طفل فلسطيني تنهش لحمه كلاب المستوطنيين، لم يبق هناك أي مجال للصبر أو التحمل، والاستماع لأصوات الغربيين والشرقيين معا، فقد طفح الكيل.
الإسرائيليون يريدون أن يدفعوا الشعب الفلسطيني لاستيراد “الدولة الإسلامية” وعقيدتها وأساليبها، أو أي تنظيم مثلها، وستتحقق رغبتهم هذه قريبا، أن لم تكن قد تحققت بالفعل، وهذا الهجوم ربما يكون البداية، وهنيئا لهم على ما رغبوا وتمنوا، وبغض النظر عما إذا كان مثل هذا التطور يفيد القضية الفلسطينية أو يضرها، فلم يعد هناك لدى الشعب الفلسطيني ما يخسره.
السيد أبو بكر البغدادي زعيم “الدولة الإسلامية” قال في تهديد نادر لإسرائيل أصدره قبل أسبوع في شريط “ما نسينا فلسطين لحظة، وبأذن الله لن ننساها وقريبا بأذن الله تسمعون دبيب المجاهدين وتحاصركم طلائعهم في يوم ترونه بعيدا، ونراه قريبا، وها نحن نقترب منكم يوما بعد يوم وسيكون حسابكم عسيرا”.
***
الأخطاء الأمريكية الكارثية في العراق وليبيا وسورية، وفرت الحاضنة لنشوء “الدولة الإسلامية” وتمددها.. والأخطاء الكارثية الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية والعرقية معا، ستوفر لها الحاضنة الأكثر دفئا على الأرض الفلسطينية آجلا أو عاجلا، وسيكون المأزق أكثر خطورة ودموية، وليجرب الإسرائيليون الإرهاب الحقيقي، ولا نستغرب إذا ما ترحموا على أيام “فتح” و”حماس″.
“الدولة الإسلامية” إذا وصلت إلى الأرض الفلسطينية لن تكون مثل السلطة، يمكن تدجينها من خلال إغراقها بالأموال والسلام الاقتصادي، وبطاقات الشخصيات المهمة (VIP) وخداعها باسم دولة وعلم، وحرس رئاسي مزور، و160 ألف موظف على قوائم معاشاتها، ولن تكون مثل حركة “حماس″، يمكن حصارها ومليوني فلسطيني معها في قطاع غزة، وتجويعها بمساعدة الجار المصري الأمين في المستقبل المنظور على الأقل، ويكفي أن تنظر إسرائيل إلى ما يحصل في العراق سورية لتتأكد مما نقول، أو حتى إلى شبه جزيرة سيناء باعتبارها أكثر قربا.
الظروف تتغير بسرعة، وإسرائيل لن تكون محصنة من الفوضى الدموية التي تجتاح المنطقة حاليا، ولن تفيدها قنابلها النووية، ولا طائراتها من كل الطرازات و”الآفات”، وهي التي أوصلت نفسها، ومستوطنيها، والمنطقة بأسرها إلى هذا الوضع، وعليها أن تتحمل نتائج إرهابها وسياساتها، إن آجلا أو عاجلا.
فإذا كانت هذه “الدولة” التي تختلف معها وإيديولوجيتها ودمويتها تمددت ووصلت إلى ليبيا والصومال وسيناء وأفغانستان والفلبين ومالي ونيجيريا واليمن والقوقاز، وفجرت ستة أهداف في قلب باريس، فلماذا لا تصل، او معتنقي إيديولوجيتها إلى فلسطين المحتلة؟
من يزرع الريح يحصد العاصفة، والعاصفة آتية لا ريب فيها، والأيام بيننا.
رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/01/02